الخميس، 25 يونيو 2015

الحب من طرف واحد من الناحية النفسية (المقالة الرابعة)

الحب من طرف واحد ليس كله نفس الشيئ، فهناك حالات عديدة وساذكر بعضها هنا

فهناك شخص يجد في الحب من طرف واحد هروبا من تكوين علاقة حب حقيقية يكون فيها الطرفان يحبان بعضهما، فهذه الحالة من الحب غير المردود تعطي المحب فرصة للظهور امام الناس على انه في حاله حب وانه قادر على الحب، ولكن في الحقيقة هذه الحالة تخفي عدم قدرة على الحب الحقيقي المتبادل

وهناك حب من طرف واحد يخفي وراءه غضب وكره وعداء، ان تصور المحبوب بصورة مثالية والحب الشديد له هو في احيان عمل عدائي، الناس فيها خليط من الامور، ولا يوجد شخص كامل بلا حدود، وتخيل الكمال في المحبوب هو نوع من الرفض لانسانيته وحقيقته، وقد يشعر المحبوب بذلك ولو لا شعوريا ويشعر بالنفور من هذا النوع من الحب الذي يجعله في موقف يخبئ فيه حقيقته او يجدها لا ترى، وفي بعض المجتمعات هناك تناقض في النظرة الى المرأة، فينظر لها على انها اقل من الرجل  ولكن في نفس الوقت ينظر لها برومانسية وشاعرية ومثالية وتوقع منها المثالية، وفي كلا الحالتين هو رفض لأنسانيتها وانها بشر لها مشاعر متنوعة واحلام وطموحات وصفات في الشخصية متعددة، فعدو الشخص الذي يحب من طرف واحد هو ان يكون له علاقة حقيقية يعرف فيها الطرف الاخر كبشر، عندها لا يعرف كيف يشعر، وينتهي هذا الحب، فبعد المحبوب ورفضه السماح للمحب ان يقترب اكثر يسمح للمحب في الاستمرار في خياله الغير مبني على الواقع

وهناك المحب النرجسي الذي يعتقد بان احتياجاته يجب ان تشبع ولا يقبل "لا" كاجابة، فهو يعتقد انه الافضل والاذكى والاجمل وينظر للناس من علو، وهو اختار هذا المحبوب ويتوقع ان يفرح المحبوب فقد جاءته فرصة العمر للارتباط بشخص ليس له مثيل، وعندما يرفض المحبوب هذا العرض يكون ذلك لطمة لنرجسية هذا الشخص، تهز كيانه وتجعله يفقد توازنه، ويتسائل لماذا حدث له هذا الامر الجلل، فهو بالنسبة له أمر جلل، للنرجسي "لا" هي امر جلل، ويحاول بكل الطرق الشفاء من هذا الجرح لنرجسيته، فهو يحاول ان يستمر في الاعتقاد انه الافضل المميز الذي لا مثيل له، فيحاول اعطاء حب لا مثيل له، حب يليق بشخص عظيم مثله، ويقدم التضحيات، وهي ايضا دليل على مثاليته وعظمته، وكان حاله تقول "انظروا كيف اقدر على الحب، حتى لشخص لا يحبني، انا افضل منكم جميعا، ايماني بالحب مميز وقدرتي على تحمل الالم مميزة، وقدرتي على التضحية كبيرة، احبوني وامدحوني، انا افضل منكم جميعا ايها البشر العاديون الذين لا تحبون الا اذا حصلتم على احتياجات ومقابل، ولكني انا ملاك امشي على الارض، احب واصبر واعرف ما لا تعرفون عن الحب ومستقبله واسراره"، هذه حالة حب وهيام في النفس وما الحب من طرف واحد الا وسيلة لذلك

وهناك اشخاص لا يريدون التراجع او الاعتراف بانهم اساؤوا الفهم او انهم قد خدعوا من قبل من يحبون، او ما شابه ذلك، فهم يأملون ان تتغير الظروف لصالحهم يوما ما حتى لا يتعرضون للاحراج او الالم النفسي ان واجهو انفسهم بالحقيقة، فتجنب الالم يجعلهم يصرون في السير في طريق الحب من طرف واحد، بالنسبة لهم الم الحب من طرف واحد اخف من الام اخرى

واحيانا الحب من طرف واحد يملأ الفراغ داخل المحب، يملأه بعواطف جياشة واهداف في الحياة تجعل لحياته لون وغاية، فان توقف هذا الحب وجد الشخص نفسه خالي المشاعر وليس له هدف في الحياة، واحيانا يعطيه املا بان هناك مخرجا من بؤس الحياة وصعابها، فيحلم بالسعادة التي سيعيشها مع المحبوب، ورفض المحبوب يكون مأساويا لأنه يفقد الشخص الهدف في الحياة واللون والامل في حياة افضل

وهناك اشخاص لا يمكنهم تكوين وتعريف والاحساس بذاتهم الا اذا كانوا في علاقة ما، العلاقة هي التي تعرفهم وتشكل ماهيتهم، يخافون من "الانا" المستقلة، ويشعرون بالقلق وربما الفزع من الوحدة حينما لا يكونون في علاقة شديدة ما احد

وهناك اشخاص مدمنون على شخص بعينه، عاشوا معه لحظات سعادة، وافرز المخ مواد في تلك اللحظات، وكلما رأوه تم افراز تلك المواد التي تشعرهم بالسعادة، فيصبحوا مدمنون على تلك المواد، وتكون لديهم اعراض انسحابية من اكتئاب وخمول وتعاسة ان لم يروا ذلك الشخص، فحالهم كحال المدمن

وللحديث بقية

د. ماجد عبدالعزيز عشي

ليست هناك تعليقات: