الاثنين، 29 ديسمبر 2008

الاعتذار


قبل بضع سنوات حضرت مؤتمرا في جامعة ماساسيوستش في مدينة بوسطن وكان المؤتمر كله مخصصا لموضوع الاعتذار، وشارك في المؤتمر علماء نفس واطباء ومحامون وسياسيون وعلماء تاريخ وبعض اهالي ضحايا الجريمة، وسوف اذكر هنا بعض الامور عن الاعتذار،

أولا: من منا لا يخطئ؟ كلنا نخطئ أحيانا وذلك طبيعي لاننا بشر، فالبشر محدود العلم، العلم بالماضي او الحاضر او المستقبل، العلم بنفسه او الاخرين، والانسان تحركه أحيانا امور تؤدي به الى الخطأ، فلابد أن نعرف اننا كلنا وبلا استثناء نخطئ احيانا، والشخص الذي يعتقد انه لم ولا ولن يخطئ اما انه مريض نفسيا او جاهل مغرور او لا يعرف معنى الخطأ، فمع الاسف كثيرون يعتقدون أنهم لم يخطؤا بحق أحد لانهم يرون سلوكهم فقط كردة فعل لتصرف الاخرين، فمثلا الزوج الذي يضرب زوجته قد لا يرى خطأه لأنه يعتقد أنها دفعته لذلك "بطول لسانها"، والزوجة التي تخون زوجها قد لا ترى خطأها لانها ترى أن زوجها دفعها لذلك باهماله لها وسوء معاملته، بمعنى أن كثير من الناس تجد مبررات لاعمالها ولذلك لا ترى خطأ ما تفعل ولا ترى مبررا للاعتذار، وينطبق ذلك أيضا على المؤسسات والدول، فكل انسان يبرر "شره بشر غيره"، بمعنى أن الانسان يفعل الشر ويبرره بشر غيره، وهنا يدور الطرفان في حلقة مفرغة، شر يقابله شر وتتطور الامور، ولكن كيف يمكن ان نكسر هذه الحلقة؟ الحل هو الاعتذار والصفح، وسوف اكتب عن الصفح لاحقا،



ثانيا: في كثير من الحالات كل ما يريده الشخص الذي اخطئ في حقه هو ان يقدم المخطئ اعتذارا صادقا عن الخطأ، فكثير من المشاكل يمكن انهائها او حلها بتقديم اعتذار صادق، وينطبق ذلك على علاقات الاشخاص والمؤسسات والدول، ولكن بالطبع عناك عقبات أمام تقديم الاعتذار الصادق، فأحيانا يخاف الشخص من الملاحقة القانونية ان اعترف بجريمة مثلا، فمثلا قد تكون هناك عواقب ان اعترف الموظف بتقاضيه رشوة او اعترف الزوج بخيانته، فالاعتذار يتضمن الاعتراف بالخطأ، واحيانا تعوق الكرامة تقديم الاعتذار، فالاعتذار قد يضع المعتذر في موقف ضعف، وخصوصا ان كان الاعتذار امام الناس او لشخص يعتبر خصما،

ثالثا: الاعتذار مهم وله معاني كثيرة، الاعتذار هو اولا اعتراف بالم الشخص الاخر، فعندما تقول "أنا اسف اني جرحت مشاعرك" فانت تقول انك ترى جرح الشخص الاخر، لا شيئ يؤلم اكثر من ان تكون مجروحا ويتصرف الذي جرحك وكأنه لم يفعل شيئ "ويعمل نفسه مو فاهم"، فالاعتذار هو اعتراف بانك ترى الم الشخص الاخر وان المه ليس وهما وانما حقيقة،

وعندما تقول "انا اسف" فانت ايضا تتحمل المسؤولية، مسؤولية عملك ومسؤولية الجرح الذي تسببت فيه، فانت تقول للشخص المجروح: "انا ارى المك، وسببه هو تصرفي، فالمك له سبب، وانا سببه، تصرفي سبب لك الالم، ومعك حق، فانا من جرحك"، الناس تلعب الاعيب احيانا للهروب من تحمل مسؤولية اخطائها، ومنها التبرير ومحاولة "التعامي" عن الم الاخرين، وفي الحقيقة هم يرون ويفهمون كل شيئ، ولكنهم في اغلب الاحيان يتهربون من مواجهة اخطائهم،

وعندما تقول "انا اسف اني جرحتك، او ظلمتك، او كذبت عليك...." فانت ايضا تعترف بان هناك مظلة اخلاقية مشتركة يخضع لها الناس، فانت تقول باعتذارك انك تعترف بان سلوكك خالف مبادئ اخلاقية مشتركة وانك ترغب في العودة تحت "المظلة الاخلاقية"، وهذا مهم حتى يعرف الشخص الاخر انك فهمت خطئك، وانك ستغير سلوكك ليتماشى مع الاخلاق المشتركة، وهذا ايضا مهم لبناء الثقة، فمع الاسف الكثير من الناس لا يعرفون معنى الثقة واهميته في حياة الناس والمجتمعات، فتصرفاتهم تهدم ثقة الناس بهم وبالاخرين، وان نظرت الى أي سلوك خاطئ ستجد انه يهدم الثقة، فمثلا التاجر الغشاش والموظف المرتشي والزوج الخائن كلهم يهدمون ثقة الاخرين بتصرفاتهم، طبعا هم يبذلون كل الجهد حتى لا "ينكشفوا"، ولكن سواء انكشفوا او لا فان سلوكهم خيانة للثقة، وان فقد الناس الثقة بعضهم في بعض شعروا بعدم الامان، وانتشر الخوف والقلق وحتى الغضب، فالناس تصبح لا تعرف ماذا يمكنها ان تتوقع من الاخرين، ويختفي الصدق من المجتمع، ويلبس الناس اقنعة لاخفاء حقيقتهم، الثقة شيئ غالي جدا، ولابد ان يقدره الانسان، وكما قلت سابقا كلنا بشر ونخطئ ولكن لا بد من الاسراع في الاعتذار والعودة عن الخطأ ومعالجة اثاره، فالاعتذار هو عودة الى المظلة الاخلاقية المشتركة في المجتمع،

وعندما تقول "انا اسف" فانك بذلك ترد للشخص الاخر القدرة في التحكم في الامور، فانت عندما اخطأت فانك اخذت من الشخص الاخر مالا تستحق، وهذا هو اساس كل الاخطاء تقريبا، الاخذ، او بمعنى اخر السرقة، فكل الاخطاء هي في حقيقتها سرقة باشكال مختلفة، فمثلا الشخص الذي يأتي امامك بسيارته و "يقطع عليك الطريق" هو لص، سرق منك حقك في الطريق الذي انت فيه، ، فالسرقة هي تقريبا في كل الاخطاء، فانت عندما تعتذر فانك ترد ما اخذت، ولكن ما الذي سرقت عندما اخطأت؟ طبعا قد تكون اخذت مالا او شيئ اخر، ولكنك باعتذارك ترد شيئ اخر سرقته، ترد للشخص الاخر كرامته، ترد له الحقيقة، ترد له احساسه بالثقة ويالامان، ترد له احساسه "بأن الدنيا لسه بخير"، ترد له احساسه بالعدل، وحتى ترد له ايمانه بالله الذي قد تكون اثرت فيه بسلوكك، طبعا يعتمد الموضوع على حجم الخطأ الذي ارتكبته،

من الامور المهمة ان نعرف ان للانسان كرامة يجب الا تهدر، فللطفل كرامة يجب الا تهدر بالضرب والاهانة، وللزوجة كرامة يجب الا تهدر، وللزوج كرامة يجب الا تهدر، وللوالدين كرامة يجب الا تهدر، وللاخ والاخت كرامة يجب الا تهدر، وللمراجع كرامة يجب الا تهدر، وللمريض كرامة يجب الا تهدر، ولكل الناس كرامة يجب الا تهدر، الكرامة لا تأتي فقط من الانتصارات العسكرية، ولكن تأتي من المعاملات اليومية في البيت والعمل والشارع، والانسان الذي يعرف معنى الكرامة يتصرف بطريقة تحترم كرامة الاخرين، ولكن مع الاسف هناك اناس لا يعرفون معنى الكرامة،

والاعتذار يرد الحقيقة للمجروح، ففي كثير من الاحيان كل ما يريده الانسان هو الحقيقة، لماذا فعلت ذلك؟ هل انت تحبني ام لا؟ ماذا كنت تفكر عندما فعلت ما فعلت؟ هل هناك من "سلطك"؟ في جنوب أفريقيا وبعد الحرب الاهلية بين البيض والسود، قام بعض المصلحين بتنظيم اسلوب جديد للتسامح، وفيه يأتي الشخص الذي قتل او اعتدى ويعترف بكامل الحقيقة امام الضحية او اهله ويجيب عن كل اسئلتهم ويستمع بالكامل الى المهم ونتائج عمله، وفي مقابل ذلك يصفح عنه، فلابد ان يكون الاعتذار مصحوبا بقول الحقيقة والاجابة على كل اسئلة المعتذر له،

كثير من الناس مؤمنة بالله، وعندها ثقة بالله وانها تحت رعايته وعندها امل في الله وعدله ورحمته وعونه، وانت عندما تكذب وتغش وتسرق وتعتدي وتخادع فانك "تختبر" العدل الانساني والعدل الرباني، وتهز ثقة الناس في هذا العدل، وفي رأيي الشخصي ان هناك اخطاء كبيرة جدا وقد لا يراها الكثيرون كذلك، فمثلا الموظف المماطل في المعاملات خطره على أمن الدولة مثل خطر الارهابي، بل هو معين للارهاب، فهو ينشر الغضب بين الناس والاحباط والخوف وعدم الثقة في اجهزة الدولة على الرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذلها لخدمة مواطنيها، وقد يرمي بسلوكه هذا ببعض الناس في احضان الاجرام والارهاب، ففي رأيي ان هذا الموظف المماطل او المرتشي هو عدو للدولة سواء كان ذلك بعلمه او لا، تخيلوا لو كان المواطنين يذهبون الى الدوائر الحكومية ويجدون معاملاتهم تتم بيسر ونظام واحترام فماذا سيكون رأيهم ومشاعرهم نحو حكوماتهم؟ الن يحبوها ويحترموها ويدينون بالولاء لها؟ اذن هذا الموظف المرتشي والمماطل هو عدو للدولة، ويسعى بقصد او عدم قصد الى اشاعة عدم الاستقرار في البلاد ولا بد من مكافحة امثال هؤلاء كما يكافح الارهاب، فمن مسؤولية الدولة ارساء العدل والقانون والنظام حتى يشيع الاستقرار والامن، وان "فلت" من العدل الانساني فانك مع مواجهة مع العدل الرباني، طبعا قد لا تكون مؤمنا بالعدل الرباني وهذا ما جعلك تسير في طريق الظلم والخطأ، ولكن ان نظرت في الكون فانك ستجد هناك انظمة لتصحيح الخطأ، فمثلا هناك نظام في الخلية لتصحيح الطفرات الجينية، وهناك انظمة لتصحيح مسارات الكواكب من خلال الجاذبية، فاعلم بانه سيتم تصحيح الخطأ بشكل او باخر،

رابعا: هناك اناس تعتذر بطريقة خاطئة، فاعتذارها قد يزيد من المشاكل بدل من ان يخفف منها، وهنا بعض الامثلة على الاتذارات الخاطئة وشرحها وشرح البديل:



"أنا اسف ان كنت اخطأت في حقك"
الاعتذار لا بد ان يكون "أنا اسف اني اخطأت في حقك" وليس "اذا كنت"، ليس هناك "اذا"، انت اخطأت ولا بد ان تعرف ذلك،



"أنا اسف انك زعلت"
هذا الاعتذار كأنه يقول للشخص الاخر "انت حساس زيادة عن اللزوم، وانا غير اسف لخطئي ولكن لاثارة حساسيتك"،

"انا اسف، الان اعتذر انت ايضا"
الاعتذار لا بد ان يكون من دون توقع مقابل، سواء اعتذار مقابل او مسامحة، الاعتذار هو اعتراف بالخطأ وطلب العفو، ومن ثم ترك الامور للطرف الاخر لتحديد رد فعله، الاعتذار ليس اسلوبا للتحكم في الاخر، ولكنه سلوك حضاري يدل على المحبة والحرص على استمرار العلاقة بما يرضي الطرفين

د. ماجد عشي
اللوحة: كبرياء
للفنانة التشكيلية السعودية رنا اسكندر

الأحد، 21 ديسمبر 2008

الكذب

لماذا يكذب الناس؟

لا بد أن نعرف أولا أن الكذب والخداع هي اشياء طبيعية، بمعنى انها موجودة في الطبيعة، فكثير من الحيوانات تخادع حتى تحصل على طعامها، فالحيوان المفترس يختبئ وراء الاشجار يتربص بفريسته وفجأة يهاجمها، والثعلب يدعي الموت، وكثير من الكائنات لها الوان تساعدها على الاختباء في البيئة المحيطة بها، فالجمل الاصفر لا يظهر عن بعد في الصحراء، والدب الابيض يختبئ في بيئة الثلج وهكذا، ولكن لماذا يكذب الانسان؟

هناك اسباب عديدة للكذب، ولكن لابد أن نعرف أن العديد من الاضطرابات النفسية تكون مصحوبة بالكذب وخصوصا اضطرابات الشخصية، فبعض الناس يكذبون كثيرا، واحيانا دون وجود ما يبرر هذا الكذب، وسوف اذكر هنا بعض اسباب الكذب،


1. الشخصية النرجسية:هذه الشخصية تحب المديح ومعجبة بنفسها وتحب الظهور وانتباه الناس، وتحب أن تظهر بأنها احسن من غيرها، فهي تكذب حتى تكون أجمل، فهي تبالغ في انجازاتها وتدعي امورا فقط للحصول على اعجاب الناس، فهي تحب أن تحمد بما لم تفعل، فالنجرسي كاذب وكذبه هو ما يغذي نرجسيته،


2. الشخصية المضادة للمجتمع:هذه الشخصية ليس لديها أخلاق، ولا يحركها غير مصالحها، فهي تكذب من أجل الحصول على ربح مادي او اهداف مصلحية أخرى، فهي الشخصية التي تخالف القانون وتبيع الاوهام للناس وتستغل ثقتهم، وهي كالحيوانات تتلون حسب البيئة التي حولها حتى تختبئ وتمارس اكاذيبها دون أن ينتبه الاخرون او هكذا تظن، فان كانت في بيئة متدينة ادعت التدين، وان كانت في بيئة "متحررة" ادعت التحرر، وهدفها هو فقط الحصول على ثقة الناس حتى يمكنها استغلالهم، فمن اسس النصب والاحتيال أن تحصل على ثقة الضحية أولا ومن ثم تنصب عليهم، فالكذب والخداع بالنسبة لهذه الشخصية هو من ادوات العمل، فالنجار يستخدم المنشار، وهذا الشخص يستخدم الكذب والخداع، وهؤلاء ليسوا فقط من المجرمين واللصوص بصورتهم المعتاد عليها في المجتمع، ولكن يكونون ايضا من الموظفين والمدراء واصحاب الاموال أحيانا، وهذا ما يسمى المجرمين اصحاب الياقات البيضاء،

3. الشخصية البوردرلاين:هذه الشخصية أكثر ما تخاف هو أن يهجرها من تحب، فان كانت متيقنة أن من تحب باق معها فأنها تراه افضل انسان في العالم، ولكن ان شعرت ولو للحظة أن هذا الشخص قد يتركها فأنها تنقلب للنقيض وترى هذا الانسان أسوأ شخص في العالم، وتفعل وتقول أشياء لجرح مشاعره وايذائه، وهدفها هو معاقبته على محاولة الترك او حتى على التفكير فيها، وفي أحيان كثيرة تكون هي متوهمة هذا الترك او الهجر، فمثلا قد تطلب أمرأة من زوجها أن لا يذهب للعمل والبقاء معها في البيت، ولكنه قد يعتذر نتيجة وجود مواعيد مسبقة، عندها قد تغضب وتبدأ في ايذائه، وبعد حين تهدأ وتندم على ما قالت او فعلت، فهذه الشخصية تكذب في مشاعرها، فهي قد تدعي أنها لا تحب انسان مع انها تحبه، وتدعي انها تحب اخر لجرح من تحب حقا، وتدعي أشياء كثيرة هدفها التحكم في الشخص الذي تحب والتحكم في تفكيره عنها، فمهم جدا عندها أن تتحكم في الصورة التي لدى الناس عنها، وهي تشترك في ذلك مع الشخصيات السابقة، فهي تكذب كثيرا في مشاعرها وتحاول تخفي مدى حبها لانسان ما وذلك خوفا أن تحب وثم يهجرها، فهذه الشخصية تكذب للتحكم في الناس الذين تحبهم وتخاف أن يتركوها، ومع الاسف قد تتصرف هذه الشخصية بشكل هوجائي ومدفوعة بمشاعر لحظية، فتأخذ قرارات قد تندم عليها لاحقا، وتكون هذه القرارات مدفوعة بمحاولاتها تجنب الاحساس بمشاعرها الحقيقية من خوف وقلق واكتئاب وغضب، فالكذب هنا هو اسلوبها للتعامل مع مشاعرها، فهي تكذب حتى لا تشعر، وتكذب حتى تظهر الشخص الاخر على أنه احسن الناس امام الاخرين وقت الرضى، واسوأهم وقت الغضب،






4. الشخصية القهرية:هذه الشخصية لا تكذب من أجل التحكم في الناس ولكنها تكذب من أجل التحكم في نفسها وحياتها، الاستقلالية مهمة عند هذه الشخصية، فهي تكذب للحفاظ على هذه الاستقلالية، يعني كأن كذبها يقول: "هذا مو شغلك، ايش دخلك، مو مهم تعرف، ومو لازم اقولك الحقيقة"، فهي مدفوعة اكثر ما يكون برغبة قوية في الاستقلال، وعادة ما تكون هذه الشخصية آتية من اسرة تتحكم فيها كثيرا، فعندها يكون الكذب هو الطريق الوحيد للحرية من هذا التحكم، وهي الى حد ما تشعر بالسعادة نتيجة هذه الحرية السرية، وهي قد تشعر بنشوة تعالي وانتقام، التعالي على الاخرين لانها "تعلم ما لا يعلمون" عن نفسها، وكأنها تقول: "أنتم الاغبياء، تظنون أنكم تتحكمون في، أنا افعل ما أريد وراء ظهوركم، بل وأمام اعينكم أيها المغفلين وأنتم لا تعلمون الحقيقة"، فهذه الشخصية مثلا قد تتحدث في الهاتف الى رجل امام اهلها او اخرين ترى انهم يحاولون التحكم فيها ولكنها تدعي أنه فتاة صديقتها، فهذه الشخصية تشعر بالحرية والعلوية والانتقام من تحكم الاخرين فيها، وهي لا ترى أن الاخرين يستحقون معرفة حقيقتها وحقيقة حياتها، وذلك حفاظا على استقلاليتها، وأحيانا تأخذ هذه الشخصية قرارات مفاجأة في حياتها، وتبدو سريعة لدى الاخرين، وهدفها هو "اختبار" و "اثبات" استقلاليتها وحريتها، فهذه الشخصية تكذب لتبني توقعات معينة لدى الناس، وعندما تتأكد أن الاخرين "عاشوا" وصدقوا هذه التوقعات فانها عندها تأخذ قرارات مفاجأة ومعاكسة لتلك التوقعات التي خلقتها وليس لها هدف سوى اثبات حريتها واستقلاليتها، فهي كمن يقود سيارة ويلف يمنة ويسرة بشكل مفاجئ ودون أسباب واضحة للاخرين،






وبالطبع هناك من يكذب نتيجة خوف من عقاب او لاخفاء شيئ او للحصول على شيئ او مجاملة وما الى ذلك، وفي كل الحالات يهدف الكذب الى خلق انطباعات لدى الاخرين تكون غير حقيقية، وقد يتصرف الاخرون بناء على هذه الانطباعات والمعلومات الغير صحيحة، وهذا ما يسمى بالخداع، فالكذب هو أخفاء الحقيقة أو اعطاء الاخرين معلومات وانطباعات خاطئة ولا تمثل الواقع، فالكذب هو الكذب ولكن الدوافع تختلف،


ولكن هل تعلمون ما هو عكس الكذب؟


العقل،


الكذب هو نوع من انواع الجنون، ولكنه الى حد ما اختياري،


وما الجنون غير الانفصال عن الواقع والعيش في أوهام!


وما أخطر أن تحب كذبة أكثر من حبك للواقع والحقيقة!


فاما ان تكون عاقلا او كاذبا




د. ماجد عشي


السبت، 20 ديسمبر 2008

اضطراب القلق العام

هناك العديد من الاضطرابات النفسية التي تصنف على انها اضطرابات قلق، بمعنى ان العنصر الاساسي فيها هو وجود القلق او الخوف الزائد، ومنها اضطراب القلق العام او ما يسمى جنرالايزد انزايتي، يتميز هذا الاضطراب بقلق زائد ومستمر، ففي اغلب الايام يعاني الشخص من القلق ويستمر ذلك لشهور، ويكون الشخص قلق بخصوص موضوع معين او نشاط معين، مثل القلق بخصوص الدراسة او العمل او الزواج او الامور المادية وغيره، ويتميز هذا الاضطراب ايضا بان موضوع القلق يتغير مع الوقت، فان تم حل مشكلة بدأ القلق بخصوص الاخرى، ففي حقيقة الامر الشخص قلق ولا يعرف لماذا ولكنه يقنع نفسه انه قلق بسبب موضوع معين، فهو يربط قلقه بمواضيع ليجد تفسيرا لقلقه، ويجد الشخص صعوبة في السيطرة على هذا القلق، وقد يشعر انه غير مسترخي، ودائما على "الحافة"، يشعر بالاجهاد سريعا، ويجد صعوبة في التركيز او التفكير بهدوء، عضلات جسمه مشدودة، وسريع الغضب، كما يعاني مشاكل في النوم من أرق او استيقاظ متكرر مع تفكير في المشاكل، ويعاني الشخص ايضا من آثار هذا القلق الجسمية من تسارع دقات القلب وتعرق في اليدين وسرعة او ضيق في التنفس وغيرها من الاعراض، ولا بد من استبعاد الاسباب العضوية قبل الدخول في الامور النفسية، فهناك امراض عضوية كثيرة قد تؤدي الى هذه الاعراض، كما قد تنتج هذه الاعراض عن شرب المنبهات مثل القهوة والمشروبات الغازية او المخدرات او بعض الادوية، فلا بد من كشف عام قبل التشخيص النفسي .
د. ماجد عشي

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

ساعة مع الحبيب تكفيك زيارة الطبيب


ومن الضروري أن نعرف أن هذا السلوك عند الأطفال لتكوين روابط وعلاقات مع الوالدين هو سلوك فطري له أسس بيولوجية وكيميائية في جسم الإنسان ، حيث أن هذا الارتباط بين الرضيع وأمه موجود في الحيوانات أيضا مثل القطط والكلاب والقردة . ووجد الباحثون أن مادتين كيميائيتين في الجسم تسمى فاسوبريسن واوكسيتوسين تلعبان دورا مهما في تكوين العلاقة بين الطفل والأم ، حيث أن إفراز هذه المواد في جسم الأم يزيد من إحساسها بالأمومة وارتباطها بأبنائها بشكل فيه حنان. ووجد الباحثون أيضا أن جسم الأم يعمل بشكل خفي على تنظيم وظائف الجسم عند الطفل ، حيث أن تسارع دقات قلب الطفل وسرعة تنفسه وسرعة تكوين البروتينات في جسمه للنمو وإفرازات الغدد لديه كلها تكون متناسقة إلى حد كبير مع وظائف جسم الأم ونحن هنا لا نتحدث عن الجنين وإنما عن الطفل خارج جسم الأم. ووجد الباحثون أيضا شيء مماثلا يحدث بين النساء حيث أن الدورة الشهرية تنتظم عادة عند مجموعة نساء يعشن سويا في سكن الجامعة أو بيت واحد حيث تبدأ الدورة وتنتهي في وقت واحد، ومازالت هذه الظاهرة قيد الدراسة لمعرفة أسبابها. وبهذه الطريقة يمكننا أن نرى كيف أن العلاقات الانسانية سواء في الطفولة أو في الكبر يمكن أن تؤثر بشكل كيميائي على أجسادنا حيث أن الرضيع والطفل الذي يحصل على الأحضان والمحبة يكون حاصلا أيضا على منبهات حسية لنمو جسده وتنظيم عمل أجهزة جسمه ، وعلى العكس فالطفل الذي يكون في جو مضطرب ولا يحصل على الحب والأمان فإنه يكون معرضا أكثر للأمراض وسوء النمو واضطرابات الهضم والتنفس. وبالاضافة إلى ذلك وجد الباحثون أن الانسان عندما يكون مع من يحب فإن جسمه يعمل بطريقة مشابهة للطريقة التي يعمل بها عندما يكون هدفه الشفاء من جرح أو مرض ، فعندما تكون مع من تحب يفرز جسمك مواد كيميائية تزيد من التئام الجروح ومقاومة الالتهابات بينما يكون العكس صحيحا إن كنت تجلس أو تعيش مع من لا تحب. فإن جسمك يتصرف وكأنه في حالة من الحرب ، فتزداد دقات القلب ويتسارع التنفس وتزيد هرمونات الغضب والضغط النفسي وعلى المدى الطويل يؤدي ذلك إلى زيادة علامة كبر السن وظهور الأمراض العضوية والنفسية . ومن الناحية العصبية فإن إمضاء الوقت مع من نحب سواء لعشاء أو سماع موسيقى أو مشاهدة التلفاز أو غير ذلك من النشاطات الحميمة الهادئة يساعد على الاسترخاء ويزيد من إفرازات الهرمونات المسؤولة في الجسم عن تعويض الخلايا الميتة وإصلاح ما عطب منها . وبذلك يكون العيش في جو من المحبة والهدوء يعمل على إبطال مفعول الضغوط النفسية على الجسم ، فهي كالدواء لها. فالطفل الذي ينشأ في جو من المحبة تتكون لديه مقاومة كيميائية لأثار الضغوط النفسية عليه. كما أن نوعية العلاقة بين الطفل ووالديه لها تأثير على نمو وتركيب المخ عند الطفل ، فتحت الضغط النفسي المزمن تفرز مواد وهرمونات في الجسم مثل مادة الكرتيزول المفيدة على المدى القصير لمقاومة الضغط النفسي ولكنها ضارة لكل أعضاء الجسم بما فيها المخ على المدى الطويل. حيث وجد الباحثون أن مخ الإنسان الذي عانى في طفولته من سوء معاملة والديه أو غيرهما يكون مختلفا في بعض أجزاءه عن مخ الإنسان الذي لم يعاني سوء معاملة. فمثلا وجد أن الجزء الرابط بين شقي المخ أقل سمكا عند من عانوا سوء معاملة في طفولتهم وينتج عن ذلك ضعف في الاتصال العصبي بين شقي المخ وقد يميل الانسان إلى تقلب المزاج الحاد وتقلب رؤيته للأمور والأشخاص ، فأحيانا يرى شخصا ما كأنه ملاك وأحيانا كأنه شرير. وذلك ناتج عن هذا الانقسام في وظائف المخ كما يقترح بعض العلماء. ومن الأجزاء الأخرى التي تتأثر بإساءة المعاملة في الطفولة الأجزاء المسؤلة عن العاطفة في المخ . ومازالت هذه الدراسات في استمرار لفهم مدى هذا التأثير.

د. ماجد عشي

الأحد، 7 ديسمبر 2008

ما هي الفوبيا؟


مصطلح الفوبيا منتشر بين الناس وهو الخوف الزائد وغير المنطقي من اشياء معينة، فيبدأ الخوف عندما يتواجد هذا الشيئ او عندما يفكر الشخص او يتوقع تواجده، ومن امثلته الخوف من ركوب الطائرة او الخوف من الحقنة او الخوف من حيوانات معينة او غيرها من الاشياء او الاوضاع، وعندما يرى الشخص الشيئ الذي يخافه فان اعراض الخوف الشديد تبدأ وقد تصيبه حتى نوبة فزع او بانيك اتاك، ويعلم الشخص ان خوفه غير منطقي ولكنه لا يعرف ان يفسره وتتأثر نشاطاته بهذا الخوف، فقد يتجنب الاماكن العالية او المصعد او ركوب الطيارة او الباخرة وينتج عن ذلك تضييق على نشاطاته وربما نشاطات الاخرين معه، وهناك اشياء كثيرة يمكن تكوين مثل هذا الخوف نحوها، وبعضها قد يكون اكثر غرابة من اخرى، فالخوف من الثعبان اقل غرابة من الخوف من الماء مثلا، ومن السهل تجنب الثعابين ولكن يصعب تجنب الماء، فبعض هذه المخاوف لها تاثيرات كبيرة على حياة الشخص.
د. ماجد عشي

ما هو السلوك غير الطبيعي؟


قد يبدو السؤال غريبا، وقد يقول قائل انه من السهل التعرف على السلوك غير الطبيعي، ولكن الامور ليست بهذه البساطة، فمثلا لو قلت لك ان سعيد وجده اهله يجلس على شجرة، فهل سلوكه طبيعي؟ هناك اسئلة لا بد ان نسألها قبل الاجابة، كم عمر سعيد؟ ان كان سعيد في الخامسة من عمره فقد نرى سلوكه نوعا من لعب الاطفال الطبيعي، اما ان كان في الخمسين فقد تختلف الامور، ولكن ماذا لو قلت لك انه قفز من النافذة وتعلق بالشجرة هربا من لص؟ ستختلف رؤيتك لسلوكه، اذا لا بد من أخذ أمور عدة في الاعتبار قبل الحكم على سلوك شخص، فعلماء النفس يسألون عدة اسئلة قبل الحكم على تصرف شخص ما، منها:

أولا: هل هذا السلوك شاذ عن الغالبية؟
ان كان غالبية الناس ينامون في الليل وشخص يحاول النوم ولايستطيع، عندها يمكننا ان ننظر ان كان هناك خلل ما، ومثله ان كان غالبية الناس لا يغسلون ايديهم كل خمس دقائق وشخص يفعل ذلك، فشذوذ السلوك قد يدل على مشكلة، ولكن ليس دائما، فكل العظماء والعباقرة والمصلحين كانو قلة في مجتمعاتهم ولا يمكن وصفهم بأنهم مرضى، هذا عامل واحد فقط ولا بد من أخذ عوامل
أخرى في الحسبان،

ثانيا: هل السلوك مناسب للعرف وتقاليد المجتمع؟
ان كانت التقاليد تتوقع احترام الكبير وجاء شخص وجلس وتكلم باسلوب يراه المجتمع غير مناسب، فقد يدل ذلك على اضطراب نفسي، فمثلا ان يفسر العربي امر ما على انه ناتج عن سحر فقد يكون ذلك بسبب الحضارة التي يعيش فيها، ولكن سيختلف الامر لو ان تفسيره تضمن قصص مقابلات مع مخلوقات من الفضاء، ولكن ايضا هذا المقياس له حدود، فهناك اشخاص لا يتبعون بعض التقاليد لايمانهم بمبادئ اسمى، ولا يكون ذلك دليلا على مرض،

ثالثا: هل السلوك مناسب للموقف؟
فالشخص الذي يضحك في ميتم او يلعب ورق أثناء المحاضرة او يغضب ويضرب لان شخصا لم يتركه يمر في الطريق، كل هذه قد تكون علامات اضطراب،

رابعا: هل التصرف مناسب لعمر الشخص ودوره؟
فطفل يصرخ ويسقط على الارض لانه يريد لعبة غير ان يسقط بالغ ويصرخ طلبا لشيئ ما، فكل مرحلة لها ما يناسبها، الطفل غير المراهق غير الراشد غير كبير السن، فقد يكون علامة مشكلة ان نرى طفلا لا يلعب، او ام لاتعتني بأطفالها، او أب يؤذي اولاده بدل ان يحميهم،

خامسا: هل التصرف يؤذي النفس او الاخرين؟
التدخين والادمان والانتحار امور تدل على وجود مشاكل، كما ان ايذاء الاخرين جسديا او نفسيا دليل اضطراب، ومثلها الدخول في علاقات ضارة، فليس سويا ان يضر الانسان نفسه او الاخرين،

سادسا: هل هناك معاناة؟
وجود المعاناة قد يكون دليل وجود مشكلة، فالقلق المستمر والارق والاكتئاب وغيرها تحتوي على معاناة، هناك معاناة طبيعية مثل الحزن عند فقد حبيب، ففي هذه الحالة غياب المعاناة قد يدل على مشكلة، وهناك معاناة غير عادية، مثل ان يفقد الشخص اي قدرة على الاستمتاع بالحياة او النوم او العمل او الاعتناء بنفسه، فالمدة والسبب لا بد من أخذها في الاعتبار،

بعد النظر في كل هذه الامور يمكننا ان نحاول الحكم على السلوك، وحتى حينها يتطلب الامر رأي المختص الخبير في هذه الامور.


د. ماجد عشي

ما هو الخوف او الرهاب الاجتماعي؟



انه الخوف المستمر من المواقف الاجتماعية التي قد يكون فيها الشخص عرضة للتقييم او لمقابلة اشخاص لا يعرفهم، والشخص يخاف ان يتصرف بطريقة مخجلة او ان تظهر عليه اعراض قلق محرجة، بالنسبة للاطفال فلا بد ان يكون مثل هذا الخوف مع من هم في سنهم ايضا وليس مع البالغين فقط، وعندما يكون الشخص في وضع اجتماعي يخشاه فان اعراض القلق تظهر عليه من تسارع دقات القلب وغيرها، اما الطفل فيمكن ان تكون الاعراض على هيئة بكاء او تجمد في المكان او غضب، ويحاول الشخص تجنب مثل هذه الاوضاع الاجتماعية مما قد يحد من نشاطاته، وكالعادة يجب اولا استبعاد اي اسباب عضويه ومخدرات وادوية واي اضطرابات نفسية اخرى قبل تشخيص هذا الاضطراب.
د. ماجد عشي

كيف تؤثر البيئة على نفسيتك؟



علم النفس البيئي هو علم يدرس العلاقة بين الانسان والبيئة المادية من حوله، والبيئة تشمل المباني والطقس وديكور المنزل والالوان وما الى ذلك، فهذه الامور تؤثر في نفسية الانسان، فاحاسيسك ستكون مختلفة ان كنت تجلس في حديقة امام بحيرة عن احاسيسك ان كنت تقف في وسط البلد والازدحام، فما تتوقع ان يكون احساس شخص يجلس في غرفة صغيرة وسقفها منخفض مقارنة بشخص يجلس في مكان واسع؟ فكل المباني من حولنا والديكورات تترك اثرها على نفسيتنا، ويمكن للمباني ان تزيد من نسبة الجريمة ايضا! فالشوارع الضيقة المظلمة تشجع على الجريمة، ووجد رجال الامن في العديد من المدن ان وضع اضاءة قوية في الشوارع ومواقف السيارات يخفض من نسبة الجريمة، ومصلحة السجون ايضا يعملون على تصميم السجون باساليب علمية، فهل تصميم السجن يكون للعقاب ام للاصلاح! قبل سنوات طلبت مني الجامعة تدريس علم النفس للسجناء في احد السجون، وكنت وقتها ادرس ايضا مادة علم النفس البيئي على يد احد منشئي هذا الفرع من العلم، وطلب منا ان نمشي معه في الشوارع وان نراقب كيف تتغير مشاعرنا حسب البيئة من حولنا، وأخذنا ايضا لزيارة السجن! وطلب من كل طالب ان يدخل الزنزانة وحده ويبقى فيها والباب مغلق لمدة خمس دقائق، وكان يطلب منا ان نلاحظ مشاعرنا داخل الزنزانة، بالطبع مشاعرنا تختلف حسب المكان، ومعالجي الادمان يعلمون ان كثيرا من المدمنين يستخدمون المخدرات في نفس الشارع او الغرفة، ويمكن ان يرتبط المكان بالمخدرات، فكلما مر من ذاك الشارع او دخل تلك الغرفة تذكر المخدرات وشعر بالرغبة في الاستخدام، والبيئة تتأثر بالناس ايضا ويمكننا معرفة الكثير عن الناس من البيئة التي حولهم، فالديكور وتصميم المباني والالوان وغيرها تعكس نفسية الناس، فالناس تستخدم البيئة للتعبير عن نفسها، فشخص يحب البساطة في الديكور واخر يحب الاشياء الثمينة واخر يحب ان تكون غرفته بعيدة عن الاخرين، هذه الامور وغيرها تعكس شخصية الانسان ومبادئه ومشاعره، فان دخلت غرفة شخص ووجدتها غير مرتبة او قذرة فان ذلك قد يعطيك انطباعا ان هذا الشخص مكتئب، والعكس صحيح ان دخلت بيتا ووجدته جميل ونظيف، فالبيوت تعكس نفسية الناس، ومن الامور التي يبحث فيها علم النفس البيئي موضوع تصميم الاجهزة بشكل سهل على الانسان، فمثلا كثير منا اراد الخروج من باب في احد الاسواق ولكن لم يعرف ان كان عليه دفع الباب ام سحبه! وكثير من هذه الابواب ثقيل لدرجة يصعب فيها على النساء دفعه كالابواب الدائرة والمتحركة، كما ان كثيرا من النساء يجدن صعوبة في فتح علب الصودة دون كسر اظافرهن، او ان يجدن مكانا في السيارة لوضع حقيبة اليد، كما ان التصاميم المعقدة للاجهزة الالكترونية لا يأخذ في الحسبان كبار السن الذين لم يعتادوا على مثل هذه الاجهزة وطرقها، وبالطبع هذه الامور تترك اثرها في الشخص، فقد يشعر بالاعتمادية غير الضرورية على الاخرين او بالنقص او بالتوتر، كما ان مستوى الضوضاء والحرارة والرطوبة والخصوصية كلها تؤثر في الانسان كثيرا، فالجرائم والحروب تكثر في الصيف، كما ان الانسان قد يشعر بالاكتئاب ان كان لا يستطيع التحكم في كمية المعلومات التي يعرفها الاخرون عنه او يعرفها عنهم نتيجة الازدحام او ندرة المسكن، فالبيئة تؤثر وتتأثر بالانسان، واسلوب تعامله معها يدل على صحته النفسية وشخصيته .


د. ماجد عشي

الضغط النفسي والمناعة

علم النفس المناعي العصبي هو العلم الذي يدرس التغيرات في جهاز المناعة في الجسم المرتبطة بنفسية الفرد وسلوكه كما يدرس التغيرات السلوكية المتأثرة بتغيرات جهاز المناعة في الجسم . وتنتج هذه العلاقة عن تفاعل بين الجهاز العصبي والمناعي والهرموني في الجسم . وقد نشأ هذا الفرع من العلم خلال الثلاثة عقود الماضية ، وبالرغم من الأدلة المتراكمة التي أظهرت أثر الضغوط النفسية على الصحة الجسدية فإن أبحاث قليلة درست أثر العلاقات الاجتماعية ونوعيتها مثل إساءة المعاملة في الأسرة والكبت العاطفي على الصحة الجسدية في المرأة والرجل.
إن الوظيفة الأساسية لجهاز المناعة هي التعرف على الأجسام الغريبة عن الجسم والدفاع ضدها ، كما يقوم جهاز المناعة بالتعرف على أعضاء الجسم وخلاياه وتفريقها عن الأجسام الغريبة حيث تكون ردة فعل جهاز المناعة السليم موجهة فقط للأجسام الغريبة دون غيرها.
يتكون جهاز المناعة من أعضاء مثل النخاع والغدد الليمفاوية والطحال والنسيج الليمفاوي، كما يحتوي على أنسجة مختلفة وخلايا ذات أنواع متعددة ، وعندما يدخل جسم غريب إلى الجسم تغير هذه الخلايا من مدى انقسامها وتكاثرها وكمية إفرازاتها المضادة للجسم الغريب وحركتها في اتجاه الجسم الغريب وقدرتها على ابتلاعه.وهناك نوعان أساسيان من الوظائف المناعية : مناعة خلوية تقوم بها خمسة أنواع أساسية من الخلايا المناعية حيث تقوم بمهاجمة الجسم الغريب مباشرة . وهناك المناعة الكيميائية حيث تفرز الخلايا مضادات حيوية تلتصق بالجسم الغريب وتدمره بأشكال مختلفة. خلايا المناعة تتصل ببعضها وتتناقل المعلومات فيما بينها من خلال مواد كيميائية تفرزها تسمى سيتوكاينز. وهناك أنواع من هذه المواد ولكل منها وظائف محددة وتفرز عند حدوث أمراض معينة مثل السرطان والالتهابات والإيدز. وهناك حالات يهاجم فيها جهاز المناعة أعضاء الجسم وكأنها أجسام غريبة وتسمى هذه الحالات أمراض المناعة الذاتية، ويمكن لجهاز المناعة في هذه الحالات أن يهاجم عضو واحد أو جهاز في الجسم بكامله، ويحدث ذلك نتيجة فشل جهاز المناعة في التعرف على ما هو جزء من الجسم وما هو غريب عنه.لمدة طويلة كان يعتقد أن جهاز المناعة يعمل بشكل منفصل عن تأثيرات الجهاز العصبي ولكن اكتشافات جديدة أظهرت أن أعضاء جهاز المناعة تستلم أوامر عصبية من خلال أعصاب ممتدة من المخ إلى هذه الأعضاء وبالإضافة إنه قد وجد أن خلايا الجهاز المناعي عليها مستقبلات للناقلات العصبية الكيميائية المسماة الى نيوروترانسمترز وهذه المواد التي تنقل الرسائل بين الخلايا العصبية. وكون خلايا المناعة تستقبل هذه الكيميائيات فإن ذلك يدل على أن الجهاز العصبي يؤثر في الجهاز المناعي من خلال الأعصاب ومن خلال هذه الكيميائيات. ولهذه النتائج أهمية كبيرة حيث أنها توضح أن الأمور النفسية يمكن لها أن تؤثر في وظائف المناعة من خلال الأعصاب والمواد الكيميائية الناشئة من المخ . كما وجد الباحثون أن خلايا المناعة عليها مستقبلات لهرمونات تدخل في رد فعل الجسم للضغط النفسي.
فعندما يتعرض الإنسان للضغوط النفسية يقوم الجسم بإفراز هرمونات مثل الكورتيزول لمقاومة الضغط
النفسي وعندما تتصل هذه الهرمونات بجهاز المناعة فإنها تضعف عمله ، ومعنى ذلك أنه إذا كان الإنسان يتعرض لضغط نفسي مزمن ولفترة طويلة فإن ذلك سيؤدي إلى الإخلال بعمل جهاز المناعة. بالإضافة إلى ذلك وجد الباحثون أن خلايا في المخ وبالخصوص في الغدة النخامية لديها مستقبلات للسيتوكاينز وهي الكيماويات الحاملة للرسائل بين أجزاء الجهاز المناعي مما يعني أنه بإمكان جهاز المناعة أن يؤثر هو أيضا على المخ والنفسية والسلوك. فمثلا عندما يحدث التهاب ما في الجسم يزيد إفراز مادة السيتوكاينز وتؤثر هذه المادة على المخ بشكل يؤدي إلى ظهور ما يسمى سلوك المرض . فعندما يصاب الشخص بنزلة بر مثلا فإنه يعاني من حالة شبيهة بالاكتئاب الخفيف حيث يفقد الرغبة في الاختلاط مع الآخرين وفي الطعام ويضعف عنده التركيز فهذا يعني أن الالتهاب قد يغير سلوك ونفسية الفرد من خلال جهاز المناعة وأثره على المخ .وأبحاث عديدة في علم النفس المناعي العصبي تظهر أن العديد من الأمراض النفسية مثل الفصام أو ما يعرف عند العامة بالجنون قد يكون ناتج عن ردة فعل للجهاز المناعي. فقد وجد الباحثون أنه في حالات كثيرة من الفصام يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة المخ وكأنه عضو غريب والسؤال هو هل ينتج الفصام عن هذا الهجوم المناعي على المخ أم أن الهجوم على المخ سببه تغيرات في المخ نتيجة الفصام ؟ لابد من إجراء المزيد من الأبحاث في هذا الشأن.وقد وجد الباحثون أن الضغط النفسي المستمر يؤثر على أجزاء مختلفة من الجهاز المناعي مما يؤدي إلى زيادة أعراض كبر السن والشيخوخة وتأخر التئام الجروح وأمراض عديدة مثل السرطان والإيدز وأمراض القلب والضغط وأمراض المناعة بالإضافة إلى أمراض أخرى عديدة.

د. ماجد عشي

اضطراب "الجنون" الجماعي!



نعم، هذا احد الاضطرابات النفسية وموجود في كتب الطب النفسي، هذه حالة تحدث عندما يصدق مجموعة من الناس "كذبة" او وهم غريب، فمثلا قبل ما يزيد عن عشرة اعوام اقدمت مجموعة من العشرات في أمريكا سمت نفسها "بوابة السماء" على الانتحار الجماعي، فقد كان عندهم قائد اقنعهم انهم اصلا مخلوقات فضائية وانهم دخلوا هذه الاجساد لمهمة وان مركبة فضاء ستأتي في تلك الليلة لتأخذهم، واعطاهم تعليمات للاستعداد، فحلقوا رؤوسهم ولبسوا زيا موحدا وشربوا السم واستلقوا كل في سريره وغطوا وجوههم في انتظار سفينة الفضاء، هذا "جنون" جماعي، وحدث اكثر من مرة ان جاء اشخاص ليدعوا انهم المسيح عليه السلام او المهدي المنتظر او حتى الشيطان والعياذ بالله، ووجدوا من يصدقهم بل ويحارب من اجلهم، ومن امثلة ذلك رجل في أمريكا كان اسمه كوراش وكان يدعي انه المسيح، وسكن فيما يشبه القلعة وجمع داخلها عشرات النساء المؤمنات به!! وعاشرهن وانجب من كثيرات، وعندما حاصرته الدولة أخذ يردد انهم اتوا لصلب المسيح وقاوم هو ومن معه عسكريا الى ان قتلوا جميعا، واذكر قصة سمعتها عن اهل قرية في افريقيا كانوا على شيئ من العداء مع القرية المجاورة، وكانوا يؤمنون ان اهل تلك القرية تنقلب وجوههم الى حيوانات اثناء النوم، فكانوا يخافونهم ولا يثقون بهم، وفي اغلب الحالات تبدأ الظاهرة بشخص عنده اوهام ولكنه مقنع فيؤمن آخرون باوهامه، وقد تكون الاوهام اقل غرابة كأن تعتقد مجموعة ان فلان او فلانة من السحرة دون ان يكون له أي علاقة بهذه الامور، حدث هذا في مدينة سالم الامريكية قبل قرون، حيث بدأ الناس باعدام المئات من النساء بتهمة السحر والشعوذة، وكانوا يعتقدون انهن يركبون مكانس، ومن الذين اعدموا رجلا وسيما كان عنده معجبات كثيرات فاتهموه بسحرهن! فالجنون قد يكون جماعي .
د. ماجد عشي

الحضارة والاضطرابات النفسية



كيف يمكن لحضارة الانسان ان تؤثر في صحته النفسية؟
الحضارة هي مجموعة الاعراف المتواجدة في المجتمع والتي تحدد للشخص سلوكه وتفكيره وردود فعله واعتقاداته ودوره الاجتماعي، فمثلا الحضارة في مجتمع ما تحدد الملبس ونوع الاكل ودور الزوجة والزوج وكيف يتقدم العريس للخطبة وما الى ذلك، بالطبع الدين يؤثر في الحضارة ولكن الحضارة يمكن لها ان تؤثر في الطريقة التي يفهم بها المجتمع التعاليم الدينية، فكثير من الطقوس الدينية تكون متأثرة بحضارة المجتمع، فمثلا المسيحيون السود لهم اسلوب في الطقوس يختلف شيئا ما عن طقوس المسيحيين البيض من حيث الموسيقى والنشاط في الحركة في الكنائس، والمسلمة في الباكستان تلبس حجابا يختلف شكله شيئا ما عن المسلمة في تركيا او افريقيا، فالحضارة لها دور في شكل الامور وليس في المبادئ عموما، الحضارة تحدد ما يجب ان نحب وما يجب ان نكره، فمثلا الحضارة العربية تعلم الناس حب الموسيقى العربية واغاني ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، اما الحضارة الغربية فتعلم ناسها حب الموسيقى الكلاسيكية وفرانك سناترا والفيس وغيرهم، العرب يقبلون بعضهم البعض عند اللقاء، البريطانيون يتصافحون، واليابانيون يحنون رؤوسهم، والحضارة تؤثر في امور اكثر من الشكليات، فتجارب الامم والشعوب تتراكم عبر التاريخ لتكون حضارتهم، مثلها مثل شخصية الانسان التي تتكون نتيجة تجاربه في الحياة وخبراته، وهذا ما يجعل الناس افرادا وامما مختلفين، انه اختلاف التجارب، فهناك نمو طبيعي للشعوب والامم ولا يمكن قطع امة من تاريخها، الا اذا محونا ذاكرة الامم والشعوب، وذاكرة الامم تبقى في كتبها ومناهجها واعلامها وافلامها وموسيقاها وشعرها ولباسها ولغتها واكلها و قوانينها وتشريعاتها و غيرها من الامور، حتى في قصص وترنيمات الامهات لاطفالهن قبل النوم، الحضارة تنتقل عبر مثل هذه الامور من جيل الى جيل، والحضارة تلعب دورا مهما في الصحة النفسية، فالحضارة تحدد ما يمكن تعريفه على انه مرض نفسي وما يمكن تعريفه على انه شيئ طبيعي، فمثلا من العادي في بعض الحضارات ان يقول شخص "جائني ابي المتوفي في المنام واخبرني انه علي ان ازور خالتي واعطيها هدية" ويقوم فعلا بالتنفيذ، فهو امر عادي ومقبول، اما في حضارة اخرى فقد ينظر الى هذا الكلام على انه علامة اضطراب عقلي، ومثلا ان يجلس الشاب امام ابيه واضعا "رجل على رجل" هو امر عادي في بعض الحضارات، ولكنه امر غير طبيعي في حضارات اخرى، كما ان تتحدث المرأة عن علاقاتها الغرامية السابقة مع صديقاتها امام زوجها وهو يصغي باهتمام مبتسما هو شيئ عادي عند بعض المجتمعات، ولكنه ضرب من الجنون في مجتمعات اخرى، فكما ذكرنا في مقال سابق فان الناس تحكم بالغرابة على ما يخالف الاعراف، والحضارة تحدد ايضا اعراض الامراض النفسية، فمثلا لا تسمع عن "مجنون" في امريكا يقول انه المهدي المنتظر، وانما يقول انه المسيح، وقد تجد في المستشفيات النفسية العربية نساء يطبلن ويرقصن رقص شرقي ولا ترى ذلك في اليابان مثلا، فكثير من الاعراض تحددها الحضارة، الاكتئاب هو نفسه الاكتئاب ولكن التعبير عنه قد يختلف من حضارة الى اخرى، والحضارة تحدد نظرة الناس للمرض النفسي، وكيفية تعامل الناس معه، هل يعالج بالادوية ام بالجلسات ام بالاعشاب ام بالرقية ام بالزار ام بغيره؟ فالحضارة تلعب دورا في الكيفية التي يفسر بها الناس المرض وكيفية علاجه، مثلا هل سبب الاكتئاب خلل كيميائي ام مشاكل اسريه ام ضعف دين ام ضغوط اقتصادية؟ فالحضارة تحدد للشخص أي التفسيرات يأخذ وأي يترك، يأتي العلم والابحاث لمحاولة الاجابة، ولكن لا بد ان نعرف انه حتى البحث العلمي يتأثر بالحضارة، فقيمة البحث العلمي واهميته ودعمه وحتى الاسئلة التي تكون جديرة بالبحث كلها تتحدد بالحضارة، فمثلا لا نجد باحث في دول الخليج يبحث في اسباب انتشار ادمان الخمر بين سكان امريكا الاصليين، كما انه نادرا ان تجد ابحاث عن استخراج البترول في دول ليس لها علاقة بانتاج او استخراج البترول، فحضارة المجتمع تحدد اولوياته وما هو مقبول البحث فيه وما هي حقيق بالدعم، ويمكن ان تكون بعض الممارسات الحضارية سببا للمرض النفسي، فبعض العادات لها نتائج سلبية على الناس، فمثلا الشرب هو في صميم الحضارة الروسية ونتيكة ذلك يوجد في روسيا اعلى نسبة ادمان كحول، كما ان خوف اليابانيون من الخزي الاجتماعي يجعلهم من اكثر الشعوب في نسبة الانتحار، وروح الانفرادية وضعف الترابط الاسري يجعل الناس في بعض دول الغرب يشتكون اكثر من الوحدة والعزلة الاجتماعية، كما ان التدين المعتدل يزيد من الوقاية من الامراض النفسية، فالخلاصة ان الحضارة لها دور في تعريف الامراض، وفي نوعية الاعراض، وفي تفسير الاسباب، وفي كيفية العلاج، وفي تسبيب الامراض والوقاية منها.
د. ماجد عشي

الأحد، 30 نوفمبر 2008

كبار السن

كبار السن

بعض الناس ينظرون لكبر السن على انه مشكلة ويخافون التقدم في العمر، وذلك ناتج اساسا عما يرونه في اسرهم والاعلام عن تصرفات واحوال كبار السن، لا شك ان التقدم في العمر له مشاكله الصحية والنفسية والمادية والاجتماعية، ولكن هل هو الطبيعي والحتمي ان يرتبط كبر السن بهذه المشاكل؟

التقدم في العمر يصحبه تغيرات جسمية ونفسية ومادية واجتماعية، وهذه التغيرات لا تحدث فجأة ولكنها تصاحب الانسان من ولادته الى وفاته، فالتغير حاصل ومستمر في حياة الانسان ولا يتوقف للحظة، المشكلة اننا لا نحب التغيرات الطبيعية ونحاول مقاومتها، تخيل طفلا يخاف ان يصبح عمره عشرين! ماذا ستقكر عن هذا الطفل؟ هل هذا خوف طبيعي؟

كلنا يعلم ان هناك فروق كبيرة بين الناس في التقدم في السن، فهناك من تظهر عليه علامات الكبر اكثر من غيره، وهذا له علاقة بعدة عوامل مثل الوراثة والضغوط النفسية والمادية واسلوب الحياة في الشباب من حيث الاكل والحركة والتدخين والشرب والادمان، كما ان له علاقة بالتدين وحسن العلاقات الاجتماعية والاسرية يالاضافة لعوامل اخرى،

ووجد الباحثون ان النساء في جميع انحاء العالم تقريبا يعشن في المتوسط خمسة الى سبعة سنوات اكثر من الرجال، وقد يكون ذلك نتيجة تعرض الرجال لمخاطر اكثر من حروب واعمال خطرة مثل الشرطة والبناء وغيرها، كما قد يكون له علاقة بحياة الشباب احيانا من تدخين وغيرها، كما وجد الباحثون ان اليابانيون يعيشون الاطول في العالم وقد يكون ذلك بسبب الاكل الياباني الصحي واعتمادهم على المشي بدل ركوب السيارة، ولاشك ان تفشي الفقر والمرض وعدم توفر الرعاية الصحية تلعب دورا في صحة الانسان،

وهناك العديد من القدرات التي تتغير في الانسان للافضل مع تقدم العمر، ويقسم العلماء كبر السن الى ثلاث انواع: تقدم العمر الطبيعي، وتقدم العمر الذي به خلل، وتقدم العمر المثالي. فهناك امور طبيعية مع تقدم العمر مثل ظهور الشيب وبعض التجاعيد وتغيرات جسمية ونفسية اخرى، ولكن هناك اناس يكون تقدمهم في العمر تصاحبه اعراض امراض من سكر وضغط واوجاع الركب واكتئاب وعصبية وتغيرات جسمية كثيرة اخرى، هذه الامور ناتجة عن اعراض امراض واسلوب حياة غير صحي وليست ناتجة كلها عن الكبر، فيجب ان لا نخلط بين اعراض الكبر الطبيعية واعراض الامراض والحياة غير الصحية، وهناك اناس يكونون في الكبر على احسن حال جسميا ونفسيا واجتماعيا، يمارسون انواع تناسب عمرهم من الرياضة وسعداء ولهم علاقات ممتازة، فالعمر ليس فقط رقم السنين منذ الولادة، ولكن هناك العمر النفسي، فهناك اشخاص يكون عمرهم ثلاثون ولكن نفسيتهم كمن عمره ستون، والعكس صحيح، وهناك ايضا العمر الاجتماعي، فشخص عمره اربعون وجد قد يراه الناس اكبر في العمر من شخص عمره خمسون ولم يتزوج بعد، فهناك العمر الحقيقي من حيث الرقم وهناك العمر الذي يشعر به الانسان وهناك العمر الذي يراه الناس لك.

فالناس تحكم على عمر الشخص ليس فقط من خلال الشكل ولكم من وضعك الاجتماعي والمواضيع التي تتحدث فيها واسلوب كلامك، فان قابلت شخصا واخذ يحدثك عن الثورة المصرية وعباس فارس ومدارس الفلاح في جدة فقد يعطيك ذلك انطباع عن تقدم عمره، ماذا ستفكر عن رجل عربي عمره ستون وتذكر له حرب رمضان ويقول لك انه لم يسمع بها؟! ماذا لو ذكرت له احد المغنين الشباب وقال انه لم يسمع به؟ فكل عمر له اهتماماته واحداثه التي توحد جيل بكامله.
المجتمع يتوقع امور معينة من الشخص في مراحل الحياة المختلفة، ويرفض امور اخرى، فكثير من تصرفات كبار السن مفروضة عليهم فرضا من المجتمع، ففي المجتمع العربي من العيب ان يجري رجل عمره سبعون في الشوارع ليمارس الرياضة، او ان تقع امرأة عمرها سبعون في الحب وترغب في الزواج بعد وفاة زوجها، بينما تكون هذه الامور اكثر قبولا في مجتمعات اخرى، لكل مجتمع تقاليد، ومظاهر كبر السن في جزء منها ناتج عن هذه التقاليد،
فهناك عوامل عديدة تحدد كيف يكون كبر الشخص.



د. ماجد عشي




ما هي اضطرابات الشخصية؟


ما هي اضطرابات الشخصية؟

هناك نوع من الاضطرابات النفسية يسميها علماء النفس والاطباء النفسيين اضطرابات الشخصية، وتتميز هذه الاضطرابات بوجود صفات في الشخصية تكون مبالغ فيها بشكل قد يؤدي الى مشاكل للشخص، فالشخص في هذه الحالة قد يكون يعمل بشكل طبيعي وناجح في حياته وقد يكون حتى محل اعجاب ولكنه في حقيقة الامر يعاني اضطراب في الشخصية، فهذه ليست حالات اضطراب عاطفي مؤقت ولكن خلل في تكوين الشخصية ذاتها في جانب او اكثر، وان جاء من يحاول اظهار جانب الخلل للشخص نجد رده غالبا: "هذا انا"، وهو محق، فهذه هي شخصيته والمشكلة ليست في سلوك محدد ولكن في صفات في الشخصية، ومن اصعب الامور تغيير شخصية انسان، من السهل ان تغير سلوك او فكرة او عاطفة ولكن يصعب تغيير الشخصية او صفات فيها، فكلنا لدينا صفات يمكننا تغييرها من نرجسيه او اعتمادية او شك، وكثيرا ما تكون هذه الصفات مفيدة لنا ان كانت في حدود مقبولة، فحب الذات يجعلنا نطلب الخير لها، والشك في حدود يجعلنا نحمي انفسنا، والاعتماد على الاخرين ضروري احيانا في العلاقات، ولكن قد تزيد هذه الصفات عن الحد وتبدأ في خلق مشاكل للشخص وللاخرين، وتصبح هذه الصفات مميزة للشخص ويمكن للاخرين رؤيتها فيه بوضوح، ونحن هنا لا نتحدث عن فروق في الشخصية وانما عن مبالغة في نمو صفات الى حد يسبب عراقيل للشخص او الاخرين في حياتهم، وحدد المختصون عشر انواع من اضطرابات الشخصية وهي باختصار:

1. اضطراب الشخصية البارانويد او الشكاكة، وتتميز هذه الشخصية بالشك وعدم الثقة في الاخرين وفي نياتهم، وتبدأ هذه الصفات في بداية الشباب وتستمر مع الشخص في حياته، فهذه ميول في الشخصية وليست حالات انفصام عن الواقع كما يحدث مع من يعتقد ان الناس تريد قتله او ان مخلوقات من الفضاء تريد خطفه، بالطبع الامر درجات ولكن في اضطرابات الشخصية يكون الخلل عموما في ميول الشخصية للتعامل مع الامور، وايضا من صفات هذا الاضطراب ان يشك الشخص في الناس دون دليل، والظن بان الاخرين يستغلونه ويعملون على ايذائه وخداعه، كما يكون شاكا في ولاء الاصدقاء وزملاء العمل، ولا يفشي سره لاحد خوفا من ان يستخدمه ذلك الشخص ضده، كما يفسر الكثير من سلوكيات الغير على انها مقصودة لتوجيه الاهانة او التهديد له شخصيا، ويحمل في نفسه الكثير من الغضب ولا يسامح الاخرين، كما يرى انتقادات وهجمات على شخصه وسمعته بينما لا يرى الاخرون ما يرى، ويكثر الشك في شريك حياته دون ادلة فعلية ويكون متأكد دون اثبات .

2. اضطراب الشخصية الاسكيزويد او الانعزالية، وتتميز هذه الشخصية بالانعزالية عن المجتمع وعدم الرغبة بل وعدم الاستمتاع بالعلاقات مع الناس، ويميل الى الوحدة والقيام بالنشاطات وحيدا، وليس له رغبة في ممارسة الجنس مع شخص اخر، وليس له اصدقاء او معارف غير العائلة، كما لا يعبر عن مشاعره ولا يظهر ردود فعل للذم او المديح، فلا يهمه رأي الناس، ويميل للبرود العاطفي، فهذه شخصية غير اجتماعية .

3. الشخصية الاسكيزوتيبال او الغريبة، تتميز هذه الشخصيه بالسلوك او التفكير او الانفعالات الغريبة التي لا تتماشى مع تقاليد المجتمع، كغرابة الملبس او لون الشعر او التصرفات، وقد يهتم هذا الشخص بامور غريبة كموضوع سكان الفضاء او الحاسة السادسة او التخاطب عن بعد او امور غيبية ودينية كالارواح او الموت والبعث وكيفيته، ولا يكون الاهتمام كحب استطلاع بل اهتمام يشغل كثيرا من الوقت والتفكير، وقد يمر الشخص في هذه الحالة بتجارب يصفها للناس ويجدونها غريبة، كأن يحدثهم ان يده كبرت فجأة او انه يحس انه خفيف الوزن وغيره، ويستخدم الكثير من الرموز والامثلة والامثال في كلامه، فبدل ان يقول ان طفله الرابع ولد بالامس، يقول ان النجمة الرابعة برقت في السماء او ان العقد اكتمل وما شابه ذلك، وتكون ردوده العاطفية محدودة وقليل الاصدقاء، ويميل الى القلق من مواجهة الناس، ومثال على ذلك بعض الفنانين المشهورين .

4. الشخصية الانتيسوشيال او المعادية للمجتمع، وتتميز هذه الشخصية منذ حوالي سن الخامسة عشرة بعدم احترام حقوق الاخرين والانظمة والقوانين، فلا تتبع التقاليد او القانون مما يجعلها عرضة للقبض عليها تكرارا من قبل الشرطة، ويميل الشخص للخداع والكذب واستغلال الاخرين لمصلحته او متعته، وهو ايضا غير قادر على التخطيط لحياته بشكل ايجابي ويميل بعمل امور دون تفكير وتروي، ويدخل في معارك ومضاربات متكررة، ويسوق السيارة بسرعة ويقوم باعمال تعرضه والاخرين للخطر، وليس لديه احساس بالمسؤولية وغير قادر على الحفاظ على عمل او القيام بالتزاماته المادية والاجتماعية، وليس لديه احساس بالندن على افعاله، وعادة ما تبدأ المشاكل من الطفولة على هيئة اضطرابات سلوكية مثل العنف نحو الاطفال الاخرين او ايذاء الحيوانات او السرقة.

5. اضطراب الشخصية البوردرلاين، ينتشر هذا الاضطراب في الشخصية اكثر بين النساء، ويتميز بعدم الاستقرار في العلاقات وفي العواطف وفي رؤية الذات، فرؤية الشخص للناس تنتقل من نقيض الى آخر حسب اشباعهم لاحتياجاته وعدم هجرهم له، فان اشبعوا احتياجاته فهم اخيار وملائكة ويحبهم ويكون طريقة تعامله: "أنا وانت ضد العالم"، اما ان لم يشبعوا احتياجاته او شعر او ظن انهم سيتركونه او انهم مشغولون عنه فيغضب ويصبحوا في نظره شياطين ويؤذيهم بكلام جارح جدا او حتى عمليا ويتعامل معهم وكأنه يقول: "لا أحد يحبك، انت سيئ، وانا والعالم ضدك"، ثم يندم على ما قال او فعل، فيكون اسلوبه في العلاقات كمن يقول: "انت سيئ، انا اكرهك، ارجوك لا تتركني، سأضر نفسي او اضرك ان تركتني"، بالطبع هذا الاسلوب يخلق مشاكل في العلاقات وعدم استقرار ويجرح الاخرين، كما يكون عند هذه الشخصية عدم استقرار في رؤيتها لنفسها، فأحيانا ترى نفسها اجمل الجميلات وافضل الناس واحيانا ترى نفسها على النقيض، فرؤية النفس مضطربة وبناء على هذه الرؤية يكون السلوك المتناقض والمضطرب، وتتميز ايضا بسلوكيات تكون هوجاء احيانا وفيها مخاطرة، وقد يظهر هذا في سلوكيات جنسية متهورة او تبذير مال وشراء اشياء لا داعي لها او استخدام مخدرات او سرعة في قيادة السيارة او اكل بشراهة، واحيانا تقوم هذه الشخصية بمحاولات انتحار او التهديد بذلك ان تركها الاخرون او لم يطيعوها وقد تقوم بجرح الجسم باستخدام ادوات حادة كالسكين بقصد ايلام النفس دون الانتحار، والبطبع احيانا تكون الجروح غائرة وخطرة، وغالبا ما يكون ذلك في الساعد، وتشعر هذه الشخصية بالفراغ العاطفي والتعب والاجهاد المستمرين، وتجد صعوبة في التحكم في غضبها ويكون الغضب شديدا وخارج عن الحد، وتميل ايضا الى الشك في الاخرين ونواياهم.

6. الشخصية الهستيرية، وينتشر هذه الاضطراب بين النساء اكثر من الرجال، وتميل هذه الشخصية الى حب جلب الانتباه بكل الطرق، فهي لا تشعر بالراحة ان لم تكن مركز الانتباه والاهتمام في كل وضع، وقد تلجأ الى اساليب غير سليمة لجلب الانتباه مثل الاغراء الجنسي او القيام بافعال مفاجئة للناس لجلب الانتباه، ومع الاسف هناك فنانات عالميات يعانين من مثل هذه الاضطرابات التي لا تخفى على المختصين ويعجب بهن الشابات ويقلدهن وهن لا يعلمن ان هذه السلوكيات ما هي غير نواتج اضطرابات في الشخصية، وان هاتي الفنانات يعشن معاناة نفسية عميقة تخفى عن عيون المشاهدين، وتتميز هذه الشخصية ايضا باستخدام الملابس والجسد لجلب الانتباه، ويكون تعبيرها العاطفي سطحي ومبالغ فيه، وكلامها يهدف كله للتأثير في الناس، فكأن الشخص على مسرح يمثل امام الجمهور، ويكون من السهل السيطرة على هذه الشخصية واستغلالها لحبها للاهتمام والاعجاب، كما تميل الى تقييم العلاقات بشكل خاطئ وتحسبها علاقات حميمة مع انها لبست كذلك .

7. الشخصية النرجسية، وتتميز هذه الشخصية بالاعجاب بالنفس والاحساس بالعظمة والاحتياج الشديد للمديح والتبجيل، كما تفتقد الى التعاطف مع الناس، ويبالغ هذا الشخص في تقييم انجازاته ومواهبه وجماله دون وجه حق، فهو الافضل في نظر نفسه، ويظهر التواضع حتى تكتمل صورة العظيم المتواضع، وتكون لدى هذه الشخصية احلام يقظة تكون فيها مركز الاعجاب والحب لدرجة مبالغ فيها، وتعتقد انها مميزة ولكن لا احد يفهمها او يقدرها، ولا بد ان تختلط فقط مع العظماء امثالها الذين يقدرونها ويفهمونها، فما الناس بالنسبة لهذه الشخصية غير مصدر للمديح والتبجيل او مصدر للعار، فان توقف الشخص عن المديح فلا داع منه ويكون محظوظا ان انتهت العلاقة دون ايذائه، فالناس لهذه الشخصية ليسو سوى اشياء مثل السيارة او الحذاء، يتم استخدامهم الى حين ومن ثم التخلص منهم، كما يعتقدون ان الاخرين يغارون منهم، ويتصرفون بغرور مع الناس .

8. الشخصية الانطوائية، وتتميز بالاحساس بالنقص وتجنب الناس والحساسية للانتقاد، فتتجنب الاعمال والمواقف التي قد تعرضها للاختلاط بالناس خوفا من الانتقاد، وفقد تختلط مع الناس ان باكدت من حبهم لها، ولا تدخل في علاقات حميمة خوفا من الخزي او الاستهزاء بها، وترى نفسها على انها غير جذابة واقل من الناس وغير ناجحة اجتماعيا .

9. الشخصية الاعتمادية، وتتميل هذه الشخصية للاعتماد على الاخرين والحاجة الشديدة للرعاية مما يجعلها تميل للخضوع والخوف من ان يتركها الشخص الذي يعتني بها، وتجد صعوبة في اتخاذ القرارات اليومية العادية دون طلب الكثير من النصح والتشجيع من الاخرين، وتحب ان يتولى الاخرون المسؤوليات في اغلب امورها، وتجد صعوبة في التعبير عن اختلافها في الرأي خوفا من فقدان دعمهم، كما تجد صعوبة في ان تبدأ اعمال او مشاريع وحدها لضعف الثقة في النفس، وقد تتبرع بالقيام باعمال غير محببة لها من اجل الحصول على تقبل ودعم الاخرين، وتشعر بعدم الراحة والعجز ان كانت وحيدة، ولا يمكنها البقاء دون علاقات، فتدخل في علاقات سريعا خوفا ان تبقى وحدها، ودائما مشغولة قلقة تفكر في عواقب بعد الاخرين عنها .

10. الشخصية ذات الوسواس القهري، تميل هذه الشخصية للاهتمام المبالغ فيه بالترتيب والنظافه والكمال وان تكون متحكمة في العلاقات وحتى في تفكير الناس عنها، فتفتقد للمرونة والعفوية في التعامل، فهي تنشغل بالتفاصيل والانظمة وعمل جداول للمواعيد وغيرها، ولا يمكنها انهاء اي عمل وذلك لرغبتها ان يكون العمل كاملا دون عيوب، فتراجع العمل كثيرا ولا تستطيع التقدم فيه، وتعطي كل وقتها للعمل على حساب الاسرة والنشاطات الاجتماعية، وتبالغ في الالتزام الاخلاقي واتباع المبادئ بشكل لا يمكن تبريره بالالتزام الديني، بمعنى ان هذه الشخصية لا يعجبها حتى اهل الدين وترى فيهم عيوب ونواقص، فهي تطلب وتتوقع الكمال الذي لا يكون لبشر، فتكون متصلبة في المبادئ بشكل غير مقبول دينيا او اجتماعيا، ولا تدخل في علاقات عمل الا بعد ان تتأكد انها المسيطرة وان الاخرون سيفعلون ما تراه، وتميل للبخل الشديد، والعناد وعدم العطاء .

د. ماجد عشي

أنماط الشخصية


لا نتحدث هنا عن اضطرابات ولكن انواع وجد العلماء انه يمكن تقسيم الناس على اساسها، وقد حدد العلماء خمس محاور للشخصية، فكل محور هو عبارة عن صفة من الصفات ويكون للشخص درجة في كل محور، وهذه المحاور مقسمة حسب طبيعة الشخص في مجالات مختلفة مثل اسلوبه في العلاقات الاجتماعية، اسلوبه في العلاقات الحميمة، اسلوبه مع الرفاق، اسلوبه في العمل، واسلوبه في التعامل مع حضارته، وهذه المحاور هي:

1. انطوائي – اجتماعي: بعض الناس يميلون للانطواء، غير اجتماعيين، يميلون للتدبر في الامور وعمل الاشياء وحدهم، وبعض الناس اجتماعيون، يحبون قضاء الوقت مع الناس ويحبون عمل اشياء مع الاخرين والتحدث اليهم، فالشخص الاجتماعي يحب الاعمال التي فيها اختلاط مع الناس مثل التدريس والتمثيل والطب وغيرها، اما الانطوائي فيحب الاعمال التي لا تتطلب الاختلاط بالناس مثل العمل على الكمبيوتر او الالات والمعامل وغيرها، ولا بد ان يأخذ الاهل والشخص نفسه في الحسبان نوع شخصيته عند اختيار التخصص والمهنة حتى يكون سعيدا ويمكنه النجاح، فلا يوجد نوع شخصية سيئ ولكن المسألة مسألة توافق بين الشخص والبيئة من حوله، واختلافات الشخصية تساعد على استمرار الحياة، فيذهب كل انسان لما يحب، فالشخص المناسب في المكان المناسب هو ما يجلب السعادة للشخص وللاخرين، وهذا في مجال العلاقات مع الناس في المجتمع،

2. مستقر عاطفيا – عصابي: بعض الناس تميل للاستقرار العاطفي، بمعنى انهم سعداء ولا يقلقون كثيرا ومشاعرهم موزونة وفي الحدود، وبعض الناس يميلون الى عدم الاستقرار العاطفي، فهم قلقون يميلون للخوف وقد يكونون سريعي الغضب والحزن وما الى ذلك، فعلاقاتهم غير مستقرة لان انفعالاتهم غير مستقرة، وهذا المحور يكون في العلاقات الحميمة،

3. لطيف – قاس: بعض الناس يميلون للطف المعاملة بطبعهم، فاسلوبهم مهذب رقيق وسهل معاشرتهم، اما بعض الناس يميلون للقسوة في التعامل، ولا يتبعون مفاهيم الرقة او اللين في اسلوبهم، النوع الاول قد تناسبه الاعمال المدنية التي تتطلب حسن معاملة الاخرين، والنوع الثاني قد تناسبه الاعمال العسكرية او البوليسية التي تتطلب الصرامة والشدة، وعدم اخذ ذلك في الاعتبار قد يؤدي الى وجود طبيب يصيح على مرضاه، او استاذ يعذب تلاميذه، او جندي خائف من المواجهة، لنتذكر: الشخص المناسب في المكان المناسب،

4. اخلاقي – لا اخلاقي: بعض الناس تميل بطبعها الى الاهتمام بالامور الاخلاقية ويحبون ان تكون تصرفاتهم اخلاقية او دينية، وبعض الناس لا يهمهم ان تتمشى سلوكياتهم مع هذه المعايير، فسلوكياتهم تحكمها المصالح والمكاسب والمتع ولا يفكرون كثيرا في امور الاخلاق والدين، ففي عملهم تكون المجموعة الاولى ملتزمة بالانظمة والقوانين، تتسم بصفات الامانة والاخلاص، تحافظ على المواعيد والالتزامات، اما المجموعة الثانية فتبحث عن الكسب الشخصي حتى لو على حساب مصلحة العمل ويمكن لهم الخيانة وافشاء اسرار العمل والرشوة والتلاعب في الحسابات وما الى ذلك، وحتى هذه المجموعة الاخيرة لها مكان في المجتمع لو وضعت في المكان الصحيح، هؤلاء يمكنهم التعامل مع المجرمين وتجار المخدرات وغيرهم للكشف عنهم وعن مخططاتهم، فالمجرمون المحترفون لن يقبلوا بينهم شخصا ورعا تقيا خلوقا، فلا بد ان يكون مثلهم، وعدم ولاء هؤلاء الاشخاص سيساعد على افشاء مخططات المجرمين، كما يمكن لهؤلاء العمل في مهن تتطلب شيئا من
المبالغة والمجاملات او حتى الكذب،

5. محافظ – منفتح للجديد: هناك اشخاص يميلون للخوف من الجديد او التغيير، فهم يحبون استمرار الامور كما هي، ويحبون ان يدرسوا الامور جيدا قبل قبول التغيير، فهم يلتزمون بالتقاليد والانظمة وحتى الروتين في الامور ونظام العمل، ويميلون للدفاع عن القيم والمبادئ والتقاليد، وهناك اناس يميلون الى حب خوض تجارب جديدة، فلا يخافون التغيير وما هو مختلف عن المألوف، بل يحبون المغامرة، يريدون تغيير المجتمع والحضارة، ولا يعتقدون ان الماضي كان افضل من الحاضر، فهم يرون ان الزمن يسير للامام وينمو كنمو الانسان، ولكل من هؤلاء دوره في التقدم الحضاري، فمن يسمون بالليبراليين هم مثل البنزين في السيارة، ومن يسمون المحافظون هم مثل الفرامل، فلا بد من وجود الطرفين حتى يمكن للمجتمع ان يستمر وللحضارة ان تتقدم،

ماالذي يجعل الناس عندها هذه الصفات الشخصية؟
جزء منها ناتج عن الوراثة والجينات، فقد وجد العلماء ان هناك اختلافات في السلوك منذ الولادة، فهناك رضع يبكون كثيرا، وهناك رضع مبتسمون سعداء، وهناك رضع يبدو عليهم الغضب!، ويستمر ذلك طيلة الحياة، وهناك ايضا عوامل بيولوجية لها علاقة بالهرمونات ووظائف الجهاز العصبي، وبالطبع الاسرة والمجتمع لهم دور، ولكن كل الادلة تقول ان الموضوع موضوع وراثة وجينات، ومن الصعب تغيير هذه الامور بشكل كبير، فكل لما خلق له .

د. ماجد عشي

المحن تظهر من انت


هناك أنواع عديدة من إساءة المعاملة، فهناك إساءة معاملة الأباء والأمهات لأبناءهم، أو الأبناء لأبائهم وأمهاتهم، أو إساءة معاملة الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها، أو إساءة معاملة الأخوة لبعضهم البعض، أو إساءة معاملة ربة البيت للخادمة أو الخادمة للأطفال. وإساءة المعاملة يمكن أن تكون جسدية كاستخدام الضرب أو الدفع أو رمي الأشياء، ويمكن لها أن تكون نفسية كالسب والإهانة ومحاولات السيطرة على شخص أخر واستخدام أساليب ملتوية نفسية للتحكم في فرد أخر أو طفل، ويمكن لإساءة المعاملة أن تكون مادية كأن تصرف الزوجة كل مال زوجها أو يتحكم الزوج دون وجه حق في دخل زوجته، ويمكن أن تكون إساءة المعاملة جنسية كالاعتداء على النساء أو الأطفال أو التحرش بهم، ويمكن أن تكون من خلال الإهمال كأن لا يعتني الوالدان بأبنائهم ونظافتهم وأكلهم ونومهم ودراستهم، أو أن لا يزور الأبناء أباؤهم كبار السن ولا يتصلون بهم في المناسبات.
وحسب العديد من الدراسات في أنحاء العالم فإن إساءة المعاملة منتشرة في شتى أنحاء العالم بشكل كبير وبدرجات مختلفة، فهناك أمور يعتبرها أناس كثيرون داخلة في باب التربية ويرى المختصون في علم النفس والتربية أنها غير صحيحة ويقترحون أساليب بديلة، ولكن هناك تصرفات تنم عن اختلال في شخصية الفرد ولا يمكن أن يوافق عليها أي انسان مهما كانت ثقافته أو خلفيته، فالأم التي تحرق ابنتها بالسجائر أو الأب الذي يضرب أبناءه ضربا مبرحا بالعصا أو يضرب رأس ابنه بالحائط، أو الزوج الذي يضرب زوجته ويهينها، أو الزوجة التي تشهر بزوجها أمام الناس وتحط من قدره، كل هذه التصرفات وغيرها الكثير تنم عن خلل في الشخصية وأمراض نفسية ولا تمت إلى التربية أو العدالة بشيء، فهذه التصرفات هي أعراض لأمراض عقلية ونفسية ولكن مع الأسف لا يعلم الكثيرون أنها كذلك.
وقد مرت بي قصص كثيرة مؤلمة أثناء خبرتي العلمية والعملية، قصص يتألم لها القلب عن أناس يعانون العذاب سواء في طفولتهم أو في شبابهم أو في كبرهم، وهذه الأوضاع الظالمة وغير السليمة لها ضريبتها من صحة الانسان النفسية والجسدية، فمثلا حوالي نصف النساء اللاتي يذهبن إلى العيادات ويشكين من أعراض سوء هضم حادة يجيبون عند سؤالهم عن تاريخهم الأسري كما ورد في إحدى الدراسات في أمريكا بأن لهم تاريخ إساءة معاملة في طفولتهم. ووجدت الدراسات أيضا أن النساء اللاتي عانين في طفولتهن يعانين أكثر من غيرهن من أعراض الآم الحوض والصداع وألام الظهر والإجهاد والسمنة وتجرى لهن عمليات جراحية أكثر، والأنواع المختلفة من إساءة المعاملة يمكن لها أن تؤدي إلى أعراض جسمانية مختلفة، كما أن جنس وعمر الشخص أثناء إساءة المعاملة يلعب دورا في تحديد أثار هذه الإساءة على النفس والجسد، فوجد مثلا أن البنات يعانين أكثر من أثار إساءة المعاملة جسديا من خلال ظهور اعراض جسمانيه غير واضحه الاسباب، بينما تظهر أثار إساءة المعاملة على الذكور من خلال انحرافات سلوكية . وبناء عليه فإن هناك العديد من الأدلة على أن إساءة المعاملة في الطفولة لها أثر سلبي كبير على صحة الإنسان في الكبر، وسوف نناقش هنا الطرق المختلفة التي يمكن لإساءة المعاملة أن تؤثر بها على صحة جسم الإنسان.
إساءة المعاملة هي سبب أساسي للضغط النفسي، وقد وجد الباحثون أن الضغط النفسي المزمن له أثار سلبية على المخ، ومن ثم على كل أعضاء الجسم، فالضغط النفسي يؤثر على تركيب ووظائف أجزاء مختلفة في المخ مثل الأجزاء المسئولة عن التعبير عن العواطف والذاكرة وغيرها .ولكن الضغط النفسي البسيط يمثل داعما للنمو ومفيدا للمخ فيزيد من نمو الاتصالات العصبية ويمثل دافعا لتطوير الذات. فمثلا الضغط النفسي المعتدل الناتج عن الاستعداد للاختبارات يدفع الطالب للدراسة ويدفعه للتعلم والنمو، أما الطفل الذي لا يشعر بمثل هذا الضغط فإنه لن يذاكر ولن يتعلم شيئا، وكذلك الطفل الذي يقع تحت ضغط شديد فإنه أيضا لن يذاكر لأن الخوف والقلق سوف يسيطران عليه ويشتتان ذهنه.
هنا لابد أن نعرف ما هو الضغط النفسي، على كل إنسان منا مسؤليات ومتطلبات علينا القيام بها، فمثلا هناك متطلبات اجتماعية وهناك متطلبات مادية ومتطلبات جسدية وغيرها . فإن كانت إمكانيات الإنسان تفوق متطلباته بشكل كبير فإنه سوف يشعر بالملل، كالمرأة الذكية التي لاتجد عملا أو كالطالب المتفوق في فصل أقل من مستواه، فإنهم سوف يشعرون بالملل لأن الوضع لا يدفعهم لتطوير الذات والنمو.
أما إن كانت المتطلبات أكثر بكثير عند الفرد فإنه سوف يعاني من الضغط النفسي وتكون ردة فعله لهذا الضغط متناسبة مع شخصيته وبيئته، فمثلا قد يواجه إنسان متطلبات مادية تفوق كثيرا احتياجاته، فشخص ما يحاول التكيف بتقليل المصاريف أو زيادة الدخل أو الدين أو بيع شيء عنده وبعض الناس يلجئون لطلب المساعدة ، ولكن هناك أناس يكون لديهم ميول نفسية أو عضوية لأمراض معينة، وتحت الضغط النفسي تظهر هذه الأعراض، فالبعض يكتئب وآخرون يشعرون بالقلق الشديد أو الخزي من أنفسهم والبعض يلجأ إلى إدمان الخمر أو المخدرات وآخرون قد تظهر لديهم أمراض جسدية كالسكر والضغط، وهناك من تكون بنيته الأخلاقية ضعيفة فيلجأ للسرقة أو الرشوة أو النصب للحصول على المال.
وعليه فإن كيفية تعامل الإنسان مع متطلبات الحياة تعكس شخصيته وأخلاقه وعلاقاته الاجتماعية وحتى تكوينه الجسدي ، فبعض الناس لديهم ميول منذ الولادة للغضب الشديد وآخرون مرحون والبعض لديهم ميول للخوف وتحت الضغط تظهر بجلاء هذه الميول، فالظروف الصعبة والضغط النفسي تعمل كمكبر للشخصية وصفاتها وعلاتها ، فالظروف الصعبة تظهر بجلاء نقاط القوة ونقاط الضعف. أما إن كانت المتطلبات أكثر بقليل من الإمكانيات فإن الإنسان يشعر بالتحدي ويسعى لتعلم مهارات جديدة والنمو، وهكذا ليس كل الضغط النفسي سيء وإنما يمكن تحديد نتائجه من خلال معرفة إمكانيات الشخص وردود فعله.
والضغط النفسي لا ينتج فقط عن الأحداث السيئة مثل وفاة شخص حبيب أو فقدان مال أو التعرض لمشاكل ، أحيانا تكون الأحداث السعيدة سببا للضغط النفسي فالنجاح والتفوق قد يسببان ضغط نفسي نتيجة التنافس وفقدان بعض الأصدقاء بسبب الغيرة، والزواج قد يسبب ضغط نفسي كما يسببه الطلاق، والانتقال من عمل إلى آخر أو بيت لآخر يمكن له أن يسبب ضغطا نفسيا أيضا.
فباختصار، كل تغيير في حياة الإنسان يمكن أن يكون سببا في الضغط النفسي، فكل تغيير يتطلب تكيف والتكيف يتطلب تغيير في سلوك وفكر الشخص، وهذا يتحدد بمدى مرونة هذا الإنسان وخبراته السابقة وإمكانياته على التكيف، وعليه فإن الضغط النفسي الناتج عن إساءة المعاملة أو الناتج عن وجود متطلبات تفوق إمكانيات الشخص ينتج عنها تفاعلات كيميائية في الجسم لها أثار سلبية على المخ وأعضاء الجسم المختلفة إن كانت مزمنة.

د. ماجد عشي

الفكاهة علامة الصحة النفسية

الفكاهة علامة الصحة النفسية

القدرة على الفكاهة والمرح هي من علامات الصحة النفسية، ونحن لا نقصد هنا المرح الذي يبكي الاخرين او يجعلهم يتسائلون عن قدرة الشخص العقلية، فالشخص الذي يمكنه ان يمازح الاخرين بلطف ويضفي على الموقف شيئا من السعادة والمرح، هذا الشخص في الاغلب سليم نفسيا، فكثير ممن استمر زواجهم عقودا يذكرون ان المرح لعب دورا كبيرا في استمرار زواجهم، فكثير من الامور يمكن حلها بشيئ من الفكاهة والمرح فيقلل ذلك من تأزم الامور وتصعيدها، والكل يعرف ان احد علامات المشاكل بين شخصين هو غياب الفكاهة والمرح وان "يجلس كل واحد للتاني!"، ومن فوائد المرح انه يمكنك ان تقول بالفكاهة مالا يمكنك بغيرها دون خلق مشاكل، فالفكاهة تفرغ ما في النفس بامان، "النكت" اختراع انساني عبقري ليقول ما لا يمكن قوله باسلوب اخر، هل يمكنكم تخيل اول شخص قال نكتة ماذا كان رد فعل الناس عليه!
د. ماجد عشي

العلاقة الاولى هي الاساس

قام بولبي في عام 1969م بتعريف العلاقة الرابطة بين الطفل وأمه بما يسمى الترابط. وقد اعتبر بولبي أن سلوك تكوين العلاقات عند الناس هو سلوك غريزي ويهدف إلى تحديد درجة معينة من القرب أو البعد بين الطفل وأمه ، وتشكل هذه الرابطة نموذج لكل الروابط المستقبلية عند الطفل فهذا الرباط الخفي بين الطفل وأمه هو ما يجعل الطفل دائما حول أمه ويبكي إن بعدت عنه. وهذا الرباط يحافظ على سلامة الطفل كما يحقق له احتياجاته الأساسية من الطعام والشراب والأمن والاحترام الذاتي.
وينظم الطفل سلوكه مستخدما إشارات يستقبلها من أمه ومن ملاحظات عن الوضع العام فمثلا نجد الطفل في سن الثانية أو الثالثة يلعب في الحديقة وكل دقيقتين أو أكثر قليلا ينظر إلى أمه ليتأكد أنها مازالت هناك ويدرس ملامحها بسرعة ليتأكد أن الوضع ليس خطيرا عليه. وبعد أن يلعب قليلا يجري نحو أمه ويحضنها ويقبلها حتى يتأكد من أن العلاقة بينهما جيدة ثم يذهب بعيدا للعب. فإن سلوكيات عديدة للطفل تخدم تكوين العلاقة مع الأم والأب ومن يعتني به. فابتسامة الطفل البريئة تجذب إليها قلوب الكبار وتكون كمكافئة لهم على عملهم الطيب. وبكاء الطفل يعمل على إخبار الكبار حوله بحاجته إليهم. فبكاؤه كنداء لهم حتى يقتربوا إن كانوا بعيدين أو يبتعدوا إن كان الطفل لا يشعر بالأمان معهم . وعليه فإن سلوكيات الطفل الرضيع وحتى ما بعد ذلك تعمل على تنظيم العلاقة بالآخرين .
هذا وإن الطفل عندما يشعر بالأمان في علاقته مع من يعتنون به وخاصة الأم فإنه يمكنه الابتعاد عنهم للعب والاستكشاف وتكوين علاقات جديدة مع الأطفال. وعندما نقول يشعر بالأمان فإن لهذا الكلام معنى محدد. فإذا كانت الأم متواجدة لرعاية الطفل جسديا ونفسيا وكانت محبة ولها وعي وإحساس باحتياجات الطفل وتتعامل مع الطفل بتفهم ونظام. حيث يرى الطفل نفسه واحتياجاته فيها فكأنها مرآة له. عندما يكون جائعا يرى أنها تعلم بجوعه وعندما يكون خائفا فإنها تفهم خوفه وتفهم سببه حتى لو لم يكن بإمكانه التعبير عنه . وعندما ينظر إليها فإنه يرى في ابتسامتها وعينيها وتعبير وجهها حب له واحترام وحنان. عندها يشعر أنه إنسان له كيان ومحبوب وتزداد ثقته في نفسه ويتكون رأيه في نفسه بناءا على هذه العلاقة. فالطفل لا يعرف شيء عن نفسه وقيمتها ويتعلم من هو وقيمته من خلال أمه وأبيه ، فتتكون لديه صورة إيجابية عن نفسه وعمن حوله وعن العلاقات الانسانية. فيرى أن الناس الآخرين عقلاء ومحبين ويمكن الاعتماد عليهم وأسلوبهم في التعامل واضح. وطلباتهم محددة ويمكن تحقيقها. وحبهم له غير مشروط. يسمحون له باللعب والتجربة دون أن يهدد ذلك محبتهم له وهم متواجدون للرعاية والحماية وتقديم الدعم إن احتاج الأمر. عندها يشعر الطفل بالأمان في العلاقة ويستطيع أن يبتعد عن أمه وأبيه للعب والاستكشاف ويعود بين الحين والأخر لتجديد العلاقة وبناء المحبة وصيانتها ثم يذهب مرة أخرى لاكتشاف العالم .
أما إن كان الوالدين غير سويين نفسيا ومن النوع العنيف الذي يضرب الطفل ويذمه ويحط من قدره أو من النوع المهمل غير الواعي لاحتياجات الطفل أو من النوع الأناني الذي لا يفكر الا في احتياجاته ورغباته أو من النوع المدمن على الخمر أو المخدرات مما يؤدي إلى تغيرات جذرية في تصرفاتهم تحت تأثير المخدر أو الخمر فكل هؤلاء يجعلون الطفل لا يحصل على احتياجاته ويكونون مصدر اضطراب في حياته ومصدر عدم احترام لذاته وفقدانه للثقة في نفسه. فالطفل الصغير لا يمكنه تفسير التصرفات والتغيرات التي يراها في شخصية الأب المدمن. فكيف يمكن للأب الحنون أحيانا أن يأتي في المساء ويضرب أو يسب أو يعتدي على الطفل أو الأم أمام الطفل! لا يمكن لطفل صغير في سن ثلاث سنوات أو أربع أو خمس أن يفهم شيء عن الخمر أو المخدرات ، فهذا الوضع غير الطبيعي يخلق اضطراب في فهم الطفل وفكره ومشاعره وشخصيته ويلوم نفسه على أمور لا يمكن لعقله الصغير أن يستوعبها.
والأم الأنانية التي لا تهتم بشيء سوى شكلها أو عملها أو صديقاتها أو نومها هذه الأم تكون غير متواجدة لإشباع احتياجات الطفل فيشعر الطفل أن احتياجاته مهملة وأن العالم من حوله لا يفهمه مما يؤدي إلى إحساسه بالحزن والانطواء أو العدوانية ، وفي حالات كثيرة تكون هذه الأم ذات شخصية نرجسية تحب ذاتها بشكل كبير ولا ترى في الطفل سوى امتداد لذاتها كاليد أو القدم وأن هذا الطفل إما يكون مصدر فخر لها أو مصدر خزي. فهي تستخدم الطفل لإشباع رغباتها النرجسية كحبها لجلب الانتباه. فالطفل لابد أن يكون جميل الشكل حسن السلوك متفوق في المدرسة وفي كل الشيء وإلا كان مصدر خزي وعار لها ودليل على فشلها كأم ، فيشعر الطفل بضغط شديد عليه حتى يكون كامل من جميع الصفات ويشعر كما وأنه في مهمة عليه إنجازها في هذه الحياة وهي رفع رأس الأهل. عندها يفقد الطفل إحساسه باحتياجاته ومشاعره الذاتية ويصبح كالآلة يهدف إلى إسعاد والديه. وإن لم ينجح في شيء كان جزاؤه العقاب الجسدي أو النفسي ، وإن كان الطفل غير جميل المظهر فسوف يعاني الأمرين ، فأمه أو أبوه ذوي الثقة الهابطة في أنفسهم يحاولون كل جهدهم إخفاؤه عن العيون أو ذمه أو إلقاء اللوم عليه . ثلاثة أنواع من الأمهات أو الآباء تعتبر الأسوأ على الإطلاق :الوالدان ذوي الشخصية النرجسية الأنانية ، والوالدان المتسلطان العنيفان الديكتاتوريان ،والأب أو الأم المدمنان الغائبان المضطربان في شخصيتهما وسلوكهما . فالطفل تحت هؤلاء يكون فكرة مضطربة وسيئة عن العالم من حوله وعن العلاقات الإنسانية. وهذه الصورة تكون الأساس لتصور عن كل العلاقات المستقبلية .
وبناء عليه فإن هذه التجارب التي يمر بها الطفل تبني في داخله ومن خلال ذاكرته تصور مركزي في أعماق نفسه عن تواجد الآخرين ومدى حبهم له ومدى استحقاقه لهذا الحب، ويتعلم أساليب التعامل مع احتياجاته كما رأى والديه يتعاملان معها. ويكون تصور عن الأمن في عالمه ووجود الدعم الاجتماعي والأخلاق في المجتمع. فإن كان الوالدان يميلان للظلم نشأ الطفل وهو يشعر بالظلم وعدم الأمان وربما يكون لديه غضب شديد نحو كل من هم في موقع سلطة عليه في المستقبل ، حيث يحمل في داخله هذه الرؤيا السلبية نحو والديه إلى كل مواقف حياته. وهكذا فإن هذه العلاقة الأساسية بين الطفل وأمه أو أبيه يمكن أن تزيد أو تخفف من الضغوط النفسية في حياته ، فالضغط النفسي سيزيد عليه في حياته نتيجة علاقات غير مستقرة مع أهله كما أن عدم الثقة بالنفس الناشئة عن أسلوب سيء في التربية يحد من فرص الطفل في التكيف الصحي في ظروف الحياة. فالطفل غير الواثق من نفسه يميل إما للانطواء أو لمحاولات مهتزة لإثبات الذات بأساليب غير صحية. فمثلا قد يلجأ إلى التدخين أو إلى سلوكيات منحرفة لإثبات الذات ، كما أن الطفل الذي يعتقد أنه غير جدير بالحب أو الاحترام لا يجد ما يدفعه إلى النجاح في حياته ويرى أنه يستحق الفشل والإهانة ، وهكذا فإن أسلوب الوالدين في التربية يؤثر على الطفل بأشكال مختلفة فقد تجعله ضعيف نفسيا أمام مواجهة الحياة وتجعله يفكر عن العالم وعن الناس وعن نفسه بطرق تزيد من مشاكله وتجعله عرضة لمزيد من المتاعب والضغوط النفسية في الطفولة وفي مستقبله.


د. ماجد عشي

البحث العلمي وسلوك الانسان


هناك طرق مختلفة للتعلم عن الواقع، وبعض الطرق اقدم من غيرها، والبحث العلمي هو احد الوسائل للتعلم عن الواقع، البحث العلمي يفترض ان الكون يعمل حسب قوانين، وهدف البحث العلمي هو الكشف عن هذه القوانين، ويفترض ايضا ان لكل سبب مسبب، فيحاول معرفة الاسباب، ومعرفة الاسباب تساعد في التحكم في النتائج، كما تساعد في توقع الاحداث المقبله، يبدأ البحث العلمي بالملاحظة، وبسؤال، فمثلا نلاحظ ان هناك اشخاص يميلون للاكتئاب، ننتبه لهم، لماذا؟ لان سلوكهم يختلف عن المعتاد، نحن نلاحظ ما هو مختلف، هذه طبيعة الانسان، ونريد ان نعرف سبب هذا الاختلاف، ماالذي يجعل هذا الشخص يميل للحزن والسوداوية؟! ثم نضع نظرية تقدم تفسيرا لمسببات ومكانيكية انتاج الظاهرة التي نراها، فمثلا يمكننا ان نقول ان السبب هو خلل كيميائي في المخ، او السبب هو اضطراب اسري منذ الطفولة، او السبب هو ضغوط الحياة، ويقوم الباحث بتصميم دراسة لاختبار التفسير الذي لديه، فمثلا يمكن ان يقارن الصور المقطعية للامخاخ مجموعة تعاني الاكتئاب مع مجموعة لا تعاني منه ليرى ان كان هناك فروق في تركيب المخ، او ان يبحث في تاريخهم الاسري ليرى ان كان هناك فروقا تفسر الاكتئاب، بالطبع البحث العلمي يتطلب علما وجهدا ومالا، ولكنه افضل اسلوب للمعرفة الصحيحة للواقع قدر الامكان، ولكن ليس كل الاسئلة يمكن الاجابه عليها عن طريق البحث العلمي، فمثلا قد تكون مع شخص وتشعر بعدم الراحة ولا تعرف لماذا، وبعد ايام تجد ان هذا الشخص كان يكذب عليك في امر ما، لم تعرف ذلك نتيجة دراسة علمية بل نتيجة الحدث اوالاحساس، قد تصيب وقد تخطئ ولكنها احد اساليب المعرفة، وهناك امور نعرفها عن طريق الخبر ولا يمكننا دراستها ولكن نعتمد على المنطق، فان جاء شخص وقال لك ان جده المتوفي كان يأكل عشرة خرفان في اليوم، فانك ستقيس الامور وتحدد ان كان هذا الكلام ممكنا ام لا، لن تقوم بدراسة علمية، فالعلم يفترض ان هذا العالم ميكانيكي يعمل كالآلة حسب نظام معين، والعلم يحاول الكشف عن هذا النظام، ولايمكن للعلم دراسة مالايمكن اخضاعه للدراسة العلمية مثل الغيبيات الدينية، ومنذ قرن تقريبا والعلماء يحاولون فهم سلوك الانسان بشكل علمي دون الاعتماد على الاساليب القديمة من تنجيم وابراج وقراءة الكف والفنجان وغيره، وتجمعت لدى علماء النفس وغيرهم كميات كبيرة من المعرفة بسلوك الانسان، ويبقى عدد كبير من هذه العلوم متداول بين المختصين وبلغات غير العربية، وبلغة علمية معقدة يفهمها المختصون فقط، ونادرا ما تقدم للناس باسلوب بسيط يفيدهم، مما يحد من ثقافتهم النفسية ويجعلهم يفسرون امور كثيرة على انها عين او حسد او سحر او جن او غيره، لاننكر وجود هذه الامور، ولكن ان نفسر الاكتئاب على انه عين، او ان نفسر الصرع على انه مس، سيجعلنا نبتعد عن معرفة الاسباب الكيميائية لهذه الامور، عيب البحث العلمي انه يأخذ وقتا وجهدا ومالا قبل ان يقدم اجابات، كما يتطلب ان يكون هناك اشخاص في المجتمع يربون على اسلوب التفكير العلمي المنظم، قادرون على التدبر والبحث لمعرفة سنن وقوانين هذا الكون، وتتوفر لديهم الامكانيات للقيام بدراساتهم، فهناك الكثير الذي لانعرفه اونفهمه بعد، وخصوصا عن سلوك الانسان ..


د. ماجد عشي

اعراض اضطرابات الاكل


هناك نوعان اساسيان من اضطرابات الاكل، وكلها منتشرة أكثر بين النساء، الاول هو ما يسمى أنوريكسيا نيرفوزا، وهو منتشر بين المراهقات، وفيه تعتقد الفتاة انها سمينة مع انها في الحقيقة في وزن اقل من الطبيعي، فهي ترى نفسها فعلا سمينة في المرآة، فهناك خلل في كيفية رؤيتها لنفسها، فتحاول جاهدة انزال وزنها فينقص وزنها بشكل خطير قد يتطلب ادخالها للمستشفى للتعذيه، فهي تجوع نفسها وتخاف الى درجة الرعب من زيادة في الوزن، فكل الناس يرونها نحيلة جدا بينما ترى نفسها سمينة، فقد لا تأكل غير جزرة او لبن او سلطة في اليوم او ما يشابهها من كميات اكل قليلة، وقد تلعب الرياضة لساعات يوميا رغبة في انزال وزنها، وتصل من النحف درجة قد تجعل الدورة الشهرية تتوقف، فالخلل الاساسي هنا هو انها ترى نفسها سمينة مع انها في الحقيقة تحت الوزن الطبيعي، وبالطبع يلعب الاعلام مع الاسف دورا في الضغط على النساء كي يظهرن بوزن مشابه لعارضات الازياء مما يجعل الكثير من الفتيات يشعرن بالنقص، وبدأت هذه الظاهرة في الانتشار بين الشباب ايضا، والاضطراب الثاني يسمى بوليميا نيرفوزا، وفيه تقوم الفتاة بالاكل بشراهة بكميات كبيرة من الطعام واحيانا بشكل سري، بمعنى ان تدخل غرفتها وتأكل كميات طعام أكثر من العادي، كأن تأكل جالون أيسكريم او قدرة رز لوحدها، ثم تقوم بعد ذلك بادخال اصبعها في فمها لكي تبدأ بالاستفراغ لاخراج الاكل ظنا منها انها بذلك ستحافظ على وزنها، وقد تستخدم اساليب اخرى مثل استخدام المسهلات او الصيام لتنزيل الوزن او الرياضة المبالغ فيها، فالصفة المميزة لهذا الاضطراب هو الاكل الزائد الذي يليه محاولات اخراج الاكل او حرقه بسرعة، وبالطبع هذه الممارسات تضر بالجسم، فتظهر امراض في المعدة والمريء والامعاء، كما تظهر امراض في الاظافر نتيجة وضع الاصابع في الفم الاستفراغ واختلاطها باحماض المعدة، كما تعاني الفتاة من نقص الثقه في النفس والاحساس بفقدان السيطرة على نفسها، هناك علاجات نفسية وطبية متوفرة، ويحبذ لو ان الاهالي يتابعون سلوك الفتيات المراهقات بخصوص الاكل ويعلمنهن عن اساليب تبني ثقتهن في انفسهن دون التركيز المبالغ فيه على موضوع الوزن والشكل، كما للاعلام والمدرسة دور مهم في التوعية والوقاية .


د. ماجد عشي

اضطرابات القلق: نوبات الخوف



يتميز هذا الاضطراب والذي يسمى ايضا بانيك اتاكز بنوبات غير متوقعة من الخوف او الفزع، وتكون مصحوبة باعراض جسمانية تظهر فجأة وتستمر لدقائق قد تصل الى عشر دقائق، وتثير هذه التغيرات خوف الشخص ظنا انه سيفقد السيطرة على نفسه او انه سيموت بالسكته القلبية او ما شابه ذلك، وهذا التفكير والخوف يزيد من الاعراض ومن ثم الخوف وهكذا، ومن الاعراض الجسمية تسارع دقات القلب، التعرق، الارتجاف، ضيق التنفس، الاحساس بالاختناق، الم في الصدر، مغص واحساس بالغثيان، الاحساس وكأن الشخص سيسقط ارضا او يغمى عليه، وقد يعاني الشخص من بعض هذه الاعراض وليس كلها، وقد يشعر ايضا وكأن العالم من حوله غير حقيقي، او انه قد خرج من جسمه او انه ليس نفسه، ويخاف من انه سيفقد السيطرة على نفسه او انه سيفقد عقله، كما يخاف انه قد يموت في لحظات، وقد يشعر بتنميل في اجزاء من الجسم ويفسرها على انها بداية شلل، او يشعر ببرودة او سخونة مفاجئة في اجزاء من الجسم، وتتكرر هذه النوبات بين الحين والاخر، فقد لا تأتي لشهور، ولكن الشخص يستمر في الخوف من ان تأتي اليه مرة اخرى، كما يخاف ويقلق من نتائجها من حيث الاحراج او فقدان السيطرة او الجنون، ويحاول الشخص تغيير سلوكه املا ان يمنع النوبة القادمة، فقد يتجنب اماكن معينة او اوضاع معينة او ان يجلس في اماكن معينة وما الى ذلك، وبالطبع لا بد من الكشف الطبي الكامل للتأكد من ان هذه الاعراض ليست ناتجة عن امراض جسمية او استخدام مخدرات او ادوية.
د. ماجد عشي

اضطرابات القلق: اضطراب القلق العام


هناك العديد من الاضطرابات النفسية التي تصنف على انها اضطرابات قلق، بمعنى ان العنصر الاساسي فيها هو وجود القلق او الخوف الزائد، ومنها اضطراب القلق العام او ما يسمى جنرالايزد انزايتي، يتميز هذا الاضطراب بقلق زائد ومستمر، ففي اغلب الايام يعاني الشخص من القلق ويستمر ذلك لشهور، ويكون الشخص قلق بخصوص موضوع معين او نشاط معين، مثل القلق بخصوص الدراسة او العمل او الزواج او الامور المادية وغيره، ويتميز هذا الاضطراب ايضا بان موضوع القلق يتغير مع الوقت، فان تم حل مشكلة بدأ القلق بخصوص الاخرى، ففي حقيقة الامر الشخص قلق ولا يعرف لماذا ولكنه يقنع نفسه انه قلق بسبب موضوع معين، فهو يربط قلقه بمواضيع ليجد تفسيرا لقلقه، ويجد الشخص صعوبة في السيطرة على هذا القلق، وقد يشعر انه غير مسترخي، ودائما على "الحافة"، يشعر بالاجهاد سريعا، ويجد صعوبة في التركيز او التفكير بهدوء، عضلات جسمه مشدودة، وسريع الغضب، كما يعاني مشاكل في النوم من أرق او استيقاظ متكرر مع تفكير في المشاكل، ويعاني الشخص ايضا من آثار هذا القلق الجسمية من تسارع دقات القلب وتعرق في اليدين وسرعة او ضيق في التنفس وغيرها من الاعراض، ولا بد من استبعاد الاسباب العضوية قبل الدخول في الامور النفسية، فهناك امراض عضوية كثيرة قد تؤدي الى هذه الاعراض، كما قد تنتج هذه الاعراض عن شرب المنبهات مثل القهوة والمشروبات الغازية او المخدرات او بعض الادوية، فلا بد من كشف عام قبل التشخيص النفسي .

د. ماجد عشي