الخميس، 4 يونيو 2009

المناسبات وعلامات التحول في حياة الانسان

في كل مجتمع هناك مراسيم معينة تكون عادة في احتفالات معينة لتعلن عن مرحلة انتقالية في حياة الناس أفرادا أو جماعات، فمثلا حفلات الزواج في الحضارات المختلفة تحتوي على "مراسيم" مختلفة، منها مثلا جلوس العروسين في "الكوشة" ولبس العروس الفستان الابيض واكل الكيك مثلا، وفي الهند مثلا يكون اللبس مختلفا شيئا ما ويقوم العروسان بالمشي حول أشياء معينة، وهناك طقوس مثلا لحفلات التخرج، حيث يلبس الاساتذة لباسا معينا ويلبس الطلاب لباسا اخر، ويقوم المسؤولون بالنداء على الطلاب ويصعدون للمنصة ويحصلون على شهاداتهم، وهناك مراسيم في مناسبات أخرى، هذه المراسيم مهمة جدا لنفسية الناس، لماذا؟

لأنها اعلان عن ان الانسان قد انهى مرحلة ودخل أخرى في حياته، من قدم الزمان والانسان عنده طقوس ومراسيم يعبر بها عن انتهاء مرحلة ودخول أخرى، فحفلة التخرج هي اعلان ان الشخص قد انهى مرحلة الدراسة السابقة وبدأ حياة جديدة، وحفلة الزواج هي اعلان ان الشخص قد انهى حياة العزوبية وارتبط بانسان في حياته، وجزء مهم من هذه الاحتفالات هو وجود الشهود، فالجامعة والاهالي يشهدون على انهاء الشخص لدراسته بنجاح او لعزوبيته وبداية حياة الارتباط بشخص اخر، فوجود "المشاهدين" والشهود مهم في هذه الاحتفالات، لماذا؟
لأن الانتقال من مرحلة الى اخرى في الحياة يتطلب التقبل والاعتراف الاجتماعي بهذا الانتقال، هي عملية اجتماعية، فهذه الحفلات هي تجهيز للمجتمع عموما للتغيير القادم بالاضافة لتجهيز الافراد الذين يخصهم الشأن،

ولكن ما أهمية هذا الموضوع؟

أهميته تكمن في غياب وجود المراسيم والاحتفالات الاجتماعية التي تعلن عن تحول "الطفل" الى "رجل"، أو تحول "البنت" الى "امرأة"، في الماضي العتيق كان الناس يطلبون من الفتى ان وصل البلوغ مثلا ان يذهب ويصيد غزالا وحده واذا اتى به اقاموا له حفلا عاما لاعلان انه تحول من الطفولة الى الرجولة وانه دخل عالم الرجال، عندها لا يوجد شك في عقل هذا الفتى انه رجل، أما اليوم، في العالم عموما، لا توجد طقوس واحتفالات لمثل هذا الاعلان، وعندها يبدأ المراهق بعمل أشياء ضارة أحيانا لأثبات رجولته، فمثلا قد يسوق السيارة مسرعا لأثبات رجولته، وقد يدخن لأثبات رجولته، وقد يشرب الخمر أو يستخدم المخدرات، وقد يمارس الجنس ويسعى الى تعدد العلاقات مع الفتيات لأثبات أنه رجل، وقد ينضم الى عصابة أو الى تنظيم سياسي يتبنى العنف لأثبات أنه رجل، وقد يضع "التاتو" أو يحارب أهله وتقاليد المجتمع لاثبات أنه رجل، وهذا لأنه لا يوجد خط فاصل وواضح في عقله بين الطفولة والرجولة، ولو كان هناك احتفالا عاما ونوع من العلامات والمراسيم لما أحتاج لكل هذا،

وينطبق هذا على الفتيات، فكثيرات في العالم يضعن الميكياج الصارخ ويلبسن بطريقة تهدف لأثبات انهن أصبحن "كبيرات" ودخلن عالم النساء، وفي بعض المجتمعات تمارس الفتيات الجنس في سن المراهقة فقط نتيجة ضغط الصديقات ولأثبات انهن اصبحن "نساء"، وقد يحملن في سن مبكرة أيضا رغبة في الشعور انهن دخلن عالم "الامهات" والنساء، والتدخين واستخدام المخدرات والصراع مع الاهل والتقاليد تكون في كثير من الاحيان لأثبات انهن "كبيرات" وانهن قادرات على اتخاذ القرار، أيضا لو كان هناك احتفالات تعلن انتقال الفتاة الى مرحلة المرأة لخفت كثيرا مثل هذه الظواهر،

الموضوع ليس موضوع حفلات وطقوس ومراسيم وحسب، الموضوع هو ان المجتمع عليه أن يحدد ما هي الاشياء التي على الفتى والفتاة عملها حتى يصبحوا رجالا ونساء، كل مجتمع عليه أن يحدد ذلك بنفسه تبعا لتعاليم دينه وحضارته والاعراف المتواجدة فيه، فقد تكون العلامة أن نطلب من الفتى أن يؤلف قصيدة شعرية في ما يهم المجتمع ويلقيها أمام الناس، أو ان يقوم بزراعة قطعة أرض، أو أن يقوم بخدمة والديه أو الحي لمدة ما، وبعدها يكون هناك احتفالا لاعلان دخوله مرحلة الرجولة، لا بد أن يقوم بعمل ما يغرز فيه معاني الرجولة والمسؤولية وبعدها يكون الاعلان، وينطبق نفس الامر على الفتيات، كالتبرع في العمل في الجمعيات الخيرية، أو تعلم مهارات معينة وما الى ذلك مما يجده النساء مناسبا، لابد من وجود خطوط واضحة في عقل الناس توضح الانتقال من مرحلة الى أخرى في الحياة، أحيانا يتمسك الانسان بمرحلة في حياته ولا يريد تركها، وهذه الاحتفاليات والمراسيم تساعده على الانتقال من مرحلة الى أخرى، قد يكون ما تعاني منه هو غياب الخطوط الواضحة التي تحدد أين النهاية وأين البداية.
د. ماجد عبدالعزيز عشي

ليست هناك تعليقات: