الضغوط النفسية المختلفة التي يعيشها كثير من الناس هذه الايام تجعل الناس يشعرون انهم في حالة خطر في كثير من الاحيان، وهناك اخطار يعيشها الناس فعلا وهناك اخطار يتخيل الانسان حدوثها ويخاف ان تحدث، وفي كلتا الحالتين يقوم المخ من خلال الجهاز العصبي والهرمونات بارسال اشارات لأعضاء الجسم المختلفة حتى تكون في حالة استنفار تحسبا للخطر الموجود او المتخيل، فالمخ يرسل اشارات تسرع من دقات القلب والتنفس وتجعل عضلات الجسم تتوتر، وهذا ما يجعل الشخص يشعر بالتوتر والشد الجسدي تحت الضغط النفسي، والاسترخاء في حقيقته هو بشكل كبير استرخاء لعضلات الجسم، فاذا كان الخوف والاحساس بالتهديد الجسدي او النفسي يؤديان الى التوتر العضلي فكيف يمكن لنا عكس ذلك؟
نقطة البداية هي في الخيال، فلو نظرت بعمق لوجدت انك انت من يخيف نفسك!! نجلس ونتخيل اسوأ الامور ونخاف!! كالطفل الصغير الذي يتخيل وجود وحش تحت السرير ويخاف، ينسى هذا الطفل ان ما يتخيله هو ما يخيفه وانه يمكنه تخيل أمور اخرى، الجسم البشري لا يعرف الفرق بين الحقيقة والخيال، فالجسم ينفعل للخيال كما لو انه حقيقة، الامر الذي يتحكم في هذا الشيئ هو اننا اثناء الاستيقاظ نستلم رسائل عبر حواسنا من الواقع تذكرنا ان الواقع ليس هو الخيال، فمثلا قد تكون في قاعة المحاضرات ويسرح خيالك بعيدا عن اشياء لا علاقة لها بالمكان او الزمان الذي انت فيه، كأن تسرح وتفكر في رحلة تود الذهاب اليها مع اصدقاءك، وبعد حين تنتبه لصوت المحاضر او لأحد زملائك وتعود الى المكان والزمان في قاعة المحاضرة، تخيل لو اننا منعنا عنك كل الصوت والضوء والاحاسيس الجسدية، ماذا سيحدث؟ لن يبقى غير الخيال، وهذا ما يحدث الى حد كبير اثناء النوم، والجسم ينفعل لهذه الخيالات، فنحن نتخيل اشياء ونفكر اشياء تخيفنا او تغضبنا او تحزننا او تفرحنا، وهنا يبدأ الحل
هناك بالطبع امور في الواقع تقلقنا وتخيفنا وتغضبنا، وهذه المشاعر تساعدنا على التأقلم مع هذه الامور، الخوف يجعلك تتجنب الخطر، والغضب يجعلك تدافع عن نفسك، والحزن هو ردة فعل لخسارة ما، وفي الاحوال العادية قد يستمر الخطر برهة من الوقت ويزول، وبعد ذلك يعود الشخص لحالته الطبيعية، ولكن في كثير من الاحيان يقوم الشخص بتخيل الاخطار وينفعل لها، فهو كمن يضغط جرس الانذار بنفسه وينزعج لصوت الجرس ولا يعلم انه هو من يضغط على الجرس، نحن نتخيل ونتذكر وننفعل عاطفيا وجسديا لهذه التخيلات والذكريات، ويمكنك ان تختار ما تتخيل
فحتى تساعد نفسك على الاسترخاء العضلي والجسدي والنفسي عليك ان تتخيل امورا مريحة، تخيل مثلا انك على شاطئ البحر في حالة استرخاء، او تخيل انك في حديقة جميلة، هل تذكر مرة ان زرت مكانا في حياتك شعرت فيه بالاسترخاء، تخيل انك في ذلك المكان، جسدك سينفعل لذلك الخيال، ويقوم المخ بارسال اشارات للجسم والعضلات تعاكس اشارات الضغط النفسي، فتجد ان عضلاتك استرخت وان تنفسك ودقات قلبك اصبحوا اقل تسارعا، وحالة الاسترخاء الجسمي هذه تساعد على خفض ضغط الدم والسكر في الجسم، كما تساعد على تخفيض هرمون الكرتيزول الذي يفرزه الجسم تحت الضغط النفسي، وهذا الهرمون يساعد في مقاومة الضغط النفسي ولكن وجوده بكمية كبيرة في الجسم لوقت طويل يزيد من ترسبات الدهون في الشرايين والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم وزيادة السكر والاسراع في علامات كبر السن وامور اخرى كثيرة، لذلك وجد العلماء ان الاسترخاء لمدة عشرين دقيقة يوميا له فوائد صحية وجسمية ونفسية كبيرة، والاسترخاء يساعد على انقاص الوزن ايضا من خلال تقليل الضغط النفسي الذي يدفع بعض الناس للأكل الزائد ومن خلال المساعدة على الاحساس بالشبع، فالاسترخاء هو كالخروج من اللعبة لوقت ما للمراقبة والمشاهدة وليس اللعب، هو توقف اختياري وحصول على نظرة جديدة للحياة تكون نابعة من الاعماق
اذا عزيزي القارئ، توقف عدة مرات في اليوم عما تفعل، اختر ان تتوقف، ان تخرج من طاحونة الحياة، وامضي عشر دقائق في سكينة، وتخيل امور جميلة، اشياء جميلة، اختر ان توجه تفكيرك لما هو جميل وحسن، لما يزيدك قوة لا ضعفا، سكينة لا خوفا، واسترخاء لا توترا، فان كان ما تتخيله وتفكر فيه جميلا مطمئنا مستكينا ستكن انت جميلا مطمئنا ومستكينا في نفسك وفي جسدك
د. ماجد عبدالعزيز عشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق