الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

الحروق و التشوهات الجسدية واثارها النفسية

هناك انواع عديدة من التشوهات الجسدية، فبعض التشوهات الجسدية يكون ناتجا عن تشوهات خلقية يولد بها الانسان مثل ان يولد الطفل وعنده نقص في تكوين احد اعضاء جسمه او تشوه في الوجه او وحمة وما الى ذلك، وهناك تشوهات تكون ناتجة عن حوادث او حروق او امراض مثل امراض الجلد او السرطان، وفي هذه الحالات قد تكون التشوهات في اي مكان في الجسم، وكلما كان التشوه ظاهرا للعيان، كأن يكون في الوجه مثلا، كلما كانت نتائجه النفسية اكبر، وفي هذا الفصل نود ان نناقش النتائج النفسية المترتبة على هذه التشوهات واسبابها ودور جراحة التجميل في تحسين نفسية المريض.

هناك عوامل عديدة تحدد مدى تأثير التشوهات الجسدية على نفسية الفرد، فان كانت التشوهات ناتجة عن حادث فان المريض قد يعاني ايضا من الصدمة النفسية الناتجة عن الحادث، فالحوادث، سواء حوادث السيارات او الحرائق او الكوارث الطبيعية او الحروب او غيرها، تترك أثارها في النفسية وقد تؤدي الى اعراض نفسية بغض النظر عن التشوه الناتج، فان ادى الحادث الى فقدان عزيز او مشاهدة دمار او مشاهد مرعبة فان ذلك قد يتبعه تغيرات عاطفية وسلوكية، فهذه الحوادث قد تؤدي بالشخص الى فقدان الثقة في النفس او الناس والى الاحساس بعدم الامان، وقد تأتي للشخص كوابيس او يتذكر الحادث مرارا وكأنه يحدث مجددا وتكون ردود فعله العاطفية قوية لهذه الذكريات، كما قد يدخل الشخص في حالة اكتئاب او خوف ناتجة عن فقدان عزيز وعدم الاحساس بالامان، وفي بعض الحالات قد يلجأ المريض الى استخدام المخدرات او الادوية بشكل غير سليم او حتى محاولة الانتحار حسب شدة الحالة، فالحوادث حتى لو لم تكن مصحوبة بتشوهات لها نتائجها النفسية وقد تسبب معاناة في حد ذاتها، ولابد من اخذ هذه النتائج في الحسبان عند معالجة المريض بالجراحة التجميلية.

وبالاضافة لهذه المعاناة فقد يعاني المريض نتيجة التشوهات نفسها، فقد تكون هذه التشوهات مصحوبة بآلام مؤقته او مزمنة، وهذه الالام لها اثارها النفسية، فالالم المزمن قد يسبب اضطرابا في النوم مما يؤثر على نفسية ونشاط الشخص وقد يؤدي الى الاكتئاب، كما ان الالم المزمن قد يؤدي الى العصبية وسرعة الغضب وحتى الاحساس بالذنب ان كان الشخص يعتقد ان معاناته هي عقاب من الله مثلا، والالم هو تجربة شخصية لا يعلم بها الاخرون الا اذا اخبرهم بها الشخص، فقد يكتم الشخص معاناته ولا يشعر به احد مما قد يجعله يشعر بالوحدة وعدم فهم الناس له، فقد يكتم معاناته اعتقادا انه من العيب ان يشتكي الرجل من الالم او ليأسه من تفهم الناس او رغبة في عدم ازعاج الاخرين، ولكن هذا لا يمنع وجود المعاناة النفسية، والحضارة والتقاليد تلعب دورا هاما في كيفية تعامل الانسان مع الالم، فبعض الحضارات تشجع على الشكوى بينما لا تحبذها حضارات أخرى، فمثلا هناك فروق في تعبير النساء عن المهن اثناء الوضع تبعا للحضارة والتقاليد الاتي يأتين منها،

وتزداد معاناة المريض ان كانت التشوهات مصحوبة بفقدان عضو او وظيفة عضو كأن يفقد الشخص عينا او يفقد السمع نتيجة حروق، عندها لابد للمريض ان يتأقلم مع هذا الفقدان بالاضافة الى الحادث والتشوهات، وبالطبع فقدان كهذا والتشوهات قد تؤدي الى ان يفقد الشخص عمله ومصدر رزقه وقد يؤدي ايضا الى العزلة الاجتماعية وحتى الى انهيار الحياة الزوجية والاسرية، فالكارثة مركبة في هذه الحالة، وهذا الفقدان قد يؤدي الى تغير حياة الشخص بالكامل كما في حالة فقدان البصر او الشلل، وعليه في هذه الحالة التكيف مع الحياة بواقعه الجديد، وبالطبع قد تصحب هذه الحالات معاناة نفسية شديدة، وقد تكون مزمنة في بعض الاحيان،

ولابد ان نأخذ في الاعتبار جنس المريض وعمره وشخصيته، فالمرأة قد تعاني أكثر نتيجة التشوهات الجسدية نتيجة تركيز المجتمع على اهمية الجمال للمرأة، وقد تتأثر فرصها في الزواج او ان تقلق أكثر بخصوص هذا الامر، وهذا ينطبق ايضا على الشباب اكثر من كبار السن، فالتشوهات عند الشباب قد تجعله قلقا بخصوص فرص زواجه او عمله، اما الكبير في السن قد يكون متزوجا ومستقرا ماديا او متقاعدا ولا يقلق كثيرا بهذا الخصوص، كما ان خبرة وحكمة كبار السن قد تساعد على التكيف مع هذه التشوهات، وبالاضافة لذلك لابد من أخذ الشخصية في الحسبان، فهناك شخصيات قوية قادرة على التأقلم في احلك الظروف وهناك شخصيات تكون مضطربة قد تكون ردود فعلها قوية للتشوه، فمثلا الشخص النرجسي الذي يركز كثيرا على شكله قد يتأثر كثيرا بالتشوه مقارنة بشخص مؤمن بالقضاء والقدر، فالحادث والتشوه يمثلان ضغطا نفسيا على الشخص، وتحت هذا الضغط قد تظهر مشاكل نفسية كانت خفية، فمثلا الانسان الذي كان عنده ميول للاكتئاب او القلق او الفصام قد تظهر عليه هذه الاعراض كاملة وبقوة تحت الضغط النفسي، كما ان صفات الشخصية يكون دورها حسب نوع التشوه، فمثلا ان كان الشخص اجتماعيا بطبعه وكان التشوه في الوجه فقد يؤدي ذلك الى معاناة اكبر من لو كان انطوائيا بطبعه، فالانطوائي لن يحتاج في هذه الحالة الى تغيير اسلوب حياته كثيرا مقارنة بالاجتماعي، وكما ذكرنا سابقا، فهناك اشخاص مؤمنون بالله والقضاء والقدر وقد يساعدهم ذلك في التأقلم مع الظروف الجديدة مقارنة بالاشخاص الذين قد يلومون الاخرين او انفسهم بخصوص اسباب التشوه، وبالطبع مثل هذه الحوادث والتشوهات قد تقود الشخص الى الشك في وجود العدل في الحياة او الى البحث عن أي تفسيرات تساعد على استمرار هذا الايمان بالعدل، فكيف يمكن للمريض تفسير تشوهاته ومعاناته بينما يرى الناس من حوله في سعادة وصحة؟ قد يتسائل ان كان مرضه عقابا من الله له على عمل قام به او أحد من أهله، وقد يرسخ بعض الناس من حوله بشكل مباشر او غير مباشر هذه الاحاسيس والشكوك، فكثير من الناس يحب ان يعتقد أن هناك عدل في الحياة وقد يلجأون الى حيل نفسية لكي يستمروا في هذا الاعتقاد، كأن يقولوا ان هذا الشخص يستحق ما اصابه، وقد يتشمتون في المريض مما يزيد من معاناته النفسية، فالمريض عندها عليه التعامل مع هؤلاء بالاضافة لمعاناته،

وهناك تشوهات جسدية تكون مصحوبة بوصمة اجتماعية، فمثلا الشخص الذي يعاني من فقدان السمع نتيجة حادث قد لا يعاني اجتماعيا كشخص يعاني من حروق شديدة في الوجه، فالحروق لها وقع اقوى في نفوس الناس وقد تثير الرعب عند البعض، والامراض الجلدية لها وقع اقوى من فقدان الشعر نتيجة العلاج الكيميائي لمعالجة السرطان، فالناس في الغالب لا تلوم مريض السرطان على مرضه الا في حالات سرطان الرئة الناتج عن التدخين، ويميلون للتعاطف معه، اما الامراض الجلدية قد تثير شكوكا حول سلوك الشخص الجنسي او نظافته الشخصية، وقد تثير ايضا مخاوف من العدوى، وفي مثل هذا الحالات سيعاني المريض من الوصمة الاجتماعية والرفض والعزلة، ومع الاسف تظهر الافلام والاعلام عموما الانسان الخير على انه وسيم والشخص السيئ او الشرير على انه مشوه او قبيح الشكل، كأن يكون أعرجا او فاقدا لعين او أذن او به حروق او اصابات وما الى ذلك، وقد رسخ ذلك عند الناس الربط بين التشوه والشر واصبح الناس يخافون من المرضى الذين يعانون مثل هذه التشوهات، وكم من اشرار حسني المظهر وكم من أخيار بهم تشوهات،

وهناك تشوهات تكون ناتجة عن امراض مثل السرطانات والامراض الجلدية او امراض الهيكل العظمي و غيرها، او تكون تشوهات ناتجة عن الاثار الجانبية لعلاج مرض معين كتساقط الشعر أثناء العلاج الكيميائي للسرطان او ازالة الثدي او جزء منه او الخصية لعلاج سرطان الثدي او الخصية، وبالطبع تصحب هذه الحالات معاناة نفسية وتتطلب متابعة نفسية تساعد على التأقلم والتعامل مع هذه النتائج،

وقد تكون التشوهات خلقية يولد بها الشخص او وراثية، وفي مثل هذه الحالات قد يعاني الشخص من التمييز ضده طوال حياته، وبعض الناس تتكيف مع حالتها وتتعلم كيفية التعامل معها ومع الناس، فقد نشأ الشخص وهو على هذا الحال، ولكن للمجتمع دور كبير في مثل هذه الحالات، فأن كان هناك دعم وتقبل للشخص فان أثر التشوه قد يكون محدودا، اما ان كان المجتمع غير واع وقاس ورافض للشخص فان ذلك قد يؤدي الى عقد نفسية ومعاناة عند الطفل،

ولاشك ان للاعلام والمدرسة والمسجد والمجتمع ككل دورا هاما في التخفيف من معاناة المريض او زيادتها، فالاعلام قد يرسخ صور ومفاهيم نمطية في المجتمع قد تزيد من معاناة المريض، كما يمكن للاعلام ان يقوم بدور ايجابي في التوعية، والمدرسون الذين يسيؤون معاملة التلميذ ذي العاهة ويسخرون منه سيزيدون من معاناة الطفل، ورجال الدين يمكنهم ان ينشروا الفضائل ويشجعوا على حسن معاملة من به تشوه وتقديم يد العون له، والمجتمع ككل يمكنه ان يوفر دور الرعاية والتبرعات الازمة حتى يتمكن هؤلاء من اجراء عمليات التجميل المطلوبة،

مما لا شك فيه ان الطب النفسي وعلم النفس لهما دور هام في مثل هذه الحالات، ولكن قد يكون أهم علاج نفسي لهذه الحالات هو اجراء عملية التجميل، فمثل هذه العمليات ان توفرت قد تساعد المريض على استرجاع حياته الطبيعية او التخلص من تشوه له أثار جسدية ونفسية ومادية واخلاقية واجتماعية، فقد تعيد الامل له وتفتح ابواب جديدة امامه وتخلصه من الوصمة والاحساس بالخجل والخزي، فالتشوهات لها اثر على علاقات الشخص بالاخرين، فقد يفقد علاقات في حياته نتيجة التشوهات، و قد تبنى علاقات جديدة على هذه التشوهات كالعلاقة مع جراح التجميل او الممرضات، والعملية الجراحية لها تأثير في حاضر الشخص ومستقبله وحتى في الطريقة التي ينظر فيها الى ماضيه، فعلى المريض التعامل مع الحياة والناس بشكل جديد بعد الشفاء، وقد تغير العملية من موازين القوة في علاقاته، فبعد ان كان ضعيفا منبوذا قد يصبح مقبولا ومرغوبا، وبالطبع قد لا يمكن علاج الحالة بالكامل ولكن فقط تحسين الوضع شيئا ما كما في حالات الحروق الشديدة، وعندها لا بد من اخبار المريض بصراحة ووضوح عن التوقعات الواقعية للعملية حتى لا يعيش في أحلام ويفاجأ بأن النتائج ليست كما توقع، وفي كل حال زوال التشوهات او جزء منها له أثاره النفسية، فقد يسعد المريض وقد يعاني نفسيا، فليس من السهل ان يتأقلم الانسان مع صورته الجديدة وقد يشعر بالغربة مع نفسه، كما انه قد يصعب على الاخرين التأقلم مع الوضع الجديد،

فالاسرة تعاني مع معاناة المريض، وقد تجد صعوبة في التكيف والتعامل مع التشوه وتبعاته على المريض وحالته النفسية، وقد يفسرون ما اصاب من يحبون على انه عين او حسد، وقد يتألمون كثيرا لمعاناة المريض، وقد يلومون انفسهم ان كان الحادث ناتج عن اهمال او حادث في رأيهم كان يمكن منعه، ولا ننسى ان الاسرة قد تتحمل عبئا ماديا لعلاج المريض وقد يؤدي ذلك الى ديون او تضحيات كبيرة، وبالطبع تضع هذه التشوهات عبئا ثقيلا على الزوجة او الزوج حسب الحالة وقد يجدون انفسهم غير قادرين على الشكوى خوفا من جرح مشاعر المريض او ان يحكم عليهم الاهل بأنهم غير محبين، وفي بعض الاحيان يلجأ الاهالي الى عزل المريض عن المجتمع خوفا من العار الاجتماعي او التعامل مع المريض وكأنه عبئ عليهم، وفي كل هذه الحالات تزيد معاناة المريض والاهل، فعملية التجميل في مثل هذه الحالات قد تساعد المريض واسرته للتخلص من مشاكل كثيرة.

د. ماجد عبدالعزيز عشي

الأحد، 1 أغسطس 2010

الزمن من الناحية النفسية



الزمن موضوع مهم ولكن قليلا ما يبحث فيه الناس، وسوف اتحدث قليلا هنا عن الزمن من الناحية الفيزيائية والبيولوجية والفلسفية والنفسية، اولا، ما هو الزمن من الناحية الفيزيائية؟
الزمن مرتبط بحركة شيئ ما او بالتغير، فمثلا عندما تلف الارض دورة كاملة حول نفسها نقول ان يوما قد مضى، او عندما ينهي عقرب الدقائق دورة كاملة نقول ان ساعة قد مضت، او عندما تنهي الارض دورة كاملة حول الشمس بأن عاما قد مضى، الزمن والحركة مرتبطان، وكل شيئ في هذا الكون يتحرك ويتغير ولا شيئ ثابت، حتى وانت جالس على مقعدك في البيت فانت تتحرك، الارض تدور بك، والخلايا تتحرك، والالكترونات في جسدك تتحرك، والدم يتحرك، وهكذا، حركة مستمرة وتغير مستمر، الجبال تتغير ولو ببطئ، والنجوم والبحار والانسان وكل شيئ، فلو تخيلنا ان كل شيئ في الكون بلا اي استثناء توقف عن الحركة او التغير، هل سيكون هناك زمن؟ ولو لم يكن في هذا الكون أي مادة تتحرك او تتغير، بمعنى انه لو كان هناك فراغ تام، هل سيكون هناك زمن؟ بماذا يقاس؟ وهل هناك اكوان اخرى يكون فيها مفهوم الزمن مختلف تماما عنا؟ علماء الفيزياء من امثال اينشتين وعلماء الفلك والفلاسفة وغيرهم يبحثون في هذه الامور، علماء الفيزياء يعلمون ان الزمن في هذا الكون مرتبط بالمادة وحركتها وتغيرها، فمثلا عندنا في الارض السنة حوالي 365 يوما، بمعنى ان دوران الارض حول الشمس يأخذ هذا الوقت ليتم، ولكن السنة على كوكب اخر ليست 365 يوما، فكل كوكب يأخذ وقتا مختلفا عن الاخر ليتم دورة حول الشمس، وكذلك يأخذ وقتا مختلفا ليتم دوره حول نفسه، بمعنى ان اليوم على الارض ليس كاليوم على كوكب اخر، قد يكون عمرك الان اربعون عاما، ولكن لو ولدت على المريخ سيكون عمرك الان نصف ذلك لأن المريخ ينهي دورته حول الشمس في حوالي 668 يوما، مع العلم على ان طول اليوم على الارض مساو لطول اليوم على المريخ، على كوكب فينس اليوم الواحد اطول من السنة على ذلك الكوكب، بمعنى ان اكثر من عام سيمر قبل انتهاء يوم واحد، وعلى كوكب المركري اليوم يساوي 58 يوما من ايام الارض مع العلم ان السنة هناك تساوي 88 يوما من ايام كوكب الارض، اذا الزمن نسبي وله علاقة بحركة الاجرام والاشياء وتغيرها،
وهناك زمن مادي محسوس يعتمد على حركة الارض والشمس والضوء وما الى ذلك، وهناك زمن نفسي انساني يشعر به الانسان نفسيا، ففي دراسة طلبوا من مجموعة من الناس اغماض اعينهم وان يضغطوا على زر امامهم عندما يشعرون ان دقيقة قد مضت وهم مغلقون العيون، ووجدت الدراسة ان احساس الناس بالزمن ومضي الوقت يختلف من شخص لاخر وحسب العمر، كبار السن يضغطون الزر قبل الصغار، بمعنى ان الكبار في السن يشعرون ان الزمن يمر بطريقة اسرع مقارنة بالصغار، وكلنا يعرف الاحساس الذي يشعر به الناس احيانا عندما يكونون يستمتعون بوقتهم ويشعرون ان الزمن قد مضى سريعا "دون ان يشعروا به"، وفي حالات اخرى يشعر الانسان ان الدقائق تمر ببطئ كما في حالة انتظاره امر ما او عندما يكون في حالة ملل، وهناك ايضا الطريقة التي يرى بها الشخص الماضي والمستقبل، فقد يكون هناك شخصان مرا بنفس التجربة قبل عام، احدهما يشعر ان الحدث قد مضى عليه وقت طويل والاخر قد يشعر وكأن الحدث "حدث بالامس"، وقد يكون هناك موعد سيذهب له شخصان بعد يومين، احدهما قد يشعر ان الموعد قريب جدا والاخر قد يشعر انه بعيد، عوامل نفسية تدخل في ذلك، ولكن المهم هنا هو ان الناس تختلف في احساسها بالماضي والحاضر والمستقبل،
والاضطرابات النفسية قد تؤثر على احساس الشخص بالوقت، فالشخص القلق قد يرى الوقت يمضي سريعا بينما يشعر المكتئب بان الوقت بطئ جدا، والشخص الذي يعاني من الانفصام قد يظن انه يعيش في الماضي او المستقبل او ان الزمن يعود للوراء او قد لا يكون على وعي بالزمن مطلقا، فقد يساله الطبيب ما هو اليوم او في اي سنة نحن وقد لا يعرف او قد يتحدث وكأنه في عام اخر، وبعض الجنود المصابون بصدمات الحرب قد يتوقف عندهم الزمن ويعيشون طول الوقت وكأنهم في ارض المعركة حتى لو عادوا الى بيوتهم، احساسهم بالزمن يتوقف، وهذا ما يحدث نفسيا احيانا مع المحطمة قلوبهم نتيجة قصة حب فاشلة مثلا، فبعض هؤلاء يتوقف الزمن عندهم من الناحية النفسية عند اللحظة التي تحطم فيها قلبهم، الايام تتغير ولكن نفسيا وعاطفيا لا شيئ يتغير،
ومن الناحية العصبية الوعي بالزمن يختلف من حالة الى اخرى، فمثلا الانسان لا يعي بالزمن وهو نائم، وهذا يحدث ايضا تحت تأثير بعض المخدرات او الادوية، فهل مثلا تعي القطة او النملة او الطير او السمكة بالزمن بنفس الطريقة التي يعيها الانسان؟ هل الوعي بالزمن له اسس وراثية في تكوين الجينات؟
ووجد الباحثون ايضا ان حضارة الشخص تلعب دورا في رؤيته للزمن، فمثلا هناك شعوب تنظر للزمن وكأنه يسير في خط مستقيم، فالماضي يؤدي للحاضر والحاضر يؤدي للمستقبل، فهم يعتقدون ان ما يفعله الشخص اليوم سيؤثر في المستقبل، وحريصون على الوقت ولا يحبون اهداره، وحريصون على مواعيدهم، ويغضبون ان اضاع شخص وقتهم او لم يحافظ على الموعد، وهناك شعوب تهتم اكثر بالان واللحظة التي هم فيها، يستمتعون باللحظة ولا يقلقون كثيرا على المستقبل، وقد يركزون على الماضي اكثر، ولا يهتمون بالدقة في المواعيد، ولا يهتمون بموضوع اهدار الوقت،
فعلاقة الانسان بالوقت تختلف حسب المكان والحالة النفسية والجسمانية والعمر والحضارة وحركة الاشياء والتغير، ومن علامات الصحة النفسية ان تكون علاقتك بالزمن صحيحة، بان ينتهي "الزمن النفسي" ولا يبقى غير الزمن الخارجي، فعندما يكون عند الشخص مشاكل فانك تجده "سرحان" ويفكر، هو جالس معك ولكنه يفكر في امور بيته او عمله، وقد يفكر في المستقبل او الماضي، فهو في مكان غير المكان وفي زمان غير الزمان، تخيل لو انك كنت سعيدا في حياتك ولا يقلقك شيئ، فانك لن "تسرح"، وستكون "هنا" و "الان" جسديا ونفسيا، فكلما زادت التعاسة كلما غادر الشخص المكان والزمان نفسيا، وقد يحاول المغادرة جسديا ايضا، فمن السعادة وعلاماتها ان تكون "هنا" و "الان"، وان توجه طاقاتك ووعيك للمكان والزمان الذي انت تعيش فيهما، وكما قال الحكماء، افضل طريقة للتحضير للمستقبل هي في توجيه طاقاتك ومجهودك لعمل اليوم،

د. ماجد عبدالعزيز عشي

الأحد، 4 يوليو 2010

تغييرات بسيطة لتحسين الصحة: أوضاع الجلوس



الطب السلوكي يقول ان كثيرا من الامراض الجسدية يمكن تجنبها او علاجها باذن الله اذا غير الانسان سلوكيات معينة، ومن هذه السلوكيات طريقة الجلوس او الوقوف او الحركة، فهذه الامور تؤثر على العمود الفقري وصحته، فهناك البعض ممن يجلسون بشكل معوج او منحني او متكئ على مسند او غيره، والجلوس بهذا الوضع فترات طويلة يؤثر على العمود الفقري، كما ان البعض يمشي منحني الرأس او بطريقة غير صحية تؤثر على الرقبة و على توزيع الوزن على القدمين مما قد يؤدي الى مشاكل على المدى البعيد، كما ان طريقة الجلوس والوقوف تؤثر على الاعضاء الداخلية وعملها، فمثلا الجلوس بشكل منحني للامام او في وضع متكئ يجعل الاعضاء الداخلية من معدة وامعاء وحتى القلب والشرايين والرئة في اوضاع غير طبيعية قد تعوق عملها بشكل صحي،


وينصح الاطباء بالجلوس بشكل صحي لتجنب الام الظهر، فمثلا لا بد من الجلوس على الكرسي مثلا مع وضع القدمين على الارض، بمعنى ان لا يكون الجلوس بشكل "التربع" او الجلوس على قدم او وضع قدم فوق الاخرى، فهذه الاوضاع تجعل الوزن اكثر على العمود الفقري، اما الجلوس والقدمين تلامسان الارض يجعل الوزن يتوزع على الظهر والقدمين والارض، والشكل اعلاه يظهر وضع الجلوس الصحي، والشكل ادناه يظهر الوضع الصحيح مقارنة بالاوضاع الغير صحية،



د. ماجد عبدالعزيز عشي

الاثنين، 19 أبريل 2010

جمال قول نعم

الحكماء تحدثوا منذ القدم عن اهمية قول "نعم"، الطفل يكتشف في مرحلة ما في الطفولة انه بامكانه قول "لا" وانه بذلك يمكنه الحصول على امور يريدها كما يمكنه تعريف نفسه وتوضيحها، فيقول "لا" اريد ان اكل هذا او البس ذاك، وعندها يصبح له شخصية متميزة عن الاخرين، فهذا الطفل يقول "لا" للمكرونة وذالك يقول "لا" للحليب واخر يقول "لا" للخضار وهكذا، فقول كلمة "لا" له اهميته في تكوين الشخصية وتوضيح الحدود والحصول على الاحتياجات، وكثير من الناس يعتبرون قول كلمة "لا" من علامات القوة، فالكبار يقولون "لا"، والاقوياء يقولون "لا"، ومن هم ذوي شخصية قوية يقولون "لا"، اما الضعفاء والتابعين فهم من يقولون "نعم"، اصبح قول "نعم" من علامات الضعف، اصبحت الموافقة مع الاخرين والسير معهم في الطريق من علامات ضعف الشخصية، والحقيقة ان قول "نعم" مهم جدا في حياة الناس افرادا وجماعات كقول "لا"،
"نعم" فيها الوئام بين الجماعة، فيها التعاون والمحبة، فيها التوافق والسلام، جميل جدا ان نقول "نعم" وان نوافق مع الاخرين، "نعم" فيها ثقة في الاخرين، تخيلوا لو ان الناس اصبحت تقول "نعم" اكثر من "لا"، ماذا سيكون الحال؟، كلمة "لا" هي كالدواء لها مكانها وزمانها ودورها، ولكن لا بد ان تقال بالكمية المعقولة والا زادت الجرعة واصبحت ضارة في حياة الناس، "نعم" هي كالغذاء لا بد من وجودها دائما في حياة الناس لتسير حياتهم، تخيلوا لو ان الازواج اصبحوا يقولون "نعم" اكثر لبعضهم، كثير من الناس يتسائلون عن اسباب استمرار الحياة الزوجية في الماضي، احد الاسباب ان الازواج والزوجات كانوا يقولون "نعم" اكثر من "لا"، تخيلوا لو ان الموظفين اكثروا من "نعم" في تعاملهم مع المراجعين، ولو ان الشعوب في العالم اكثرت من قول "نعم" لبعضها البعض،
قول "نعم" له معاني كبيرة وعميقة، هناك خوف من قول "نعم"، خوف من فقدان الاستقلالية والقوة والاحساس باننا كبار، "لا" تخلق صراعات، و"نعم" تخلق تعاون وسلام، الاقوياء يعرفون متى يقولون "نعم" ومتى يقولون "لا" ولكن لا يستخدمون "لا" الا عند الضرورة، الناضجون يقولون "نعم" ويحصلون على ما يريدون، كثير من الناس يقولون "لا" دون سبب واضح وليس بما يخدم مصالحهم او مصالح المجتمع، اكثروا من قول "نعم" وسترون كيف تكون حياتكم اجمل وفيها خير اكثر،
نعم.

د. ماجد عبدالعزيز عشي