قبل عدة أيام كنت انتظر صديق لي في سيارتي في مدينة بوسطن، وكان الجو جميلا والعديد من الناس يمارسون رياضة الركض كما هي العادة في المدينة، ومر بجانبي شابة وشاب في العشرينات من العمر، وفجأة توقفت الشابة عن الركض وبدأت تشير بيدها الى شيئ ما اعلى احدى الاشجار امامها، ونظر الشاب الى ما تشير اليه ولكنه لم يراه حيث انه كان اطول منها شيئا ما وفي مكان اخر غيرها، ولكنها حاولت جاهدة التي تجعله يرى ما ترى، ولكنه لم يستطع من مكانه، فذهب الشاب وراءها وحنى ركبتيه حتى يكون في طولها واخذ ينظر الى المكان التي تشير اليه من زاويتها، وعندها أمكنه رؤية ما كانت تشير اليه، طير جميل في حجم النسر يجلس على غصن احدى الاشجار، ما كان يمكن لهذا الشاب أن يرى ما تراه هذه الشابة لو لم يرى الامر من زاويتها ولو تطلب ذلك ان ينحني قليلا ويغير مكانه، كان مهما لها ان يرى ما تراه ومهما له ان يرى ما تراه، شيئ جميل ان نحاول ان نرى الامور من زوايا الاخرين،
كل منا يرى الحياة من زاويته، من مكانه في الحياة، ولا احد يملك الحقيقة كاملة، هي فقط رؤيا من زاوية واحدة، وحتى تكتمل الصورة لا بد ان نرى الامور من زوايا مختلفة ونضع هذه الزوايا معا لنرى الصورة الكبيرة، ربما تعلمون قصة مكفوفي البصر والفيل، ذهب مجموعة من مكفوفي البصر الى حديقة الحيوان، وامسك كل منهم بطرف من الفيل، فقال الذي امسك بالفيل من ذيله أن الفيل نحيف وطويل، وقال الذي أمسك بأنف الفيل أن الفيل سميك وطويل، وقال الذي أمسك بأذن الفيل ان الفيل رقيق وعريض وهكذا، واخذوا يتصارعون فيما بينهم، والحقيقة هي في ان نجمع كل ما يقولون،
علمتني الحياة أن الناس قليلا ما يكذبون، ولكن كل منهم يقول جزء من الحقيقة، وقد يبدو الامر متعارضا في البداية، ولكن الحكيم هو من يضع الاجزاء معا ليعرف كامل الحقيقة، وعندما يصر كل طرف بأن يرى الامور من زاويته فقط ويرفض ان يعترف بأن هناك زوايا أخرى لرؤية الامور ويصر على ان أي رؤية أخرى غير صحيحة عندها يقع الخلاف والصراع، هذا المبدأ بسيط جدا، فمثلا ان كنت تريد ان تصف أي شيئ بشكل صحيح ككرسي مثلا او سيارة او غيره فلا بد ان تتنقل حول هذا الشيئ وتراه من كل الجوانب حتى ترى الصورة كاملة، وهذا ينطبق على كل الامور في الحياة،
لابد ان ترى الامور من وجهة نظر زوجتك حبيبتك وأولادك وأهل بلدك ومن وجهة نظر الاخرين أيضا حتى ترى الصورة أفضل، وحتى يمكنك ان تفعل الصحيح، الناس حولك ستحاول أن تشرح لك الامور من وجهة نظرهم، وان تمعنت في الامر لشكرتهم لانهم يساعدونك على زيادة وعيك ويعطونك قطعة جديدة في الصورة الكبيرة، فالناس تتعاون من أجل معرفة الحقيقة، الواثق من نفسه ومن معرفته لا يخاف أن يرى الامور من عدة زوايا،
حاول أن ترى الامور من وجهة نظر الاخرين، يتطلب الامر تضحيات، فذلك الشاب غير مكانه وثنى ركبتيه حتى يرى ما تراه، من المريح ان تقف في مكانك وترى الحياة من زاويتك، ومن المخيف أن تعرف مدى محدودية علمك، وتضحي بشيئ مما عندك من اجل رؤية الامور من زاوية أخرى، حاول، ربما سترى ذلك الطير الجميل الذي ارادت تلك الشابة ان تجعل ذلك الشاب يراه،
د. ماجد عشي
هناك تعليق واحد:
سلام عليكم دكتور....
انا في البدايه اتفق معك ولكن هل نحن فقط المسؤلون ان نضحي لايصال نظرة الاخرين الينا ؟ولكن ماذا نفعل عندما المقابل لا يفهم وجهة نظرنا نحن؟؟؟...
مع الشكر الجزيل للمقاله.
إرسال تعليق