الأربعاء، 8 أغسطس 2012

الالزهايمر

الالزهايمر هو من الامراض التي تصيب بعض الناس مع تقدم العمر، ويصيب حوالي اكثر من نصف الناس بعد سن التسعين، وقد تبدأ الاعراض بشكل تدريجي في السبعين واحيانا حتى في الخمسين من العمر، ومن اكثر اعراضه وضوحا اضطراب الذاكرة، بحيث يبدأ الشخص في عدم القدرة على تخزين الذكريات، بمعنى انه قد تمر به امور وينساها سريعا ولا يخزنها في الذاكرة طويلة المدى، فقد يضع الشخص شيئا في مكان ما وينسى ذلك تماما ويظن ان احدا اخذه، وقد يقابل انسانا وبعد قليل ينسى انه قابله، ويتكرر ذلك كثيرا، ومع تطور المرض تبدأ ذكريات اخرى في المحو، ومع الوقت قد ينسى الشخص اولاده وزوجه وينسى ماضيه وحياته، وقد ينسى اللغة فلا يعرف الكلمات او اسماء الاشياء، وقد ينسى كيف يأكل او كيف يستحم او كيف يمسك بالملعقة، وقد ينسى ان كان قد اكل او لا، وهذه حالات متقدمة من المرض، وفي مثل هذه الحالات يصبح الشخص معتمدا كليا على الاخرين وقد يشكل المرض خطرا على حياته

اسباب المرض عديدة، فقد وجدت الدراسات بعد فحص مخ المصابين بعد وفاتهم ان هناك ترسبات كبيرة لمواد معينة حول الخلايا العصبية، وهناك نظريات مختلفة عن الاسباب العصبية ولكن كلها تدور حول تغيرات في الاعصاب في المخ وفي البيئة المحيطة بالاعصاب، وقد وجد العلماء ان الاستمرار في النشاط الجسماني والفكري والاجتماعي يساعد على مقاومة هذا المرض، فالمشي والحركة والعمل يؤثروا في الجسم ايجابيا، كما ان حل الكلمات المتقاطعة او حفظ امور ما او التفكير في اشياء تتطلب نشاطا فكريا يساعد في الوقاية، كما ان النشاط الاجتماعي وعدم الانعزالية لها اثار ايجابية ايضا، وقد وجد الباحثون دورا مهما للتغذية السليمة مع الاكثار من الخضار والفواكه والاقلال من اللحوم والدهون والنشويات

ولا يوجد علاج اليوم لهذا المرض ان بدأ، وان كان هناك ادوية تقلل او تبطء من الاعراض وتساعد في التحكم بشكل ما فيها، والعلاج السلوكي والنفسي قد يساعد في تعليم المريض بعض السلوكيات التي تساعده في مواجهة الاعراض، كما ان العلاج النفسي قد يساعد في تجهيز المريض نفسيا، والعلاج الاسري مهم ايضا بحيث يساعد اهل المريض في التعامل مع الاعراض والالم النفسي الذي قد يعانوه لمشاهدة الحبيب ينساهم وفي حالة صعبة خصوصا مع تقدم العمر، وقد يكون هذا المرض مصحوبا عند بعض المرضى بتغيرات كبيرة في الشخصية او المزاج، فقد يصبح الشخص عدوانيا او شكاكا او عنيفا او مكتئبا، وقد يخرج المريض من البيت وينسى كيف يمكنه العودة او ينسى انه يسكن في بيت ما تماما، وقد يكون المريض عرضة للاستغلال المادي حيث انه قد ينسى ان اعطى مالا لأحد او ان له حساب في البنك وما الى ذلك، وهذا يجعل المريض واهله في معاناة، والتعامل مع هذا المرض وتبعاته يحتاج الى تعاون طبي ونفسي واسري وديني وحكومي وغير حكومي يوفر للمريض واهله الدعم المعنوي والطبي والمادي والاجتماعي

وبالطبع قد يسبب هذا الوضع ضغطا ماديا على بعض الاسر نتيجة التكلفة او ضغطا معنويا نتيجة حاجة المريض للمتابعة اربع وعشرين ساعة وخصوصا في الحالات المتقدمة من المرض، واليوم الناس ممن في سن الخمسين والستين عليهم رعاية من هم اكبر منهم من اهلهم كما عليهم رعاية الشباب نتيجة البطالة والازمات الاقتصادية، فالضغط على هذه الشريحة العمرية في المجتمع كبير، فلا بد من انشاء تنظيمات اجتماعية تساعد الاهالي في رعاية المرضى من اسرهم، ومن هذه التنظيمات الموجودة الان التشجيع على الرعاية الطبية المنزلية بحيث يقوم الطبيب والممرضات بزيارات دورية للمرضى التابعين للمركز الصحي في الحي او القرية، كما يمكن انشاء مراكز متخصصة لرعاية مرضى الالزهايمر وانشاء اندية ونشاطات لهم ولكبار السن عموما تساعدهم على النشاط الفكري والجسدي والاجتماعي

واختم بهذه القصة التي قرأتها قبل سنوات، كان هناك رجل يزور امه واباه المرضى بالالزهايمر في البيت يوميا، ويقوم باطعامهم وتحميمهم والتحدث اليهم مع انهم لم يكونوا يعرفونه، فقد نسوه،  فسأله يوما صديق وقال له: لماذا تزور والديك يوميا وترعاهم وتحادثهم مع انهم لا يعرفونك ولا يقدرون ما تفعل وينسونه، فرد عليه: ان كانوا لا يعرفونني ولا يقدرون وينسون ما افعل فانني اعرفهم واقدر واذكر لهم ما فعلوا طوال حياتي من خير 

د. ماجد عبدالعزيز عشي 

الجمعة، 3 أغسطس 2012

المقياس والغرور

هناك بعض الناس الذين يأخذون من انفسهم مقياسا يقيسون به كل الناس، ففي رأي انفسهم "هم" ما يجب ان يكون عليه كل الناس، وينتقدون أي شخص مختلف عنهم، ومن اكبر المآسي التي يعاني منها البعض هي عدم القدرة على تقييم ونقد الذات بشكل موضوعي، ليس عندهم القدرة على التمعن في سلوكياتهم ومعرفة دوافعهم وتحليل اخطائهم، تجد طاقاتهم موجهة لتقييم الاخرين ونقدهم وتصحيحهم ويرفضون مجرد التفكير في انفسهم ومراجعتها وتصحيح انفسهم، وهذا الاسلوب يجعلهم يستمرون في الخطأ دون وعي بأنفسهم،

التغير في الحياة حقيقة موجودة، كل الاشياء في الانسان ومن حوله تتغير، وحتى يستطيع الانسان الاستمرار في الحياة فعليه ان يتعلم كيف يتكيف مع متغيرات الحياة، الانسان يكبر ويهرم وعليه التكيف مع ذلك، والحياة فيها من المصائب والحروب والكوارث والجرائم الكثير وعلى الانسان ان يتكيف، والامراض تأتي وتذهب والاطفال يكبرون والوضع المالي يتغير والاحباء يذهبون وعلى الانسان ان يتكيف، التغير حقيقة والتكيف مع المتغيرات هو الحل، ولكن ما هو التكيف؟

التكيف ليس ان يقبل الانسان الامور بسلبية ولكن ان يتأقلم ويتغير مع الاحداث في سلوكه وفكره وحياته، اذا كان هناك عواصف فعليه الذهاب الى مكان آمن، عليه تغيير سلوكه بما يناسب الظروف، القدرة على التكيف والتأقلم تتطلب وعي بمجريات الحياة والنفس وقدرة على التعلم وتصحيح السلوك، تتطلب شيئ من المرونة، تتطلب ان يراجع الانسان نفسه ويجعل اهدافه اكثر واقعية واستراتيجيته اكثر تحقيقا لاهدافه، ولكن الشخص الذي يأخذ من نفسه مقياسا يقاوم تعديل نفسه، ففي رأي نفسه هو الكامل المكمل وعلى الاخرين السير في خطاه والاخذ برأيه، فالناس يجب ان يكونوا نسخة منه، وكأنه ينظر في المرآة، هذه هي نهاية القدرة على التعلم، نهاية النمو، الشخص المغرور لا يتعلم شيئا ولا يرى داع للتغير، لماذا عليه ان يتعلم؟ فهو كامل كما هو وعلى الناس ان يتغيروا ليكونوا مثله! عندما تقابل مثل هذا الشخص تجده يبدأ في انتقادك والتركيز على ما يعتقد انه نواقصك، وفي الحقيقة هو في اعماقه يقارن نفسه بك، وما يجده مختلفا فيك عنه سيكون في نظره من النواقص التي عليك تصحيحها!

في الحقيقة لم أجد في حياتي وبعد مقابلة الاف الناس ابشع من وجه الانسان المغرور ولا اسوأ من اخلاقه، ولا اكثر جهلا منه، الغرور هو اساس كل الرذائل، ومصدر اكثر الشرور، الغرور يأخذ اشكالا مختلفة، منها التكبر و "شوفة النفس"، ومنها عدم مراعاة مشاعر الاخرين والتعدي عليهم، ومنها الظلم وعدم الاهتمام بالعدل، وعدم المبالاة، والمغرور كالجائع الذي يبحث دائما عن غذاء لغروره من اهتمام ومديح وانتباه وتقدير، ولكنه كمن يجري وراء سراب لا يرتوي عطشه ولا يشبع مهما شرب اهتماما ومهما اكل مديحا، فهناك ثقب في نفسه وفراغ، وسبب هذا الثقب والفراغ هو انه نسي انه مجرد انسان عابر في هذه الحياة، نسي نفسه ومكانه في هذا الكون،

ما اخطر الغرور على صاحبه، يقوده الى المهالك، ويسبب له اخطاء فكرية تضخم له قدراته وتحقر من قدرات الاخرين فيأخذ قرارات خاطئة تقوده الى الخسارة، هو نوع من الجنون عندما يفقد الانسان القدرة على معرفة حجم نفسه وحقيقة الاخرين من حوله ومكانتهم،


د. ماجد عبدالعزيز عشي