الطب السلوكي هو فرع من فروع علم النفس تم تعريفه وانشاءه في السبعينات من القرن الماضي، وهو علم يبحث في الاسباب السلوكية للامراض الجسمية ويركز على معالجة الامراض الجسمية من خلال تغيير السلوك، فنحن ان نظرنا الى الكثير من الامراض الجسمية نجد ان لها اسباب سلوكية، فمثلا امراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر تنتج في جانب منها من سلوكيات غذائية غير صحية، فقلة الحركة والرياضة والاكثار من اكل الاملاح او السكريات لها علاقة بظهور هذه الامراض وعدم السيطرة عليها، فالسلوك يمكن تصنيفه الى سلوكيات صحية وسلوكيات غير صحية، السلوكيات الصحية هي كل السلوكيات التي قد تؤدي الى الوقاية من الامراض او علاجها او التحكم فيها، والسلوكيات غير الصحية هي كل ما يمكن ان يؤدي الى الامراض او تفاقمها او عدم التحكم فيها، وبناء عليه فالتدخين سلوك غير صحي لانه يزيد من احتمالات الاصابة بالسرطان، بينما اكل الخضروات والمشي سلوكيات صحية لانها تزيد من احتمالات الوقاية من الامراض او التحكم فيها، والطب السلوكي يستخدم مبادئ العلاج السلوكي لتغيير السلوكيات غير الصحية وتعليم السلوكيات الصحية، ففي البداية يقوم المعالج بتحليل سلوكيات المريض لمعرفة السلوكيات المرتبطة بالمرض، فمثلا ان كان شخص مصاب بالام ظهر مزمنة يقوم المعالج بتحديد السلوكيات المرتبطة بهذا المرض من طريقة المشي الى نوعية مرتبة السرير الى طريقة الجلوس وما الى ذلك، واحيانا تغييرات بسيطة في السلوك تنتج عن توعية تكون كافية لعلاج المشكلة، ولكن احيانا يصعب على المريض تغيير سلوكه الغير صحي، عندها يقوم المعالج بتحليل هذا السلوك اكثر لمعرفة ما هي الاشياء التي تديم او تساعد هذا السلوك الغير صحي على الاستمرار، وعلماء السلوك يسمون الاشياء التي تديم السلوك "مكافئات"، فالانسان لا بد ان يكون حاصلا على شيئ يحبه او "مكافئة" نتيجة هذا السلوك والا لما استمر، واحيانا تكون المكافئة واضحة وسهلة التحديد، واحيانا تكون المكافئة التي يحصل عليها الشخص غامضة وتحتاج الى بحث، فبعد ان يحدد المعالج المكافئات التي تدعم السلوك الغير صحي يمكنه بعدها ان التحكم في هذه المكافئات حتى يتم تعديل السلوك او تغييره، اذكر لكم حالة ذكرها لنا استاذنا الدكتور مستوفسكي وهو احد مؤسسي الطب السلوكي وهو متخصص في علاج الصرع، ذكر انه في مرة كان عنده طفل في العاشرة تقريبا، وكان يعاني من نوبات صرع متكررة كثيرا ولم تفلح أي من الادوية والعلاجات في التحكم في حالته، واحتاروا في امره، وفي يوم جاءت المتدربة تحت الدكتور مستوفسكي واقترحت عليه ان يسأل الطفل هذا السؤال:
لو كان بامكاننا مساعدتك، كم نوبة صرع تحب ان تأتي لك في العام؟
فاستغرب الدكتور اقتراحها وقال لها لا بد ان الطفل سيقول ولا واحدة، فليس من المعقول ان يكون يحب حالات الصرع،
فقالت له انه لن يخسر شيئ ان جرب،
وفعلا في اليوم التالي جلس مع الطفل وسأله هذا السؤال، فابتسم الطفل بشيئ من الخبث ورد: واحدة او اثنتين!!
فاندهش الدكتور، وسأل: تحب ان تأتيك نوبة او اثنتين في العام؟ لماذا؟
فرد الطفل مبتسما: احيانا تساعدني هذه النوبات على الغياب عن المدرسة او عدم حل الواجبات،
عندها عرف الدكتور ان هناك "مكافئات" يحصل عليها هذا الطفل نتيجة الصرع، وان عليه التعامل مع هذا الامر حتى يمكن انهاء هذه الحالات، ومن الحالات الاخرى حالة رجل كان يعاني ايضا من الصرع، ولم يتمكن الاطباء من التحكم في حالته، وبعد دراسات لاحظ الاطباء انه كلما جاءت هذا الرجل نوبة صرع وارتمى على الارض هرعت الممرضات "الجميلات" لمساعدته وانقاذه، والتموا حوله وامسكوا به، فهل يمكن ان تكون هذه هي المكافئة التي يحصل عليها الرجل؟ ولمعرفة ذلك طلب الاطباء من الممرضات عدم الجري نحو المريض وطلبوا من الممرضين الرجال فعل ذلك، وبعد عدة نوبات بدأ عدد النوبات في التنازل، ونحن لا نقول هنا بأن المريض يدعي النوبات او يكذب، ولكنه لا شعوريا يحصل على مكافئة على النوبة، بالطبع للصرع اسباب بيولوجية وغيرها كثيرة، وليس كل حالات الصرع يكون هناك ما يدعمها سلوكيا ولكن هناك حالات هكذا،
وهناك امراض كثيرة يمكن تجنبها بسلوكيات بسيطة، فمثلا امراض الضغط والسكر يمكن زيادة الوقاية منها من خلال زيادة الحركة والغذاء الصحي، والامراض المعدية يمكن الوقاية منها من خلال النظافة كغسل الفواكه والخضروات وغسل اليدين بعد الحمام او بعد استخدام كمبيوتر عام او مصافحة شخص مريض بالزكام مثلا، وهكذا، فالتركيز لا يجب ان يكون فقط على العلاج الدوائي والجراحي بل والسلوكي ايضا، والاطباء بعرفون انه يصعب التحكم في الامراض المزمنة ما لم يغير المريض من سلوكه المؤدي الى المرض، والطب السلوكي يعمل على تغيير السلوك المؤدي للامراض وزيادة السلوكيات الصحية،
د. ماجد عشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق