الأربعاء، 3 أبريل 2024

الصبر ودوره النفسي

لو نظرنا الى حياة الناس عموما لوجدنا ان الانسان يواجه في كثير من الاحيان اختيار بين امرين:


احد الامرين فيه متعة صغيرة سريعة، والاخر فيه متعة كبيرة بعيدة، والانسان يختار بين هذين الامرين اخذا في الاعتبار بعد المتعة وحجمها، وهناك اناسا يميلون لاختيار المتع الصغيرة السريعة ويتركون المتع الكبيرة البعيدة، لنأخذ عدة أمثلة،

هناك متع صغيرة سريعة وقد تكون محرمة دينيا، وهناك وعد بالجنة ونعيمها ولكنه في نظر البعض بعيدا، هناك اناس يميلون لاختيار المتع المحرمة الصغيرة السريعة ويهملون المتع الكبيرة الموعودة في الجنة،

الطالب يكون عنده احيانا الاختيار بين المذاكرة وبين اللعب او الخروج مع الاصحاب، الخروج مع الاصحاب او اللعب يجلب متع صغيرة سريعة بينما المذاكرة تجلب متع كبيرة بعيدة تتمثل في النجاح الدراسي والاجتماعي والمادي والعملي، بعض الطلاب يختارون اللعب والبعض يختارون المذاكرة،

الشخص يكون امامه احيانا اختيار بين اكل وجبة دسمة عالية في الدهون والنشويات وبين اكل وجبة صحية، الوجبة الدسمة فيها متعة صغيرة وسريعة، والوجبة الصحية قد يكون فيها متعة التمتع بالصحة على المدى البعيد، بعض الناس يختارون الوجبة الدسمة والبعض يختارون الوجبة الصحية،

البعض يختارون استخدام المخدرات لما فيها من متع صغيرة سريعة، ويهملون المتع البعيدة الكبيرة من صحة ونجاح،

وهكذا، لو نظرت الى كثير من المشاكل لوجدت وراءها الاستعجال، والرغبة في الاشباع الفوري للاحتياجات والرغبات، وعدم القدرة على الصبر،

قال أحد الحكماء: "ان الحكمة يمكن تلخيصها في كلمة واحدة: أنتظر"،

الصبر يكون فيه تحمل للحرمان الوقتي ولكن يكون مصحوبا بعمل دؤوب ومستمر من اجل النتائج البعيدة الكبيرة، والصبر يكون مصحوبا بايمان بوجود النتائج البعيدة والامل في الحصول عليها، وقد وجد العلماء ان هناك علاقة بين الذكاء والصبر، فالاذكياء عندهم القدرة على تأخير الاشباع اللحظي اكثر والعمل لتحقيق الاهداف البعيدة، ووجدوا ان هناك علاقة بين الانحراف والاجرام وعدم القدرة على الصبر، فالمنحرف والمجرم يريد الاشباع السريع لرغباته ولا يريد انتظار متع موعودة بعيدة، وقد يكون ذلك نتيجة يأس في امكانية تحقيق المتع والمصالح البعيدة او احساس انه مهما عمل فلن يحصل عليها فيرمي نفسه في المتع اللحظية السريعة،

أحيانا يكون افضل شيئ تفعله في بعض المواقف هو ان لا تفعل أي شيئ، وان تترك الامور تأخذ مجراها الطبيعي وتتطور فربما مع الوقت تتغير الظروف لما فيه مصلحة لك او تكون مناسبة اكثر لتدخلك، هناك حقيقة في الحياة وهي ان كل شيئ يتغير، الانسان يتغير شكلا وشخصية، وكل الاشياء والظروف تتغير، فهذه سنة الحياة، فان لم يعجبك حال، انتظر، سيتغير عاجلا او آجلا،

كان هناك ملك وطلب من حكماء زمنه ان يكتبوا له جملة على خاتمه ان قرأها وهو حزين فرح، وان قرأها وهو سعيد حزن، وتنافس الحكماء، وجاء احكمهم وكتب: "ان حالك لن يدوم"، فعندما يقرأها الحزين يفرح، وعندما يقرأها الفرح يحزن!


الصبر يقوم على هذا الفهم بأن دوام الحال من المحال،

ولكل شيئ وقت وتوقيت، كثير من الناس يريدون الحصول على اشياء لم يحن وقتها، فالصبر هو انتظار الى ان يحين الوقت المناسب، ولو نظرنا لوجدنا العبادات لها اوقات، وثمار النباتات لها اوقات، والحمل والولادة لها اوقات، والليل والنهار بأوقات، التوقيت من سنة الحياة، والكلمة في وقتها تعمل ما لاتعمله في غير وقتها، والصبر يتطلب معرفة اوقات الامور وان لكل شيئ وقت،


تخيل لو ان احدا مد يده اليه واحب ان يعطيك شيئا، فلا بد ان تمد يدك وتفتحها لتستلم هذا الشيئ، بمعنى ان يدك لا بد ان تكون في الوضع المناسب للاستلام، وهذا ينطبق على حالتك النفسية أيضا، فحتى تتمكن نفسك من استلام السعادة لا بد ان تكون في الوضع المناسب، وهذا الوضع يتحقق بالايمان والاخلاق الحميدة والتواضع والصبر، اذكر لطلابي ان الغرور هو اب لكل الرذائل والخطايا، والتواضع هو اب لكل الفضائل، واشبه لهم الحكمة بقصر بابه ضيق صغير لا يدخله الا المتواضعون، اما المغرورون فوضعهم النفسي لا يسمح لهم بالدخول، فهم "كبار جدا" على باب الحكمة،




د. ماجد عبدالعزيز عشي






ليست هناك تعليقات: