هناك امور كثيرة تشغل وعي الانسان في كل لحظة، والوعي لا يعني ان يكون الشخص مستيقظا، فالوعي مستمر اربع وعشرين ساعة خلال حياة الانسان، في النوم يكون الوعي مشغولا بالمشاعر والرغبات والاحلام الداخلية، وفي اليقظة يكون مشغولا بالامور التي تجلبها الحواس من بصر وسمع واحساس، كما يكون مشغولا احيانا بالمشاعر والرغبات واحلام اليقظة، فهناك وعي دائم في حياة الانسان ولكن ما يملأه يختلف من وقت الى اخر،
ولكن ليس كل الناس عندهم نفس النوعية والدرجة من الوعي في حالة اليقظة، فحالة الوعي عند الانسان يمكن ان تتأثر اذا كان يشعر بالنعاس او اذا كان مخمورا او اذا استخدم مخدرات، والوعي يتأثر ايضا ببعض الادوية واثارها، كما يتأثر بالحالة النفسية عند الشخص والمشاكل في حياته، وسأذكر هنا مثالا لتوضيح هذا، كأستاذ جامعي اقف امام الطلاب في قاعة المحاضرات والقي المحاضرة في موضوع معين، وقد يكون في القاعة مائة طالب، ولكن درجة وعيهم بالمحاضرة تختلف، فهناك طلبة يكونون على وعي كبير ويستمعون بتمعن ويكتبون ملاحظاتهم ويسألون ويجيبون، وهناك طلبة وعيهم مشغول بامور اخرى او متاثر بعوامل اخرى، فمثلا هناك طلبة يبدو عليهم النعاس لأنهم لم يناموا جيدا في الليل، وهناك طلبة يسرحون اثناء المحاضرة نتيجة وجود مشاكل في حياتهم او رغبات غير مشبعة او مشاعر مكبوته، وهناك طلبة قد يتأثر وعيهم بدواء او مخدر او غيره، وهناك طلبة عندهم مشاكل نفسية من قلق او اكتئاب مثلا تؤثر على تركيزهم ووعيهم، فهؤلاء الطلبة يجلسون في نفس القاعة ويستمعون لنفس المحاضرة ولكن وعيهم بها يختلف، وهذا ينطبق على مجالات الحياة عموما، فليس كل الناس واعون بما حولهم بنفس الدرجة والنوعية، ولا نقصد الوعي الثقافي ولكن الوعي النفسي والعقلي، ادراك الواقع من حولهم،
والايحاء هو ان تجعل شخص يفكر بطريقة معينة او يفعل شيئ معين وهو يعتقد ان ما يفكر به او يفعله نابع من نفسه وعن قناعة، الناس توحي بعضها لبعض طوال الوقت، فمثلا شخص يقترح اكل نوع معين من الاكل او الذهاب الى مطعم معين والاخرون يقتنعون ويفعلون وربما في رأيهم عن قناعة، هناك اشخاص عندهم القدرة على الايحاء الى الاخرين وهناك اشخاص من السهل الايحاء اليهم ودفعهم الى فعل امور معينة، كما ان هناك اناس من الصعب الايحاء اليهم، الشخص الذي تعود على الطاعة منذ الصغر يسهل الايحاء له، فهو مطيع، وكل ما في الامر ان الشخص الذي يعطي الاوامر او الايحاءات تغير، ولكن الشخصية المطيعة من السهل الايحاء لها بامور، اما الشخصية الاستقلالية والتي تفكر جيدا في الامور فانها يصعب الايحاء لها، وهذه الايحاءات تؤثر على الطريقة التي يفكر ويتصرف بها الشخص ورؤيته للامور، وهذه المعاني موجودة في الدين عندما شجع الناس على التفكير والتدبر وعدم الانصياع الاعمى للاوامر وما وجدوا عليه الاباء، كما حدث مثلا في قصة أبراهيم عليه السلام،
غالبية مشاكل الناس تنتج عن وعي متأثر بعواطف جياشه او مخدرات او خمر او مشاكل نفسية عميقة او مجرد ارهاق وعدم راحة، كما تنتج عن تأثر الوعي بالايحاء من قبل اشخاص عندهم قدرة على ذلك، والشخص يكون عرضة اكثر للايحاء اذا كان صغيرا في السن او قليل الخبرة او الثقافة او مرهقا او تحت تأثير مسكر او مخدر او مرض نفسي، او اذا كان في حاجة شديدة للحب والتقبل والانتماء مما يدفعه للطاعة على امل الحصول على هذه الامور، او اذا كان في حالة انعزال اجتماعي او فكري بحيث يصبح الشخص الذي يوحي هو المصدر الوحيد للمعلومات وتعريف الواقع، فعزل الشخص عن اهله ومجتمعه والاعلام والثقافة شرط اساسي من شروط قوة الايحاء حيث يكون الشخص معتمدا بشكل شبه تام على الموحي في تعريف نفسه والاخرين والواقع، فوعي الشخص هنا تكون بناء على الانعزالية، ويصبح هناك خوف وكره شديد لكل ما يهدد تصوراته الناتجة عن هذه الانعزالية والايحاءات، ويتجنب الشخص الاختلاط بمن لهم وعي مختلف، ويختلط فقط مع من يشاركونه نوعية الوعي، فمثلا نجد المدمنين دائما يجتمعون في جلسات خاصة وكذلك المنحرفين والمجرمين بانواعهم،
هناك انواع من الوعي يتشارك فيها عامة الناس، ولكن هناك انواع من الوعي تكون شاذة ومنحرفة ومتطرفة وناتجة عن عوامل غير طبيعية، وينتج عن حالات الوعي الشاذة هذه تصرفات شاذة، ومن وظيفة اهل العلم والمفكرين والادباء والمثقفين والاعلام واهل الحل والعقد صناعة وعي انساني راقي قائم على مفاهيم وتصورات واخلاق بناءة صالحة للفرد والمجتمع ومقاومة انواع الوعي الشاذة الناتجة عن خلل نفسي او اسري او ثقافي او غيره،
د. ماجد عبدالعزيز عشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق