السبت، 17 ديسمبر 2011

القدرة على التخيل ونتائجها التعليمية والصحية

وجدت الدراسات الحديثة ان عدم قدرة الاطفال على تهجي الكلمات لها علاقة بعدم قدرتهم على التخيل، فمثلا اذا سألتك ان تتهجى كلمة "سعد"، فانك سوف تتخيل كلمة "سعد" في عقلك ومن ثم ستقوم باخباري عن حروفها، ولأثبات ذلك يقوم الباحثون بالطلب من الشخص ان يتهجى الكلمة بالعكس، هنا ستقوم بتخيل كلمة "سعد" ومن ثم تقوم باخباري بأن الحروف هي د، ع، س، حاول ان تتهجى الان كلمة "استحضار" دون النظر الى الكمبيوتر، ستجد ان الكلمة في خيالك، وحاول تهجي الكلمة بالعكس، ستجد انك سوف تتخيلها اثناء عملية التهجي، اذا الخيال يلعب دورا في تهجي الكلمات،

وقد وجد الباحثون ان الاطفال الذين يجدون صعوبة في التهجي لديهم صعوبة في عملية التخيل هذه، فالقدرة على التخيل لها دور كبير في التعلم عند الاطفال وحبهم للعلم وحتى في قدرتهم على الاكتشاف العلمي في المستقبل، فكل الاختراعات والاكتشافات كانت في البداية في خيال المكتشف او العالم، ومن ثم تم وضعها في الواقع، فالمدارس والمعلمون لا بد من ان يشجعوا قدرة التخيل عند الاطفال من خلال القصص والفنون الجميلة والتفكير والخيال العلمي،

والقدرة على التخيل لها علاقة ايضا بالقدرة على حل المشاكل، فالشخص يفكر ويتخيل كل الحلول الممكنة ومن ثم يقرر ما عليه عمله، بعض الناس لا يمكنها تخيل السناريوهات المختلفة وعواقبها، وينتج عن ذلك اختيارات قد لا تكون الافضل، والجسم ايضا له ردة فعل للخيال، فمثلا لو جلس الشخص واخذ يتخيل انه في معركة او خصام مع شخص اخر فان جسمه سينفعل لذلك وتزيد دقات قلبه وقد يرتفع عنده الضغط، بينما لو جلس الشخص وتخيل انه في مكان جميل والطبيعة الرائعة تحيط به فان جسمه سيشعر بالاسترخاء، اذا الخيال له دور حتى في الصحة الجسمية والنفسية، وكثير من الامراض النفسية لها اعراض في خيال الشخص، فالمكتئب يتخيل الامور بتشاؤم، والقلق يتخيل خطر قد لا يكون موجودا، وهكذا،

القدرة على التخيل لعبت دورا في تقدم البشر وسعادتهم، كما لعبت دورا في معاناتهم، وحتى الحب يلعب التخيل دورا فيه، ومن المهم ان يولي الاهل والمربون اهتماما كبيرا بتنمية القدرة الصحية على التخيل عند الناس حتى يتطور المجتمع ويرقى وتزيد السعادة بين الناس،

د. ماجد عبدالعزيز عشي

الأحد، 27 نوفمبر 2011

الصراحة المفقودة

بعض الناس نتيجة ضغوط اجتماعية يفتقدون الى الصراحة، فعلاقاتهم لا تقوم على الصراحة والوضوح، لا الصراحة في الغضب ولا الصراحة في الحب ولا الصراحة في الرأي ولا الصراحة في حقيقة مشاعرهم وافكارهم، وفي اغلب الاحيان يكون ذلك نتيجة حضارة معينة وتقاليد واوضاع تجبر الشخص على اخفاء حقيقته حتى "يمشي نفسه" في الحياة وحتى لا يسبب مشاكل، فاخفاء المشاعر والاراء الحقيقية يهدف الى ان يستمر الوضع كما هو، وان لا يحدث تصادم او احتكاك،

ولكن في غالبية الاحيان ما يحدث هو ان مشاعر عدم الرضا تتراكم في داخل الشخص وفي لحظة ينفجر وتنطلق من داخله كل مشاعره الحقيقية واراءه المخفية، عندها يكون صريحا، ولكن مع الاسف بعض الناس لا يكونون صريحين الا في مثل هذه الاوضاع، بمعنى انهم لا يقولون بصراحة ما يشعرون او يفكرون الا عندما يفقدون السيطرة على انفسهم، فتصبح الصراحة هنا ناتجة عن غضب متراكم وكأنها عقاب للشخص الاخر، عندها يقف الشخص الاخر مشدوها متفاجئا ويفكر: "هذه هي حقيقة مشاعرك وافكارك عني؟ لماذا لم تخبرني؟ لماذا خدعتني وجعلتني اعطيك حبي ظانا انك تحبني وفي الحقيقة انت تفكر في هكذا؟"،

في حقيقة الامر كل انسان عنده اراء مختلفة في الشخص الاخر، هناك اشياء نحبها في انسان ونعجب بها وهناك اشياء لا تعجبنا او لا نوافق عليها او تغضبنا في الشخص الاخر، العلاقة السليمة لا بد ان تسمح بالصراحة المتبادلة، ولا بد ان تجعل الشخصين يشعرون بالامان للتعبير عن مشاعرهم وافكارهم بحرية لبعضهم البعض، وكيف يحدث ذلك؟ عندما نثق بان الشخص الاخر يحبنا وان اخطائنا حتى لو تحدث لنا عنها لا تعني انه يكرهنا، هو فقط يريد ان ينبهنا اليها ويدعونا الى تصحيحها، عندها تصبح الصراحة المتبادلة نوع من انواع الحب وليست تعبير ناتج عن غضب او رغبة في الانتقام والايذاء، العلاقة ليست "انا احبك او انا اكرهك"، والعلاقة ليست ضغط على النفس الى درجة الانفجار او الكذب او عدم الوضوح حفاظا على الوضع القائم وخوفا من عمل مشاكل، يمكن للشخص ان يعبر عن رأيه ومشاعره باسلوب يكفل تغيير الوضع القائم في حياته، في بعض المجتمعات لا يتغير شيئ الا اذا وصل الامر الى حالة الازمة والانفجار، وعادة يكون التغير مؤقتا لتهدأة الوضع ومن ثم العودة الى العادات القديمة وربما بشكل اكبر، الصراحة البناءة تهدف الى المشاركة بالرأي بما فيه الخير ودون هدم ما تم بناءه من محبة وثقة،

و العلاقة السليمة تتطلب ان لا يعيش الشخص حياته بازدواجية وباكثر من وجه، الشخص الذي يعيش حياته باكثر من وجه يحاول دوما ابعاد الناس الذين يعرفهم عن بعضهم البعض وذلك حتى لا ينكشف امره ويعرف هؤلاء الاشخاص تناقضاته واكاذيبه ان تحدثوا لبعضهم البعض عنه وعن سلوكه، ولكن لماذا يعيش بعض الناس باكثر من وجه؟

لان هذا هو الاسلوب الذي تعلموه كأطفال للتأقلم مع واقعهم الاسري والاجتماعي، فهم "يعطون كل شخص ما يعتقدون ان الشخص يريد ان يراه"، هذا الاسلوب الذي تعلموه كأطفال لمواجهة صعاب الحياة، ولم يكن بيدهم حل اخر، ولكن الثمن غالي، فهم يتغيرون حسب الموقف والناس، وقد ينسون حقيقة انفسهم نتيجة كثرة التغير، ويشعرون بفراغ عاطفي كبير وربما نوع من الاكتئاب، فهم فقدوا مشاعرهم اثناء التغير المستمر ومحاولاتهم ارضاء الناس، محاولتهم ليكونوا غير انفسهم او اجزاء فقط منها، وقد يشعرون ايضا بغضب شديد نحو الناس لان هؤلاء الناس هم من دفعوهم لمحاولة الارضاء وفقدان انفسهم وما ومن يحبون في حياتهم، فيا خسارة من يعيش حياته محاولا ان يرضي الناس! كأنه يمثل دورا مكتوبا طوال حياته وينتظر التصفيق في اخر المشهد! ربما سيصفقون لك ولكنك ستعود الى بيتك وتدخل غرفتك وتغلق بابك وتبكي لأنك تعلم انهم لم يروك على حقيقتك، ولم يصفقوا لك، وانما صفقوا لقدرتك على ان لا تكون نفسك، كلما ابتعد الانسان عن حقيقته وفطرته ولبس اقنعة كلما زاد احتمال الشر،

طريق الخلاص هي ان تجد الناس الذين يحبونك فعلا، الناس الصادقين الذين لا يمثلون، الناس الذين يحثونك على ان تكون نفسك، وتتعلم من اخطائك وتنمو بالتدريج، يحبونك وقد يختلفون معك، عندها يمكنك وضع القناع جانبا، وترى كم انت جميلا حقا في عيون من يحبونك، عندها يمكنك ان تبكي امامهم وتحكي لهم ما الذي جعلك تلبس القناع، وكم كان مؤلما لبس القناع،




د. ماجد عبدالعزيز عشي

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الغيرة والحسد وتكلفتهم الاقتصادية

الغيرة من نجاح او سعادة الاخرين وحسدهم لهم تكلفة اقتصادية كبيرة، واذا اراد المجتمع تحسين وضعه الاقتصادي فلابد من معالجة هذه الامور، فمثلا في القطاع الخاص او العام، الغيرة بين الموظفين قد تجعل احدهم يحاول افشال الموظف الاخر، او ان يمنع فكرته من ان تتحقق، او يخلق بيئة عدائية نحو الموظف الاخر بشكل مباشر او غير مباشر من خلال النميمة ونشر الاشاعات عنه، ونتيجة هذه الغيرة تكون خسارة يتحملها صاحب العمل او الشركة او القطاع، وتحرم المؤسسة والمجتمع من وجود اشخاص ناجحين في المجتمع يقدمون افكار ومشاريع مفيدة وتخدم تطور البلد اقتصاديا واجتماعيا، فهذه الغيرة الهدامة والحسد تؤدي الى اهدار افكار ومشاريع جيدة كما تؤدي الى عدم التعاون بين الموظفين لما فيه صالح المؤسسة والصالح العام،

والشخص الحاسد لا يركز مجهوده في اصلاح ذاته وتطوير قدراته وانما يبرر فشله بمبررات عدة ويركز جهده على الحط من قدر الاخرين وافشال مشاريعهم حتى لا تظهر للعيان حقيقة كسله وتخاذله، وهذه خسارة اقتصادية اخرى، فالحاسد لا يطور نفسه وهذا اهدار لطاقاته التي يمكن ان تفيد المجتمع وتسهم في تطويره،

كما ان الغيرة والحسد تسبب مشاكل نفسية وصحية واجتماعية على الطرفين، فالحاسد والمحسود في معاناة نفسية وقد تتحول الى امراض جسدية، كما ان الغيرة والحسد تجعل بيئة العمل غير جذابة، وينتج عن ذلك الغياب المتكرر وتعطل العمل واهدار للمال الخاص والعام، كما يهدر مال الدولة في علاج المشاكل النفسية والصحية الناتجة عن ضعف ثقة الانسان بنفسه والغيرة والحسد الناتجة عنها،

فالغيرة والحسد هما اعراض لأمراض، و لا بد من معالجة موضوع الغيرة والحسد للحصول على تطور اقتصادي واستقرار اجتماعي وامني، مع الاسف، نرى افراد او جماعات تحسد وتغار من افراد او جماعات اخرى على ما لديها من مال او علم او جمال او قوة او صحة او غيره من الامور، ودائما الحاسد لا يقول لك "انا حاسد"، ولكن دائما يغلف حسده بامور اخرى، يغلف حسده بامور تجعله يبرر لنفسه شر اعماله، وكم من شر في هذه الحياة جاء مغلفا بغلاف جميل،

واعتقد ان بداية العلاج تكون في الاسرة والمدرسة والاعلام، فلا بد من التركيز على قيم التعاون واحترام قدرات الاخرين واحترام الاختلاف في القدرات والمواهب، وبناء ثقة الاطفال في انفسهم من خلال التركيز على تنمية قدراتهم الشخصية التي تميزهم وتقديم المحبة والاحترام لهم وافهامهم ان لكل انسان دوره في الحياة الذي يجب ان يحترم مهما كان، ونشر التوعية الاجتماعية باثار الغيرة والحسد على الاقتصاد والمجتمع، واعطاء الناس الفرصة لتنمية انفسهم وقدراتهم والنجاح في الحياة في نظام عمل يشعرون فيه بالعدل واحترام عطائهم وقدراتهم،


د. ماجد عبدالعزيز عشي

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

التفكير والصحة

حضرت قبل اسابيع محاضرة في الجامعة للدكتورة الين لانجر، احد اشهر الاساتذة في جامعة هارفرد، وكانت المحاضرة عن طريقة التفكير والصحة، وقد قامت بعدة دراسات مثيرة للاهتمام لدرجة ان اصبح هناك برنامج واقعي مبني على دراساتها يبث على التلفزيون في دول مختلفة في العالم، وساشرح لكم الان احد هذه الدراسات ونتائجها،

قامت الدكتورة لانجر بجمع عدد من الناس الذين اعمارهم فوق ثمانين عاما، واخذتهم الى منتجع معزول، وتم الكشف عليهم طبيا لتحديد الامراض التي يعانون منها، وبعد ذلك صممت برنامج حياة لهم يماثل الحياة قبل عشرون عاما من ذلك التاريخ، بمعنى انها جعلتهم يعيشون في الاجواء التي كانت سائدة قبل عشرون عاما، فكل برامج التلفزيون كانت تلك التي كانت تبث قبل عشرون عاما، وديكور المنتجع كان من تلك الفترة، والاخبار والجرائد والافلام والموسيقى والتكنولوجيا كلها من تلك الفترة، بمعنى انها ارجعتهم عشرون عاما الى الوراء، وطلبت منهم ان لا يتحدثوا عن اي شيئ حدث خلال العشرون عاما الماضية، وان يتحدثوا مع بعضهم وكأنهم يعيشون في تلك الفترة، وان يناقشوا الاخبار والقضايا وكأنها تحدث الان وليست في الماضي، وبعد اسابيع قام الاطباء بالكشف الطبي عليهم، ووجدوا ان حالتهم الصحية تحسنت كثيرا، اصبحت اجسامهم تعمل وكأنها قبل عشرون عاما! ، عندما عاشوا وكأنهم اصغر سنا استجابت اجسامهم لهذا التفكير واصبحت تعمل وكانهم اصغر عشرون عاما، اذا اجسامنا لها ردود فعل لطريقة تفكيرنا، هناك من هم في العشرين من العمر ولكن يبدوا عليهم الهرم لأنهم يشعرون في داخلهم وكأنهم ثمانين عاما، وهناك اناس في الثمانين ولكن صحتهم وحيويتهم وكأنهم شباب لأن طريقة تفكيرهم طريقة شبابية،
وقد ذكرت الدكتورة لانجر ان الدراسات وجدت ان الناس الذين يلبسون نفس ازياء الملابس دائما، تكون اعمارهم اطول باذن الله ولا يشعرون بالهرم بسرعة، والسبب في ذلك الى انهم لا يلاحظون التغير في شكلهم نتيجة لبسهم نفس الزي دائما، اما الذين يبدلون ويغيرون في ازياء ملابسهم كثيرا فهم يلاحظون تأثير العمر عليهم كما ان المجتمع قد يرفضهم اذا لم يلبسوا زيا يناسب عمرهم، ومن الدراسات الظريفة التي ذكرتها ان الباحثون وجدوا ان الشخص الذي يتزوج شخصا اصغر منه بكثير يعيش فترة اطول بأذن الله، وذلك لانه يرى الشباب من حوله، بينما وجدت الدراسات ان الذي يتزوج شخصا اكبر منه بكثير يعيش اقل باذن الله، لانه لا يرى الشباب من حوله، وبالطبع هناك دائما حالات لا ينطبق عليها هذه النتائج، ولكنها نتائج احصائية مثيرة للاهتمام،

واخيرا تحدثت الدكتورة لانجر عن اسلوب بعض الناس في العيش "هنا وفي هذه اللحظة"، فهم لا يفكرون كثيرا في الماضي او المستقبل، ولكنهم يملأون وعيهم بما في هذه اللحظة وفي هذا المكان، وهؤلاء تكون صحتهم افضل باذن الله من الناس الذين يفكرون كثيرا في الماضي او المستقبل، كما وجدت الدراسات ان هؤلاء الذين يعيشون في "الان وهنا" تكون عندهم شخصية جذابة وكاريزما، فكما يقال "لهم حضور" ويبدوا عليهم الوعي والذكاء وهذا يجعل الناس تحبهم،

اذا طريقة تفكيرنا تلعب دورا هاما في عمل اجسامنا، اتذكر بعض الناس الذين كانوا في الثمانين في العمر واكثر، كانوا دائما يتصرفون بشباب وابتسامة وحيوية، ويرددون "انسى العمر"، نعم، انسى العمر، ولا تدخل نفسك في صندوق لعمر معين، دع الشباب والحيوية تنبع من الداخل، ربما يحاول البعض فرض طريقة حياة ونمط سلوك معين عليك لأنهم يعتقدون انها ما يناسب عمرك، اترك نفسك على سجيتها، امرح وابتسم، وعندما تفيق في الصباح اشعر بانها بداية حياة جديدة، فهذا هو الشباب، طريقة تفكير،

د. ماجد عبدالعزيز عشي

السبت، 5 نوفمبر 2011

النوم والصحة

تتحدث الكثير من الدراسات الحديثة عن دور النوم في الصحة الجسدية والنفسية، فبالاضافة الى ان في النوم راحة لأعضاء الجسم وتجديد للخلايا والنشاط، فان النوم يساعد على تفريغ العواطف المكبوته من خلال الاحلام، فالنوم فيه راحة للجسد والنفس، ولكن الدراسات الحديثة اصبحت تتحدث عن شيئ جديد، وهو ان المخ اثناء النوم يقوم باعادة ترتيب الجسد والنفس بعد اجهاد اليوم، تخيل ان عندك غرفة، واثناء اليوم تقوم بتحريك مفروشاتها في كل مكان، ويكون هناك اوراق على الارض، اثناء النوم يقوم المخ بترتيب هذه الغرفة واعادتها الى شكلها الاول، وهكذا يفعل مع الجسم والنفس، المخ يعيد ترتيب الجسم والعمل على تصحيح الخلل الذي قد يحدث خلال اليوم، وكذلك يعيد ترتيب الحالة النفسية، فالمخ يضغط على زرار "ريسيت" اثناء النوم، وهذا قد يفسر كمية النوم الكبيرة التي يمضيها الانسان، فالانسان ينام حوالي 8 ساعات يوميا، اي ان الانسان يمضي ثلث حياته نائما، فالنوم له فوائد كثيرة ودور مهم،

ولابد ان ينام الانسان جيدا حتى يجني فوائد النوم، فالبالغ يحتاج حوالي 8 ساعات نوم يوميا، والاطفال يحتاجون الى ساعات نوم اكثر، ولابد ان ينام الانسان في غرفة دون اضواء او ازعاج حتى يتمكن من الدخول في النوم العميق وحتى يمكن للمخ من افراز الهرمونات التي تساعد على النمو وتجديد الخلايا وغيرها، ولابد ان يحاول النوم مبكرا قدر الامكان والاسيقاظ مبكرا، فالدراسات وجدت ان جسم الانسان حساس لضوء الشمس، فمثلا افراز بعض الهرمونات كهرمون الذكورة يزيد في الصباح، كما ان كمية السكر في الدم تزيد في المساء، فالسهر والاستيقاط المتأخر يربك المخ والجسم والنفس، والكثير من الاضطرابات النفسية تكون مصحوبة باضطرابات في النوم او في الاحلام،

وقد بدأت الادلة التي تربط بين النوم المتأخر ومرض السكر والضغط في التراكم، قد يقول البعض ان من يسهر قد يأكل متأخرا مما يزيد من السمنة وهذه الامراض، او ان الاضطرابات النفسية والضغط النفسي قد تسبب الارق والنوم المتأخر وهذه الامراض، وهذا كله صحيح، ولكن الدراسات وجدت ان النوم المتأخر في حد ذاته قد يلعب دورا في مرض السكر والضغط نتيجة اضطراب افراز الهرمونات وغيرها من وظائف الجسم، وقد يساعد النوم المبكر والاستيقاظ المبكر في انقاص الوزن ايضا، حيث يساعد ذلك في الاكل اقل اثناء الليل، كما يعطي الانسان وقت اكبر لحرق الطاقة اثناء النهار،

الكهرباء ووسائل التسلية والاعلام والكمبيوتر لها فوائد كثيرة، ولكن احد سلبياتها ان الناس كبارا وصغارا اصبحوا ينامون متأخرا، ولا عجب ان وصلت امراض مثل السكر والضغط الى حد الوباء في العالم، فلابد ان يكون نظام حياتنا متسقا مع نظام الطبيعة ومع برنامج عمل اجسامنا ونفسياتنا، فلا يمكن لنا ان نفعل اشياء ونتجاهل نظام اجسامنا وانفسنا والطبيعة، وان فعلنا ذلك فسيكون هناك ثمنا ندفعه من صحتنا النفسية والجسدية.

د. ماجد عبدالعزيز عشي

الاثنين، 16 مايو 2011

الاعتذار والعفو عن الناس وفوائدهم النفسية والصحية والاجتماعية

تقديم الاعتذار والعفو عن الناس هو احد الطرق التي يتم بها اصلاح العلاقات بين الناس، فالناس كلها معرضة للخطأ، والخطأ ناتج في كثير من الاحيان عن محدودية علم الانسان، وناتج عن انفعالاته وتعجله وعدم تفكيره في الامور جيدا، واحيانا يكون مقصودا او مدفوعا بانانية او غرور او فهم خاطئ للامور، وارتكاب الخطأ قد يؤثر على العلاقة بين الناس، فأي تصرف له عواقب، والخطأ له عواقب، فقد يجرح الانسان شخصا بكلمة او فعل او قد يظلمه او يؤذيه معنويا او ماديا او جسديا او اجتماعيا او يسلبه حقا بقصد او غير قصد، فما الذي يحدث بعد ذلك؟

هناك اناس يفرحون ان اخطأ انسان في حقهم، فيستغلون الموقف للتعالي الاخلاقي، بمعنى ان يشعروا انهم افضل من ذلك الشخص المخطئ اخلاقيا، وهناك من يستغل هذا الخطأ للانتقام من الشخص لامور اخرى، او للتشهير به، او لابتزازه بشكل او اخر، او لافتعال المعارك، او لمقاطعته، او لاي غرض اخر في نفسه، ولكن في حالات كثيرة يشعر الطرفان بالالم لما حدث بينهما، فالمخطأ يريد العودة عما فعل، والطرف الاخر يريد ان تلتئم جراحه ويستمر في حياته دون ان يكون اسير الحزن والغضب والماضي، والحل هو في الاعتذار والعفو،

عندما بدأت قبل سنوات في الحديث عن اهمية الاعتذار والعفو وجدت مجابهة من اناس غاضبين، وكثير منهم يصرخ ويقول هل تريدني ان اعفو عن من ظلمني؟ هل تريدني ان اعفو عن من اذاني؟ والاجابة نعم .

كثير من الناس يعتقد ان الاخطاء التي ارتكبت في حقه لا تغتفر ولا يمكن العفو عن مرتكبها، ولكن كثير من الناس مستعد للعفو ان وجد من المخطئ اعتذارا حقيقيا وندما عما فعل، الاعتذار ليس بالكلام فقط ولكن بالفعل، الاعتذار الصحيح يحتوي على اعتراف بالخطأ وتحمل للمسؤولية والتزام بالاعراف المشتركة وتوجه لعدم العودة للخطأ مرة اخرى، الاعتذار الصحيح يحتوي على اعتراف بالمسؤولية بتسبيب الالم للشخص الاخر، والمعتذر لا بد ان يكون صادقا ويوضح لماذا فعل ما فعل وان يخبر بالحقيقة كاملة، ففي كثير من الاحيان يكون الناس مستعدون للعفو عن المخطئ ان عرفوا الحقيقة، لماذا فعل ما فعل، ماذا كان يفكر، وما هي القوى التي دفعته لفعلته، فاحيانا الحقيقة توضح ان الشخص المخطئ كان فاهما الامور بشكل مخطئ او واقعا تحت ضغوط قوية او ظروف غير طبيعية،

الاعتذار مفيد لانه خطوة لاصلاح العلاقة، واصلاح العلاقة لا يعني عودتها لما كانت عليه سابقا، اصلاحها يعني انها تتطور الى شكل يخدم الطرفين بشكل افضل، فالخطأ قد يكون فرصة لان يفهم الطرفين بعضهما البعض بشكل افضل وان يخرج الطرفين افضل ما لديهم من اخلاق ونوايا، وهناك اناس يستغلون الخطأ كمناسبة لاخراج اسوء ما في داخلهم من احقاد ورذائل، فخطأ الشخص الاخر لا يسمح ولا يكون مبررا لان ينزل الناس الى الدرك الاسفل من الاخلاق وان يخرجوا الاحقاد والضغائن، ردة فعل الانسان لخطأ الاخرين يمكن ان تعلو به ويمكن ان تنزل به،

ان غياب ثقافة الاعتذار والعفو تحطم المجتمع وتفككه، فالطلاق يزيد وقطع الارحام يزيد والشكاوى في المحاكم والمعارك وحتى الحروب، انظروا جيدا وتمعنوا وستجدون ان غالبية المشاكل سببها خطأ ارتكب وشخص غير قادر على الاعتذار او يرفضه واخر غير قادر على العفو او يرفضه،

الاعتذار لا يعني الضعف، وانما هو تحمل للمسؤولية، هو التزام بالحقيقة، وفيه تخلص من الاحساس بالذنب، وفيه اعادة انتماء للمجتمع وقيمه واخلاقه، المعتذر يعيد الامور الى نصابها ويعطي الشخص الاخر الحق في العفو او عدمه، وفيه عدل، كما ان الاعتذار يساعد الطرف الاخر في ان تشفى جراحه، فهو يعرف من اخطأ عليه ويعرف بالاعتذار ان المه حقيقي وليس خيالا وان الاخرين يرون ما يرى، اذا الاعتذار يساعد على الصحة الاجتماعية والنفسية للمعتذر والمعتذر له،

وكذلك العفو، العفو لا يعني التخلي عن الحقوق او الضعف، فكثير من المجتمعات تتفاخر بقيم الانتقام والثأر وتحسبها قوة ورجولة، وتحسب العفو خنوعا وضعفا واهدارا للحقوق، العفو عن الناس هو اسلوب لتحرير نفسك من سجن الانتقام والضغينة، فكما قال الحكماء سابقا الضغينة والكره ككرة من نار تحرق من يحملها، العفو هو ان تترك الحقد والكره وان تتحرر من التفكير في الانتقام وان توجه طاقاتك لبناء نفسك والى ما ينفعك وينفع مجتمعك، العفو فيه تحرير لطاقاتك ونموك، فيه سمو لك، كل الاديان تشجع على العفو عن الناس، والله غفور رحيم ويمتدح العافين عن الناس، والعقل السليم يدل على ان للعفو فوائد اجتماعية جمة،

والدراسات وجدت ان الناس درجات في نموهم النفسي وفهمهم لموضوع العفو، وهناك سته درجات، وهي من الاقل نموا الى الاعلى:
1. العفو بعد الانتقام: فهم يقولون سأعفو عنك بعد ان انتقم وتشعر انت بالم مشابه لألمي
2. العفو بعد عودة الحقوق: وهم يقولون سأعفو عنك بعد ان ترد لي ما اخذته مني
3. العفو رغبة في التقبل: سأعفو عنك حتى اظهر بمظهر اجتماعي جيد ويحبني الناس
4. العفو التزاما بعرف: سأعفو عنك لأن هذا هو من عرف ديني او بلدي او التقاليد
5. العفو من اجل الصالح الاجتماعي: سأعفو عنك لأن في ذلك مصلحة اجتماعية للمجتمع ككل
6. العفو كقيمة اخلاقية وعقيدة راسخة: ساعفو عنك لأن ذلك من عميق اخلاقي وقيمي وعقيدتي ومحبتي، سأعفو عنك لأن ذلك هو الخير،

العفو لا يعني عدم الالتزام بالحقوق واقامة العدل وحماية الذات وما له قيمة عند الانسان ضد المعتدي، يمكن ان يقوم الانسان بكل ذلك وان يعفو، يعفو عندما يرى ان هناك قيما اخرى ستتحقق بهذا العفو،

وللعفو فوائد نفسية وطبية كثيرة، فالعفو يساعد على التخفيض من السكر وضغط الدم كما يساعد على الصحة عموما، فالدراسات وجدت ان الناس الذين يمارسون العفو ولا يحملون كرها واحقاد وغضبا تكون مناعتهم افضل وصحتهم افضل عموما، كما يساعد العفو على التقليل من الاكتئاب والقلق والضغط النفسي والاحساس بالالم النفسي والجسدي،

الاعتذار والعفو يساعدان على التئام الجراح النفسية والاجتماعية وحتى الجسدية، فقد يساعد العفو في تغيير الاتصالات العصبية في المخ بشكل مفيد نفسيا وجسديا للانسان، فهناك ارتباطات عصبية تتكون بين جزء الذاكرة في المخ وجزء العواطف عند حدوث خطأ او صدمة نفسية ضد الشخص، ولهذا يشعر الشخص بالغضب كلما تذكر ما قيل له او ما حدث، وكثرة اعادة الذكريات هذه يساعد على ترسيخ وتقوية الارتباطات بين هذه الذكريات والعواطف السلبية، والعفو يساعد على تكوين ارتباطات عصبية جديدة تقطع الطريق بين الذاكرة والعاطفة، فيتذكر الانسان ولكن لا ينفعل عاطفيا،

قد يعفو الانسان نتيجة قرار يتخذه، وقد يعفو عندما يرى ان الشخص الاخر لم يكن بالسوء الذي اعتقده فيه، او ان الشخص الاخر كان مخطئا في فهمه، وقد يعفو الانسان اذا وصل في نموه النفسي الى مرحلة فهم فيها ان العفو هل الحل وان فيه مصلحة له وللناس، وان العفو من التواضع،

فهل نعتذر عن اخطائنا و نعفو عن الناس؟

د. ماجد عبدالعزيز عشي

الثلاثاء، 26 أبريل 2011

العنصرية واثارها النفسية

اذكر انني في احد الايام قبل عشرين عاما وعندما كنت طالبا ادرس اللغة في جامعة هيوستن ان شعرت بشيئ من الملل، فقررت النزول الى بهو السكن الجامعي الذي كنت اسكن فيه، فوجدت ندوة ومجموعة كبيرة من الطلبة يستمعون الى الندوة، فاخذت كرسيا وجلست في اخر القاعة استمع الى ما يقال، واذكر جيدا تلك الفتاة من الاصل الافريقي التي كانت تقف في جانب الغرفة وتحكي قصتها للحضور، كانت هذه الطالبة تحكي كيف انها عندما كانت طفلة كان يأتي الكبار ويمتدحون شكل البنات الاخريات ولا احد يمدح شكلها، وكيف ان امها كانت تمضي الساعات وهي تحاول فرد شعرها حتى تكون مثل البنات البيض، وكيف انها كانت وما زالت تعتقد انها قبيحة لأنها افريقية سمراء، وكانت تبكي، هذه الفتاة فتحت عيني ونبهتني الى كيف يعاني بعض الناس بسبب العنصرية،

الدراسات وجدت ان الفتيات يكن على ثقة بأنفسهن مساوية للذكور الى ان يصلن مرحلة المراهقة وبعد ذلك تبدأ ثقتهن في الهبوط، لماذا؟
لأن البنت الصغيرة تكون مملوءة بالامل في الحياة، وتعتقد ان كل الابواب مفتوحة لها، وتعتقد ان طموحاتها مقبولة، ومواهبها مقدرة، وان المجتمع يحترمها، ولكنها تدرك مع الوقت انها تعيش في مجتمعات قد تنظر لها بدونية وعدم احترام، فتتحطم احلامها تدريجيا، وتهدر طاقاتها ومواهبها التي كان يمكن للمجتمع الاستفادة منها، وترى في الاعلام ان المرأة تقاس بشكلها لا بشخصيتها وعملها، فيدخل الحزن الى نفسها تدريجيا، فلا عجب ان نسبة الاكتئاب بين النساء هي اربعة اضعاف تلك عند الرجال،


ما هي العنصرية والتمييز؟
هناك عنصرية يقوم بها الافراد بالقول او الفعل، وهناك عنصرية مؤسساتية بمعنى ان تقوم مؤسسات اجتماعية بالعنصرية، فمثلا هناك اشخاص يقولون او يكتبون كلاما عنصريا، وهناك اشخاص قد يقومون باعمال عنصرية مثل استخدام العنف، كما ان هناك دولا بها قوانين رسمية تفرق بها في التعامل بين المواطنين، والتمييز والعنصرية قد تكون موجهة ضد دين معين، او مذهب، او عرق، او لون كالتمييز ضد السود، او قبيلة، او طبقة اجتماعية، او دولة اخرى، او جنس معين كالتمييز ضد المرأة، وما الى ذلك،

التفرقة في المعاملة والعنصرية هي مشكلة عالمية، وهي مرض عضال عانت وتعاني منه الانسانية، كم من حروب قامت بسبب العنصرية، وكم من الناس قتلوا وعذبوا، وكم من بشر تشردوا، وكم من اسر تحطمت، وكم من قلوب انكسرت، وكم من طاقات ومواهب اهدرت، بسبب العنصرية والتفرقة في المعاملة بغير وجه حق،

العنصرية والتمييز هي المنطقة التي يلتقي فيها المرض العقلي بالشر، ويتولد عن هذا الاجتماع افعال واقوال واساليب في الحياة ضارة على الجميع، هي مرض عقلي لأن تفكير الشخص العنصري يكون مضطربا وغير طبيعي، فالشخص العنصري يعتقد ان الجماعة الاخرى كلهم متشابهون وعندهم نفس النوايا، فهو يقوم بالتعميم ولا يرى ان هناك اختلافات في الجماعة الاخرى، وفي نفس الوقت يعتقد ان جماعته كلها متشابهة ولا يرى ان هناك اختلافات في جماعته، فهو يفكر بطريقة "نحن الاخيار وهم الاشرار"، وهذا هو قمة الشر في حد ذاته، حيث ان طريقة التفكير هذه تعطي الشخص الضوء الاخضر لعمل الشر نحو الاخرين،

فلا يمكن للشخص ان يؤذي جماعة اخرى الا عندما يقنع نفسه اولا بانهم اشرار، فهو يركز على اعمالهم السيئة، سواء كانت حقيقية او قصص يتوهمها، وينسى اعمالهم الخيرة، ويضخم اخطائهم، ويحقر من اعمالهم الطيبة، ويعتقد ان اعمالهم السيئة هي ناتجة عن صفات راسخة في انفسهم، ويعتقد ان اعمالهم الخيرة ما هي الا نفاق او خداع او كذب، والعنصري يتلقف الاخبار التي تؤيد اعتقاداته، فهو يبحث عن أي شيئ يغذي عنصريته وكرهه، ويركز انتباهه عليه، فهو يحب ان يقول دائما "شايفين، مش قلتلكم!!"، فهو يركز على الاعمال الشريرة عند الطرف الاخر ويتناسى اعمالهم الطيبة، والعنصري يضخم من الفروق بين الجماعتين، ويكره ان يرى التشابه بين جماعته وجماعتهم،

العنصرية مرض عقلي وجنون، وان لم تتخلص منه البشرية فسيبيدها عن بكرة ابيها، فهناك من هو عنصري ضد المسلمين، وهناك من هو عنصري ضد المسيحيين او اليهود او البوذيين او الهندوس او غيرهم، وهناك من هو عنصري ضد اتباع هذا المذهب الديني او ذاك، او ضد السود او البيض او غيرهم، وهناك من يميز ضد المرأة او الرجل، او ضد هذه القبيلة او تلك الدولة، وما الى ذلك، وكل عنصري يعتقد انه على حق، ومع الاسف بعض العنصريين يعتقد ان دينه يدعم عنصريته، وما هو الا شخص معتوه، يملأ قلبه الكره والحقد والضغينة وحب التعالي على الناس، وهؤلاء هم اخطر العنصريين، الذين تتحول عنصريتهم الى عقيدة دينية في عقولهم، ان خلط الدين بالعنصرية امر خطير، ويحدث عند اناس من كل الاديان والمذاهب والايدولوجيات،

عزيزي القارئ، انظر في اعماق نفسك، هل انت عنصري ضد جماعة ما؟ هل تقوم بالتعميم؟ هل تركز على مساوئهم وتنسى حسناتهم؟ هل تركز على الاختلافات وتضخمها؟ هل تقول او تكتب اشياء فيها عنصرية وتزيد من الكراهية وتشعل نار العداوات؟ هل تحرم الناس حقوقها لأنهم مختلفون عنك؟ هل تأخذ من نفسك مقياسا تقيس به كل الناس، فمن كان مشابها لك احببت ومن اختلف كرهت؟

د. ماجد عبدالعزيز عشي

السبت، 5 مارس 2011

العمل: أخلاقه واثاره النفسية

العمل مهم في حياة الناس، فالعمل هو مخرج للطاقات عند الشباب والشابات، فالناس عندها طاقات جسدية وطموحات وقدرات خلاقة ورغبة في العطاء، والعمل هو المكان الذي يعبر فيه الانسان عن هذه الطاقات والقدرات والطموحات، كما ان العمل هو باب للدخل، مما يساعد الشخص على الاحساس بالكرامة والقدرة على العطاء ويسهل له طريق الزواج ورعاية الاسرة، فالعمل هو مصدر من مصادر الكرامة للانسان، والعمل يجعل للشخص هدف في الحياة، فحياته تكون منظمة ولها مواعيد، والانسان يعاني نفسيا اذا لم يكن عنده نظام في حياته، والعمل يعلم الانسان اخلاقيات مهمة مثل المثابرة والاجتهاد والتعاون مع الزملاء والالتزام والامانة وغيرها من اخلاقيات العمل الهامة، والعمل يجعل الشخص يشعر بانتمائه لامته وانه شخص مرغوب فيه ولديه ما يقدمه لمجتمعه وانه يشارك في بناء مجتمعه، فمن المعروف ان الانسان يحب ويحرص على ما يركز جهده ووقته وماله فيه، فالعمل هو اسلوب للانتماء الاجتماعي، العمل يعلم الانسان الكسب من عمل يديه، لا ان يحاول الحصول على اشياء دون عمل، وهناك نوع من العلاج النفسي يسمى العلاج بالعمل، حيث توفر ورش عمل لمن عندهم بعض المشاكل النفسية وحتى للمساجين لترسيخ قيم العمل لديهم،

وللعمل اخلاقيات، واخلاقيات العمل هذه موجودة في كل مكان في العالم، البعض قد لا يلتزم بها ولكنها هي قيم العمل في أي مكان، ومنها طاعة المدير، والعدالة في الادارة، والالتزام بالمواعيد، والاجتهاد في العمل واحسانه، وحسن التعامل مع الزملاء والمراجعين او العملاء او الزبائن، والامانة، والمشاركة الفعالة في ايجاد حلول لمشاكل العمل الطارئة او لتحسين الاداء، والعدالة في توزيع فرص العمل، وغيرها من اخلاقيات مهنية مهمة، ولكن مع الاسف نرى بعض الناس لا يلتزمون باخلاقيات العمل، فمنهم من لا يلتزم بالمواعيد او يختلس او يرتشي او يعامل العملاء بتعالي او يسبب مشاكل مع زملائه او مع مديره وما الى ذلك،

اخلاقيات العمل هي قلب وصميم ودعامة اي امة، والقوة الدافعة لها للامام، فالامم التي تقدر العمل وتلتزم باخلاقه تتقدم وتتطور، ان غياب العمل واخلاقيات العمل في المجتمعات لها تداعيات كثيرة على الفرد والمجتمع، ان ما نحتاجه في مجتمعاتنا العربية اليوم ضمن اشياء اخرى هو توفير فرص العمل للناس والالتزام باخلاقيات العمل من قبل الجميع وخلق بيئة عمل تساعد الجميع على الاحساس بالكرامة، قد يختلف الناس في ثقافاتهم واعراقهم واديانهم ومذاهبهم ولكن ثقافة العمل وقيم العمل هي امور مشتركة ويمكن للجميع فهمها والالتزام بها واحترامها، وكل الاديان والمذاهب والثقافات تقريبا تشجع على العمل والالتزام به، لو سمعنا بتمعن شكوى الناس لوجدنا ان كثير منها شكوى ضد عدم وجود العمل او عدم تناسب الدخل مع العمل او عدم التزام البعض باخلاقيات العمل والمهنية او ان البعض يكسب اكثر مما يحققه له عمله، اذا العمل واخلاقه هي في قلب الامور،

د. ماجد عبدالعزيز عشي