الأحد، 1 أغسطس 2010

الزمن من الناحية النفسية



الزمن موضوع مهم ولكن قليلا ما يبحث فيه الناس، وسوف اتحدث قليلا هنا عن الزمن من الناحية الفيزيائية والبيولوجية والفلسفية والنفسية، اولا، ما هو الزمن من الناحية الفيزيائية؟
الزمن مرتبط بحركة شيئ ما او بالتغير، فمثلا عندما تلف الارض دورة كاملة حول نفسها نقول ان يوما قد مضى، او عندما ينهي عقرب الدقائق دورة كاملة نقول ان ساعة قد مضت، او عندما تنهي الارض دورة كاملة حول الشمس بأن عاما قد مضى، الزمن والحركة مرتبطان، وكل شيئ في هذا الكون يتحرك ويتغير ولا شيئ ثابت، حتى وانت جالس على مقعدك في البيت فانت تتحرك، الارض تدور بك، والخلايا تتحرك، والالكترونات في جسدك تتحرك، والدم يتحرك، وهكذا، حركة مستمرة وتغير مستمر، الجبال تتغير ولو ببطئ، والنجوم والبحار والانسان وكل شيئ، فلو تخيلنا ان كل شيئ في الكون بلا اي استثناء توقف عن الحركة او التغير، هل سيكون هناك زمن؟ ولو لم يكن في هذا الكون أي مادة تتحرك او تتغير، بمعنى انه لو كان هناك فراغ تام، هل سيكون هناك زمن؟ بماذا يقاس؟ وهل هناك اكوان اخرى يكون فيها مفهوم الزمن مختلف تماما عنا؟ علماء الفيزياء من امثال اينشتين وعلماء الفلك والفلاسفة وغيرهم يبحثون في هذه الامور، علماء الفيزياء يعلمون ان الزمن في هذا الكون مرتبط بالمادة وحركتها وتغيرها، فمثلا عندنا في الارض السنة حوالي 365 يوما، بمعنى ان دوران الارض حول الشمس يأخذ هذا الوقت ليتم، ولكن السنة على كوكب اخر ليست 365 يوما، فكل كوكب يأخذ وقتا مختلفا عن الاخر ليتم دورة حول الشمس، وكذلك يأخذ وقتا مختلفا ليتم دوره حول نفسه، بمعنى ان اليوم على الارض ليس كاليوم على كوكب اخر، قد يكون عمرك الان اربعون عاما، ولكن لو ولدت على المريخ سيكون عمرك الان نصف ذلك لأن المريخ ينهي دورته حول الشمس في حوالي 668 يوما، مع العلم على ان طول اليوم على الارض مساو لطول اليوم على المريخ، على كوكب فينس اليوم الواحد اطول من السنة على ذلك الكوكب، بمعنى ان اكثر من عام سيمر قبل انتهاء يوم واحد، وعلى كوكب المركري اليوم يساوي 58 يوما من ايام الارض مع العلم ان السنة هناك تساوي 88 يوما من ايام كوكب الارض، اذا الزمن نسبي وله علاقة بحركة الاجرام والاشياء وتغيرها،
وهناك زمن مادي محسوس يعتمد على حركة الارض والشمس والضوء وما الى ذلك، وهناك زمن نفسي انساني يشعر به الانسان نفسيا، ففي دراسة طلبوا من مجموعة من الناس اغماض اعينهم وان يضغطوا على زر امامهم عندما يشعرون ان دقيقة قد مضت وهم مغلقون العيون، ووجدت الدراسة ان احساس الناس بالزمن ومضي الوقت يختلف من شخص لاخر وحسب العمر، كبار السن يضغطون الزر قبل الصغار، بمعنى ان الكبار في السن يشعرون ان الزمن يمر بطريقة اسرع مقارنة بالصغار، وكلنا يعرف الاحساس الذي يشعر به الناس احيانا عندما يكونون يستمتعون بوقتهم ويشعرون ان الزمن قد مضى سريعا "دون ان يشعروا به"، وفي حالات اخرى يشعر الانسان ان الدقائق تمر ببطئ كما في حالة انتظاره امر ما او عندما يكون في حالة ملل، وهناك ايضا الطريقة التي يرى بها الشخص الماضي والمستقبل، فقد يكون هناك شخصان مرا بنفس التجربة قبل عام، احدهما يشعر ان الحدث قد مضى عليه وقت طويل والاخر قد يشعر وكأن الحدث "حدث بالامس"، وقد يكون هناك موعد سيذهب له شخصان بعد يومين، احدهما قد يشعر ان الموعد قريب جدا والاخر قد يشعر انه بعيد، عوامل نفسية تدخل في ذلك، ولكن المهم هنا هو ان الناس تختلف في احساسها بالماضي والحاضر والمستقبل،
والاضطرابات النفسية قد تؤثر على احساس الشخص بالوقت، فالشخص القلق قد يرى الوقت يمضي سريعا بينما يشعر المكتئب بان الوقت بطئ جدا، والشخص الذي يعاني من الانفصام قد يظن انه يعيش في الماضي او المستقبل او ان الزمن يعود للوراء او قد لا يكون على وعي بالزمن مطلقا، فقد يساله الطبيب ما هو اليوم او في اي سنة نحن وقد لا يعرف او قد يتحدث وكأنه في عام اخر، وبعض الجنود المصابون بصدمات الحرب قد يتوقف عندهم الزمن ويعيشون طول الوقت وكأنهم في ارض المعركة حتى لو عادوا الى بيوتهم، احساسهم بالزمن يتوقف، وهذا ما يحدث نفسيا احيانا مع المحطمة قلوبهم نتيجة قصة حب فاشلة مثلا، فبعض هؤلاء يتوقف الزمن عندهم من الناحية النفسية عند اللحظة التي تحطم فيها قلبهم، الايام تتغير ولكن نفسيا وعاطفيا لا شيئ يتغير،
ومن الناحية العصبية الوعي بالزمن يختلف من حالة الى اخرى، فمثلا الانسان لا يعي بالزمن وهو نائم، وهذا يحدث ايضا تحت تأثير بعض المخدرات او الادوية، فهل مثلا تعي القطة او النملة او الطير او السمكة بالزمن بنفس الطريقة التي يعيها الانسان؟ هل الوعي بالزمن له اسس وراثية في تكوين الجينات؟
ووجد الباحثون ايضا ان حضارة الشخص تلعب دورا في رؤيته للزمن، فمثلا هناك شعوب تنظر للزمن وكأنه يسير في خط مستقيم، فالماضي يؤدي للحاضر والحاضر يؤدي للمستقبل، فهم يعتقدون ان ما يفعله الشخص اليوم سيؤثر في المستقبل، وحريصون على الوقت ولا يحبون اهداره، وحريصون على مواعيدهم، ويغضبون ان اضاع شخص وقتهم او لم يحافظ على الموعد، وهناك شعوب تهتم اكثر بالان واللحظة التي هم فيها، يستمتعون باللحظة ولا يقلقون كثيرا على المستقبل، وقد يركزون على الماضي اكثر، ولا يهتمون بالدقة في المواعيد، ولا يهتمون بموضوع اهدار الوقت،
فعلاقة الانسان بالوقت تختلف حسب المكان والحالة النفسية والجسمانية والعمر والحضارة وحركة الاشياء والتغير، ومن علامات الصحة النفسية ان تكون علاقتك بالزمن صحيحة، بان ينتهي "الزمن النفسي" ولا يبقى غير الزمن الخارجي، فعندما يكون عند الشخص مشاكل فانك تجده "سرحان" ويفكر، هو جالس معك ولكنه يفكر في امور بيته او عمله، وقد يفكر في المستقبل او الماضي، فهو في مكان غير المكان وفي زمان غير الزمان، تخيل لو انك كنت سعيدا في حياتك ولا يقلقك شيئ، فانك لن "تسرح"، وستكون "هنا" و "الان" جسديا ونفسيا، فكلما زادت التعاسة كلما غادر الشخص المكان والزمان نفسيا، وقد يحاول المغادرة جسديا ايضا، فمن السعادة وعلاماتها ان تكون "هنا" و "الان"، وان توجه طاقاتك ووعيك للمكان والزمان الذي انت تعيش فيهما، وكما قال الحكماء، افضل طريقة للتحضير للمستقبل هي في توجيه طاقاتك ومجهودك لعمل اليوم،

د. ماجد عبدالعزيز عشي

هناك 3 تعليقات:

عبدالكريم يقول...

سلام عليكم
اسعد الله صباحك دكتور ماجد
كالعاده مبدع في طرحك
اثناء استمتاعي بقراءة هذا المقال
احسست بدوار في راسي من كمية المعلومات الجديده علي
اعجبت بحديثك عن السنه الكونيه في التغيير
وان كل ما حول الانسان يمشي ويتغير وفي حركة مستمره
،
وهذا درس يجب ان يعيه بني البشر
كذلك اعجبت بالمقارنه بين الانسان على الارض والانسان على المريخ
هل تتوقع يادكتور ان النمو النفسي للانسان يتغير ؟
لا اعلم اعتقد ان هذا السؤال سوف يطرح اذا استمر الانسان هذا الكوكب
،
لفت انتباهي واقع الزمان على المضربين نفسيين وكيف يؤثر عليهم
الا يمكن استخدمه كمحك تشخيصي ؟
او نستفيد منه في ادارة الجلسة النفسية ؟
،
من يعيش الان ومن يعيش في الماضي
جميل ما كتبت
احييك على هذا الابدع
، ، ،

سؤال شخصي
دكتور بحثت عن كتابك ( الطبية البشرية والسلوك الإنساني ) في مدينة الرياض
لكن للأسف لم اجد شي
اتمنى منك ان تدلني على كيفية الحصول عليه
ايملي الشخصي
fringe2010@windowslive.com
تقبل فائق احترامي وتقديري

الدماغ يقول...

سبحان الله كلام جميل و مقنع

الدكتور ماجد عبدالعزيز عشي يقول...

أشكركم على تعليقاتكم، وتساؤلاتك أخ عبدالكريم مهمة، ساعة يمضيها الانسان على بعض الكواكب البعيدة تساوي أيام او شهور او اعوام على الارض، بالطبع قد يكون لذلك أثر على النمو، بخصوص الكتاب، يبدو انه غير متواجد في السوق الان، سوف أقوم قريبا بنشر كتاب جديد انشاء الله

تحياتي
د. ماجد عشي