الأحد، 30 نوفمبر 2008

ما هي اضطرابات الشخصية؟


ما هي اضطرابات الشخصية؟

هناك نوع من الاضطرابات النفسية يسميها علماء النفس والاطباء النفسيين اضطرابات الشخصية، وتتميز هذه الاضطرابات بوجود صفات في الشخصية تكون مبالغ فيها بشكل قد يؤدي الى مشاكل للشخص، فالشخص في هذه الحالة قد يكون يعمل بشكل طبيعي وناجح في حياته وقد يكون حتى محل اعجاب ولكنه في حقيقة الامر يعاني اضطراب في الشخصية، فهذه ليست حالات اضطراب عاطفي مؤقت ولكن خلل في تكوين الشخصية ذاتها في جانب او اكثر، وان جاء من يحاول اظهار جانب الخلل للشخص نجد رده غالبا: "هذا انا"، وهو محق، فهذه هي شخصيته والمشكلة ليست في سلوك محدد ولكن في صفات في الشخصية، ومن اصعب الامور تغيير شخصية انسان، من السهل ان تغير سلوك او فكرة او عاطفة ولكن يصعب تغيير الشخصية او صفات فيها، فكلنا لدينا صفات يمكننا تغييرها من نرجسيه او اعتمادية او شك، وكثيرا ما تكون هذه الصفات مفيدة لنا ان كانت في حدود مقبولة، فحب الذات يجعلنا نطلب الخير لها، والشك في حدود يجعلنا نحمي انفسنا، والاعتماد على الاخرين ضروري احيانا في العلاقات، ولكن قد تزيد هذه الصفات عن الحد وتبدأ في خلق مشاكل للشخص وللاخرين، وتصبح هذه الصفات مميزة للشخص ويمكن للاخرين رؤيتها فيه بوضوح، ونحن هنا لا نتحدث عن فروق في الشخصية وانما عن مبالغة في نمو صفات الى حد يسبب عراقيل للشخص او الاخرين في حياتهم، وحدد المختصون عشر انواع من اضطرابات الشخصية وهي باختصار:

1. اضطراب الشخصية البارانويد او الشكاكة، وتتميز هذه الشخصية بالشك وعدم الثقة في الاخرين وفي نياتهم، وتبدأ هذه الصفات في بداية الشباب وتستمر مع الشخص في حياته، فهذه ميول في الشخصية وليست حالات انفصام عن الواقع كما يحدث مع من يعتقد ان الناس تريد قتله او ان مخلوقات من الفضاء تريد خطفه، بالطبع الامر درجات ولكن في اضطرابات الشخصية يكون الخلل عموما في ميول الشخصية للتعامل مع الامور، وايضا من صفات هذا الاضطراب ان يشك الشخص في الناس دون دليل، والظن بان الاخرين يستغلونه ويعملون على ايذائه وخداعه، كما يكون شاكا في ولاء الاصدقاء وزملاء العمل، ولا يفشي سره لاحد خوفا من ان يستخدمه ذلك الشخص ضده، كما يفسر الكثير من سلوكيات الغير على انها مقصودة لتوجيه الاهانة او التهديد له شخصيا، ويحمل في نفسه الكثير من الغضب ولا يسامح الاخرين، كما يرى انتقادات وهجمات على شخصه وسمعته بينما لا يرى الاخرون ما يرى، ويكثر الشك في شريك حياته دون ادلة فعلية ويكون متأكد دون اثبات .

2. اضطراب الشخصية الاسكيزويد او الانعزالية، وتتميز هذه الشخصية بالانعزالية عن المجتمع وعدم الرغبة بل وعدم الاستمتاع بالعلاقات مع الناس، ويميل الى الوحدة والقيام بالنشاطات وحيدا، وليس له رغبة في ممارسة الجنس مع شخص اخر، وليس له اصدقاء او معارف غير العائلة، كما لا يعبر عن مشاعره ولا يظهر ردود فعل للذم او المديح، فلا يهمه رأي الناس، ويميل للبرود العاطفي، فهذه شخصية غير اجتماعية .

3. الشخصية الاسكيزوتيبال او الغريبة، تتميز هذه الشخصيه بالسلوك او التفكير او الانفعالات الغريبة التي لا تتماشى مع تقاليد المجتمع، كغرابة الملبس او لون الشعر او التصرفات، وقد يهتم هذا الشخص بامور غريبة كموضوع سكان الفضاء او الحاسة السادسة او التخاطب عن بعد او امور غيبية ودينية كالارواح او الموت والبعث وكيفيته، ولا يكون الاهتمام كحب استطلاع بل اهتمام يشغل كثيرا من الوقت والتفكير، وقد يمر الشخص في هذه الحالة بتجارب يصفها للناس ويجدونها غريبة، كأن يحدثهم ان يده كبرت فجأة او انه يحس انه خفيف الوزن وغيره، ويستخدم الكثير من الرموز والامثلة والامثال في كلامه، فبدل ان يقول ان طفله الرابع ولد بالامس، يقول ان النجمة الرابعة برقت في السماء او ان العقد اكتمل وما شابه ذلك، وتكون ردوده العاطفية محدودة وقليل الاصدقاء، ويميل الى القلق من مواجهة الناس، ومثال على ذلك بعض الفنانين المشهورين .

4. الشخصية الانتيسوشيال او المعادية للمجتمع، وتتميز هذه الشخصية منذ حوالي سن الخامسة عشرة بعدم احترام حقوق الاخرين والانظمة والقوانين، فلا تتبع التقاليد او القانون مما يجعلها عرضة للقبض عليها تكرارا من قبل الشرطة، ويميل الشخص للخداع والكذب واستغلال الاخرين لمصلحته او متعته، وهو ايضا غير قادر على التخطيط لحياته بشكل ايجابي ويميل بعمل امور دون تفكير وتروي، ويدخل في معارك ومضاربات متكررة، ويسوق السيارة بسرعة ويقوم باعمال تعرضه والاخرين للخطر، وليس لديه احساس بالمسؤولية وغير قادر على الحفاظ على عمل او القيام بالتزاماته المادية والاجتماعية، وليس لديه احساس بالندن على افعاله، وعادة ما تبدأ المشاكل من الطفولة على هيئة اضطرابات سلوكية مثل العنف نحو الاطفال الاخرين او ايذاء الحيوانات او السرقة.

5. اضطراب الشخصية البوردرلاين، ينتشر هذا الاضطراب في الشخصية اكثر بين النساء، ويتميز بعدم الاستقرار في العلاقات وفي العواطف وفي رؤية الذات، فرؤية الشخص للناس تنتقل من نقيض الى آخر حسب اشباعهم لاحتياجاته وعدم هجرهم له، فان اشبعوا احتياجاته فهم اخيار وملائكة ويحبهم ويكون طريقة تعامله: "أنا وانت ضد العالم"، اما ان لم يشبعوا احتياجاته او شعر او ظن انهم سيتركونه او انهم مشغولون عنه فيغضب ويصبحوا في نظره شياطين ويؤذيهم بكلام جارح جدا او حتى عمليا ويتعامل معهم وكأنه يقول: "لا أحد يحبك، انت سيئ، وانا والعالم ضدك"، ثم يندم على ما قال او فعل، فيكون اسلوبه في العلاقات كمن يقول: "انت سيئ، انا اكرهك، ارجوك لا تتركني، سأضر نفسي او اضرك ان تركتني"، بالطبع هذا الاسلوب يخلق مشاكل في العلاقات وعدم استقرار ويجرح الاخرين، كما يكون عند هذه الشخصية عدم استقرار في رؤيتها لنفسها، فأحيانا ترى نفسها اجمل الجميلات وافضل الناس واحيانا ترى نفسها على النقيض، فرؤية النفس مضطربة وبناء على هذه الرؤية يكون السلوك المتناقض والمضطرب، وتتميز ايضا بسلوكيات تكون هوجاء احيانا وفيها مخاطرة، وقد يظهر هذا في سلوكيات جنسية متهورة او تبذير مال وشراء اشياء لا داعي لها او استخدام مخدرات او سرعة في قيادة السيارة او اكل بشراهة، واحيانا تقوم هذه الشخصية بمحاولات انتحار او التهديد بذلك ان تركها الاخرون او لم يطيعوها وقد تقوم بجرح الجسم باستخدام ادوات حادة كالسكين بقصد ايلام النفس دون الانتحار، والبطبع احيانا تكون الجروح غائرة وخطرة، وغالبا ما يكون ذلك في الساعد، وتشعر هذه الشخصية بالفراغ العاطفي والتعب والاجهاد المستمرين، وتجد صعوبة في التحكم في غضبها ويكون الغضب شديدا وخارج عن الحد، وتميل ايضا الى الشك في الاخرين ونواياهم.

6. الشخصية الهستيرية، وينتشر هذه الاضطراب بين النساء اكثر من الرجال، وتميل هذه الشخصية الى حب جلب الانتباه بكل الطرق، فهي لا تشعر بالراحة ان لم تكن مركز الانتباه والاهتمام في كل وضع، وقد تلجأ الى اساليب غير سليمة لجلب الانتباه مثل الاغراء الجنسي او القيام بافعال مفاجئة للناس لجلب الانتباه، ومع الاسف هناك فنانات عالميات يعانين من مثل هذه الاضطرابات التي لا تخفى على المختصين ويعجب بهن الشابات ويقلدهن وهن لا يعلمن ان هذه السلوكيات ما هي غير نواتج اضطرابات في الشخصية، وان هاتي الفنانات يعشن معاناة نفسية عميقة تخفى عن عيون المشاهدين، وتتميز هذه الشخصية ايضا باستخدام الملابس والجسد لجلب الانتباه، ويكون تعبيرها العاطفي سطحي ومبالغ فيه، وكلامها يهدف كله للتأثير في الناس، فكأن الشخص على مسرح يمثل امام الجمهور، ويكون من السهل السيطرة على هذه الشخصية واستغلالها لحبها للاهتمام والاعجاب، كما تميل الى تقييم العلاقات بشكل خاطئ وتحسبها علاقات حميمة مع انها لبست كذلك .

7. الشخصية النرجسية، وتتميز هذه الشخصية بالاعجاب بالنفس والاحساس بالعظمة والاحتياج الشديد للمديح والتبجيل، كما تفتقد الى التعاطف مع الناس، ويبالغ هذا الشخص في تقييم انجازاته ومواهبه وجماله دون وجه حق، فهو الافضل في نظر نفسه، ويظهر التواضع حتى تكتمل صورة العظيم المتواضع، وتكون لدى هذه الشخصية احلام يقظة تكون فيها مركز الاعجاب والحب لدرجة مبالغ فيها، وتعتقد انها مميزة ولكن لا احد يفهمها او يقدرها، ولا بد ان تختلط فقط مع العظماء امثالها الذين يقدرونها ويفهمونها، فما الناس بالنسبة لهذه الشخصية غير مصدر للمديح والتبجيل او مصدر للعار، فان توقف الشخص عن المديح فلا داع منه ويكون محظوظا ان انتهت العلاقة دون ايذائه، فالناس لهذه الشخصية ليسو سوى اشياء مثل السيارة او الحذاء، يتم استخدامهم الى حين ومن ثم التخلص منهم، كما يعتقدون ان الاخرين يغارون منهم، ويتصرفون بغرور مع الناس .

8. الشخصية الانطوائية، وتتميز بالاحساس بالنقص وتجنب الناس والحساسية للانتقاد، فتتجنب الاعمال والمواقف التي قد تعرضها للاختلاط بالناس خوفا من الانتقاد، وفقد تختلط مع الناس ان باكدت من حبهم لها، ولا تدخل في علاقات حميمة خوفا من الخزي او الاستهزاء بها، وترى نفسها على انها غير جذابة واقل من الناس وغير ناجحة اجتماعيا .

9. الشخصية الاعتمادية، وتتميل هذه الشخصية للاعتماد على الاخرين والحاجة الشديدة للرعاية مما يجعلها تميل للخضوع والخوف من ان يتركها الشخص الذي يعتني بها، وتجد صعوبة في اتخاذ القرارات اليومية العادية دون طلب الكثير من النصح والتشجيع من الاخرين، وتحب ان يتولى الاخرون المسؤوليات في اغلب امورها، وتجد صعوبة في التعبير عن اختلافها في الرأي خوفا من فقدان دعمهم، كما تجد صعوبة في ان تبدأ اعمال او مشاريع وحدها لضعف الثقة في النفس، وقد تتبرع بالقيام باعمال غير محببة لها من اجل الحصول على تقبل ودعم الاخرين، وتشعر بعدم الراحة والعجز ان كانت وحيدة، ولا يمكنها البقاء دون علاقات، فتدخل في علاقات سريعا خوفا ان تبقى وحدها، ودائما مشغولة قلقة تفكر في عواقب بعد الاخرين عنها .

10. الشخصية ذات الوسواس القهري، تميل هذه الشخصية للاهتمام المبالغ فيه بالترتيب والنظافه والكمال وان تكون متحكمة في العلاقات وحتى في تفكير الناس عنها، فتفتقد للمرونة والعفوية في التعامل، فهي تنشغل بالتفاصيل والانظمة وعمل جداول للمواعيد وغيرها، ولا يمكنها انهاء اي عمل وذلك لرغبتها ان يكون العمل كاملا دون عيوب، فتراجع العمل كثيرا ولا تستطيع التقدم فيه، وتعطي كل وقتها للعمل على حساب الاسرة والنشاطات الاجتماعية، وتبالغ في الالتزام الاخلاقي واتباع المبادئ بشكل لا يمكن تبريره بالالتزام الديني، بمعنى ان هذه الشخصية لا يعجبها حتى اهل الدين وترى فيهم عيوب ونواقص، فهي تطلب وتتوقع الكمال الذي لا يكون لبشر، فتكون متصلبة في المبادئ بشكل غير مقبول دينيا او اجتماعيا، ولا تدخل في علاقات عمل الا بعد ان تتأكد انها المسيطرة وان الاخرون سيفعلون ما تراه، وتميل للبخل الشديد، والعناد وعدم العطاء .

د. ماجد عشي

ليست هناك تعليقات: