هناك حالتان عقليتان، حالة تشجع على الصراع بين الافراد او الجماعات او الدول، وحالة تشجع على التعاون بين الافراد او
الجماعات او الدول، عقلية الصراع تعتبر ان هناك فائز وخاسر، عقلية التعاون ترى أن خسارة طرف هي خسارة للجميع ومكسب طرف هو مكسب للجميع، في عقلية الصراع هناك مصالح متناقضة وعداوات، في عقلية التعاون هناك مصالح مشتركة وادوار يقوم بها الاطراف المتعاونة، لعقلية الصراع نحن نعيش في غابة والبقاء فيها للأقوى او الأذكى، لعقلية التعاون نحن، سواء في الاسرة او المجتمع او بين الدول، كجسد واحد، يقوم فيه كل عضو وجهاز بدور لبقاء الجميع
الصراع يحدث أحيانا نتيجة تصادم المصالح او تنافس او رغبة من طرف في أخذ ما ليس من حقه، ولكن عند البعض عقلية تفسر وتحول كل وضع او أمر على انه صراع، وينظر للأمور من منطلق مصلحته الذاتية الضيقة على حساب رؤية شاملة واسعة الافق، عقلية الصراع هي عقلية من العصر الحجري مازالت تعيش وتمشي بيننا، عقلية نشأت في العصر الحجري للتأقلم مع ظروف ذلك الزمن، قبل تطور اللغة، عندما كانت الناس تميل للفعل الجسدي والعنف لا للفكر والحوار والتعاون الجماعي، وتم توارث هذه العقلية وهذا الفكر جيلا عن جيل عند البعض، بل هي مبرمجة في تكوين المخ البشري ومازالت اساليب التكيف مع ذلك الزمن موجودة في المخ، غالبية البشر لا تفكر هكذا على الاقل بشكل واعي، اليوم غالبية البشر على الارض يرغبون في التعاون والسلم والازدهار للبشرية جمعاء، سياسات العصر الحجري القائمة على الصراع والقتل والتدمير و اثارة الغرائز البهيمية العدوانية اصبحت مكشوفة وغير مقبولة عند عامة البشر اليوم، عقلية الصراع تقوم على اقناع الناس بأن الاخر مختلف، كان ذلك ممكنا في الماضي عندما كانت الناس معزولة عن الاخرين، اما اليوم في زمن تواصل الامم والشعوب عرف الناس ان الاخر لا يختلف عنهم كثيرا، وان كان هناك خلاف فيمكن التعايش والحوار والاختلاف دون تطور الامور لصراعات
مع الاسف، كثير من الناس تنتكس الى عقلية العصر الحجري من صراع واستخدام للعنف عندما تكون هناك ظروف تجعلهم يعتقدون ان الاساليب الاكثر حضارية لا تجدي نفعا، هذه مشكلة، لا يمكن لنا كبشر ان نرتد لمراحل اولى في حياة البشرية ونستخدم وسائلها كلما واجهتنا عقبات او يأس، في الماضي كانوا يستخدمون حجارا في المعركة، اليوم هناك مسدسات وصواريخ وقنابل واسلحة دمار شامل واسلحة نووية، الارتداد اليوم مكلف للغاية، ولكنه محتمل، بل يحدث في اشكال العنف المختلفة التي نراها اليوم
لابد من خلق اوضاع اجتماعية واسرية ودولية وقانونية تجعل من الحوار والتعايش والاختلاف دون استخدام للعنف هي اساليب الحياة، لا بد ان نربي اطفالنا على اساليب حضارية جديدة، ولا بد ان نرفض استخدام العنف في البيت او المجتمع او بين اطياف المجتمع او بين الدول في العالم، وفي نفس الوقت لا بد من تطوير الاوضاع التي يسود فيها العدل وحماية الناس وحقوقهم، اليأس هو بداية الانتكاسة، لا بد من انهاء عقلية الصراع واساليبها واحلال عقلية التعاون واساليبها، عقلية الصراع هي الطريق الى الدمار والعصر الحجري وما قبله، وعقلية التعاون لما فيه خير الجميع هي الطريق الى الازدهار ومستقبل افضل للجميع وللاجيال المقبلة
د. ماجد عبدالعزيز عشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق