من المواد التي اقوم بتدريسها في الجامعة مادة علم النفس الحضاري، وهو فرع من علم النفس يدرس العلاقة بين النفسية وحضارة الشخص، ومن الجوانب التي درسها علماء هذا المجال الفروق بين الحضارات في تربية الاطفال، واتطرق هنا الى بعض هذه الفروق واهميتها،
في الدول الغربية عموما وفي كثير من الدول الاخرى يقوم الوالدان بتصميم غرفة في المنزل مخصصة للطفل ويجعلونه ينام فيها منذ الولادة تقريبا، ولا يحبون ان ينام معهم الطفل او المولود الجديد في نفس الغرفة حفاظا على خصوصيتهم وراحتهم ومحاولة لتدريب المولود الجديد على "الاستقلالية" وحرصا على ان لا يصاب المولود بأذى ان حصل ونام معهم في نفس السرير و "انقلب" عليه احد الوالدين اثناء النوم دون علم منه، وهذا الوضع من تخصيص غرفة للطفل لا يحدث الا في الدول الغنية او التي يملك سكانها وسعة في المنازل حتى يمكنهم تخصيص غرف للاطفال، فكلنا يعلم، على الاقل من الافلام، انه في بعض الدول وبين الطبقات الفقيرة تطر عائلة كاملة مكونة من اب وام وابناء وبنات وحتى جد وجدة من النوم في غرفة واحدة وربما تتستخدم بعض الستائر القماشية للفصل بين النائمين في حالة الحاجة للخصوصية، وانا لا اتحدث عن اقلية من البشر ولكن الكثير يعيشون كذلك في الهند والصين وافريقيا وامريكا الاتينية وبعض الدول العربية وغيرها من المناطق، فتخصيص غرف للاطفال هو رفاهية يحصل عليها فقط قلة من الناس،
كما ان فكرة عزل الطفل في غرفة لوحده لها سلبياتها، الكبار يجدون صعوبة في النوم وحدهم فما بالك بالصغار الذين هم في حاجة للرعاية والعناية وخيالهم خصب، الطفل في بداية سنوات عمره في حاجة للتعلم كيف يمكنه ان يعتمد على الاخرين ومن خلال ذلك ينمو عنده الاحساس بالانتماء والامان والثقة بان الناس يفهمونه وانه يمكنه طلب احتاجاته من الناس وسوف يحصل عليها، نعم، الطفل لا بد ان يتعلم الاعتماد قبل ان نعلمه الاستقلالية، اذا اشبعت حاجة الطفل للاعتماد عندها ينمو ويستقل، كل شيئ له وقته، وهناك مرحلة لتعلم الاعتماد في اول خمس سنوات ومرحلة لتعلم الاستقلالية عندما يبدأ الذهاب الى الروضة والمدرسة، لا داعي للاستعجال،
تواجد الطفل في غرفة لوحده منذ الولادة يجعله يتعود على ان لا يحصل على ما يريد الا اذا بكى، فالوالدان لا يأتون اليه الا اذا بكى وسمعوا بكائه، ولكن ان تواجد الطفل معهم في الغرفة فان الوالدان يكونان على تواصل معه دون الحاجة للبكاء، عندها يتعلم الطفل انه لا داعي ان يكون في ازمة حتى يحصل على انتباه الناس وعلى احتياجاته، بالطبع تواجد الطفل في الليل في غرفة الوالدين قد يكون مزعجا كما انه يحرم الوالدين من الخصوصية المطلوبة في الحياة الزوجية، فكثير من الازواج يشتكون من اصرار اولادهم على النوم معهم في نفس السرير وكثير من العلاقات الزوجية فسدت وانتهت بالطلاق نتيجة مثل هذه المشكلة على المدى الطويل، فقد يستخدم احد الزوجين ذلك حجة لتجنب المعاشرة الزوجية او للانتقام من الزوج او الزوجة نتيجة غضب ما، فالطفل عنده احتياجات والزوجة والزوج عندهم احتياجات ولا بد من ترتيب الامور بشكل يكفل اشباع احتياجات الجميع،
ومن الفروق الحضارية الطريقة التي يحمل فيها الطفل عندما يكون خارج المنزل، فمثلا في الدول الغربية يوضع الطفل في عربة الاطفال وهو في نفس اتجاه من يدفع العربة ان كان الوالد او الوالدة، بمعنى ان الطفل لا يرى من يدفعه او يتحدث اليه كثيرا، ويكون الهدف هو ان يكون الطفل مربوطا في كرسي العربة حتى لا يجري بعيدا ويعرض نفسه للخطر، وفيه راحة للوالدين وللطفل، ولكن هنا ايضا مشكلة، الطفل قد يجلس في هذه العربة لساعات احيانا وذلك مضرا بصحته ونموه حيث انه يحتاج للعب والحركة والمشي حتى تنمو عظامه وعضلاته، وقد ينام في هذه الكرسي من الاحساس بالملل حيث لا احد يكلمه او يلعب معه او يشرح له ما يحدث، بعض الاهالي يجعلون الطفل يمشي بجانبهم ويمسكون يده، وهذا يتطلب تفاهم بين الاهل والطفل على ان لا يترك يدهم ولا يجري بعيدا ويضيع او يعرض نفسه للخطر، الاطفال يحبون المشي والامساك "باصبع" الاب او الام وهم يمشون، وعادة ما يشعرون بالسعادة في ذلك، ولكن هذه مسؤولية ولا بد للاهل ان يرتبوا ان يكون دائما هناك شخص يراقب الطفل ويراعيه في كل لحظة حتى لا يضيع او يعرض نفسه للخطر،
بعض الاهالي يربطون اطفالهم بحبال او حزام طرفه في ايديهم، وهذا لا ينصح به لانه فيه معاملة شبيهة بمعاملة بعض الحيوانات المنزلية،
وبعض الاهالي يضعون الطفل في كرسي او قماش على هيئة كرسي محمول عل الظهر او على صدر الاب او الام، وهذا يكون مع الاطفال الصغار جدا ومنتشر في اوروبا وافريقيا اكثر من المناطق الاخرى،
وبعض الاهالي يتركون اولادهم مع المربيات وحتى ان خرجوا من المنزل تمشي الام او الاب بعيدا والطفل مع المربية، بالطبع الام تحتاج الى مساعدة في مسؤولية الاولاد ولكن من المهم ان يكون هناك علاقة بين الطفل والام والاب تحتوي على لعب وتمشية معا ومحادثة، من المشاكل التي يعاني منها بعض المجتمعات عدم احترام المرأة والجرائم ضد المرأة، واحد العوامل في ذلك هو ان الولد الصغير ينشأ على يد مربية "تخدمه" ويعلم انها تفعل ذلك في احيان كثيرة لاستلام المرتب اخر الشهر وانها قد تهان وتطرد وتستبدل بغيرها، الطفل لو كانت الام تقوم بتربيته لوجد ان لها سلطة عليه ولها احترامها في الدين والتقاليد ولعلم انها تربيه حبا فيه وليس للمال، الولد لا بد ان ينشأ على احترام المرأة وتقديرها وهذا يحدث عندما يشعر بالاحترام للنساء في حياته منذ الصغر ولا يرى اهانة لهم او اعتداء عليهم، ولكن تركه مع المربيات لا يولد لديه الا مشاعر غير محمودة، هناك بالطبع مربيات يحبون الاطفال ويحسنون اليهم ولكن لا يقارن ذلك بما لو قامت الام بهذا العمل بشكل اساسي وكانت المربية مساعدة في الموضوع، وكما ذكرنا في مقال اخر، فان علاقة الام بالاولاد والبنات تساعد على نقل تعاليم الدين والتقاليد الى الاطفال ومن ثمة تجهيزهم للعيش في المجتمع، وهذا لا يحدث من خلال المربيات الاتي ياتين من حضارات اخرى،
وهناك اهالي يستخدمون الضرب والشتم كأسلوب للتعامل مع الاولاد وهناك اهالي يستخدمون الحوار والاقناع والتعليم، وتحدثنا عن اضرار العنف مع الاولاد في مقال سابق، وهناك فروق حضارية في هذا الامر، فمثلا في امريكا يميل الامريكيون من اصل افريقي الى استخدام العنف مع اولادهم حتى في الاماكن العامة بينما يميل الامريكيون من اصل اوربي الى استخدام الحوار والاقناع، ويقول بعض الامريكيين الافريقيين ان ذلك هو اسلوب حضارتهم، ولكن كل الدلائل والدراسات تقول ان استخدام العنف مع الاولاد والبنات له اضرار كبيرة، هناك تغيرات تحدث في المخ نتيجة العنف المتكرر وينتج عن هذه التغيرات اعراض نفسية في المستقبل، وكل الاديان تدعو للرحمة والرأفة بالصغار،
د. ماجد عبدالعزيز عشي
هناك تعليق واحد:
سلام عليكم دكتور...المقاله جدا رائعه ومفيده ولكن الا تلاحظ الى أن اكثر البلدان العربيه بدات تقلد المجتمع الغربي وذلك بسبب طريق تحسن المعيشه وخاصه في دول الخليج مثلا...
وانا اقول هنا ان الطفل يجب الا يتعلق بأبويه لان ذلك قد يضر بالابوين من ناحيه الخصوصيه الزوجيه مثل ما ذكرتم او من ناحيه كبر اماكن التسوق فالطفل يتعب من المشي يجب ان يوضع بمكان يريحه او بعض الدول وخاصه الغربيه تفرض عليك ان تضع الطفل في اماكن مخصصه ككرسي السياره غيره....عالعموم مشكور دكتور على المقالات الجيده والمفيده ووفقك الله لكل خير وشكرا.
إرسال تعليق