لا بد أن نعرف أولا أن الكذب والخداع هي اشياء طبيعية، بمعنى انها موجودة في الطبيعة، فكثير من الحيوانات تخادع حتى تحصل على طعامها، فالحيوان المفترس يختبئ وراء الاشجار يتربص بفريسته وفجأة يهاجمها، والثعلب يدعي الموت، وكثير من الكائنات لها الوان تساعدها على الاختباء في البيئة المحيطة بها، فالجمل الاصفر لا يظهر عن بعد في الصحراء، والدب الابيض يختبئ في بيئة الثلج وهكذا، ولكن لماذا يكذب الانسان؟
هناك اسباب عديدة للكذب، ولكن لابد أن نعرف أن العديد من الاضطرابات النفسية تكون مصحوبة بالكذب وخصوصا اضطرابات الشخصية، فبعض الناس يكذبون كثيرا، واحيانا دون وجود ما يبرر هذا الكذب، وسوف اذكر هنا بعض اسباب الكذب،
1. الشخصية النرجسية:هذه الشخصية تحب المديح ومعجبة بنفسها وتحب الظهور وانتباه الناس، وتحب أن تظهر بأنها احسن من غيرها، فهي تكذب حتى تكون أجمل، فهي تبالغ في انجازاتها وتدعي امورا فقط للحصول على اعجاب الناس، فهي تحب أن تحمد بما لم تفعل، فالنجرسي كاذب وكذبه هو ما يغذي نرجسيته،
2. الشخصية المضادة للمجتمع:هذه الشخصية ليس لديها أخلاق، ولا يحركها غير مصالحها، فهي تكذب من أجل الحصول على ربح مادي او اهداف مصلحية أخرى، فهي الشخصية التي تخالف القانون وتبيع الاوهام للناس وتستغل ثقتهم، وهي كالحيوانات تتلون حسب البيئة التي حولها حتى تختبئ وتمارس اكاذيبها دون أن ينتبه الاخرون او هكذا تظن، فان كانت في بيئة متدينة ادعت التدين، وان كانت في بيئة "متحررة" ادعت التحرر، وهدفها هو فقط الحصول على ثقة الناس حتى يمكنها استغلالهم، فمن اسس النصب والاحتيال أن تحصل على ثقة الضحية أولا ومن ثم تنصب عليهم، فالكذب والخداع بالنسبة لهذه الشخصية هو من ادوات العمل، فالنجار يستخدم المنشار، وهذا الشخص يستخدم الكذب والخداع، وهؤلاء ليسوا فقط من المجرمين واللصوص بصورتهم المعتاد عليها في المجتمع، ولكن يكونون ايضا من الموظفين والمدراء واصحاب الاموال أحيانا، وهذا ما يسمى المجرمين اصحاب الياقات البيضاء،
3. الشخصية البوردرلاين:هذه الشخصية أكثر ما تخاف هو أن يهجرها من تحب، فان كانت متيقنة أن من تحب باق معها فأنها تراه افضل انسان في العالم، ولكن ان شعرت ولو للحظة أن هذا الشخص قد يتركها فأنها تنقلب للنقيض وترى هذا الانسان أسوأ شخص في العالم، وتفعل وتقول أشياء لجرح مشاعره وايذائه، وهدفها هو معاقبته على محاولة الترك او حتى على التفكير فيها، وفي أحيان كثيرة تكون هي متوهمة هذا الترك او الهجر، فمثلا قد تطلب أمرأة من زوجها أن لا يذهب للعمل والبقاء معها في البيت، ولكنه قد يعتذر نتيجة وجود مواعيد مسبقة، عندها قد تغضب وتبدأ في ايذائه، وبعد حين تهدأ وتندم على ما قالت او فعلت، فهذه الشخصية تكذب في مشاعرها، فهي قد تدعي أنها لا تحب انسان مع انها تحبه، وتدعي انها تحب اخر لجرح من تحب حقا، وتدعي أشياء كثيرة هدفها التحكم في الشخص الذي تحب والتحكم في تفكيره عنها، فمهم جدا عندها أن تتحكم في الصورة التي لدى الناس عنها، وهي تشترك في ذلك مع الشخصيات السابقة، فهي تكذب كثيرا في مشاعرها وتحاول تخفي مدى حبها لانسان ما وذلك خوفا أن تحب وثم يهجرها، فهذه الشخصية تكذب للتحكم في الناس الذين تحبهم وتخاف أن يتركوها، ومع الاسف قد تتصرف هذه الشخصية بشكل هوجائي ومدفوعة بمشاعر لحظية، فتأخذ قرارات قد تندم عليها لاحقا، وتكون هذه القرارات مدفوعة بمحاولاتها تجنب الاحساس بمشاعرها الحقيقية من خوف وقلق واكتئاب وغضب، فالكذب هنا هو اسلوبها للتعامل مع مشاعرها، فهي تكذب حتى لا تشعر، وتكذب حتى تظهر الشخص الاخر على أنه احسن الناس امام الاخرين وقت الرضى، واسوأهم وقت الغضب،
4. الشخصية القهرية:هذه الشخصية لا تكذب من أجل التحكم في الناس ولكنها تكذب من أجل التحكم في نفسها وحياتها، الاستقلالية مهمة عند هذه الشخصية، فهي تكذب للحفاظ على هذه الاستقلالية، يعني كأن كذبها يقول: "هذا مو شغلك، ايش دخلك، مو مهم تعرف، ومو لازم اقولك الحقيقة"، فهي مدفوعة اكثر ما يكون برغبة قوية في الاستقلال، وعادة ما تكون هذه الشخصية آتية من اسرة تتحكم فيها كثيرا، فعندها يكون الكذب هو الطريق الوحيد للحرية من هذا التحكم، وهي الى حد ما تشعر بالسعادة نتيجة هذه الحرية السرية، وهي قد تشعر بنشوة تعالي وانتقام، التعالي على الاخرين لانها "تعلم ما لا يعلمون" عن نفسها، وكأنها تقول: "أنتم الاغبياء، تظنون أنكم تتحكمون في، أنا افعل ما أريد وراء ظهوركم، بل وأمام اعينكم أيها المغفلين وأنتم لا تعلمون الحقيقة"، فهذه الشخصية مثلا قد تتحدث في الهاتف الى رجل امام اهلها او اخرين ترى انهم يحاولون التحكم فيها ولكنها تدعي أنه فتاة صديقتها، فهذه الشخصية تشعر بالحرية والعلوية والانتقام من تحكم الاخرين فيها، وهي لا ترى أن الاخرين يستحقون معرفة حقيقتها وحقيقة حياتها، وذلك حفاظا على استقلاليتها، وأحيانا تأخذ هذه الشخصية قرارات مفاجأة في حياتها، وتبدو سريعة لدى الاخرين، وهدفها هو "اختبار" و "اثبات" استقلاليتها وحريتها، فهذه الشخصية تكذب لتبني توقعات معينة لدى الناس، وعندما تتأكد أن الاخرين "عاشوا" وصدقوا هذه التوقعات فانها عندها تأخذ قرارات مفاجأة ومعاكسة لتلك التوقعات التي خلقتها وليس لها هدف سوى اثبات حريتها واستقلاليتها، فهي كمن يقود سيارة ويلف يمنة ويسرة بشكل مفاجئ ودون أسباب واضحة للاخرين،
وبالطبع هناك من يكذب نتيجة خوف من عقاب او لاخفاء شيئ او للحصول على شيئ او مجاملة وما الى ذلك، وفي كل الحالات يهدف الكذب الى خلق انطباعات لدى الاخرين تكون غير حقيقية، وقد يتصرف الاخرون بناء على هذه الانطباعات والمعلومات الغير صحيحة، وهذا ما يسمى بالخداع، فالكذب هو أخفاء الحقيقة أو اعطاء الاخرين معلومات وانطباعات خاطئة ولا تمثل الواقع، فالكذب هو الكذب ولكن الدوافع تختلف،
ولكن هل تعلمون ما هو عكس الكذب؟
العقل،
الكذب هو نوع من انواع الجنون، ولكنه الى حد ما اختياري،
وما الجنون غير الانفصال عن الواقع والعيش في أوهام!
وما أخطر أن تحب كذبة أكثر من حبك للواقع والحقيقة!
فاما ان تكون عاقلا او كاذبا
د. ماجد عشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق