الاثنين، 23 مارس 2009

أنواع الذكاء

لفترة من الزمن كان الاعتقاد السائد هو ان الانسان يولد بقدرات معينة تحدد ذكائه، وان هناك اختبارات معينة من اختبارات الذكاء يمكن لها قياس ذكاء الانسان، وكان الاعتقاد ان هذا الذكاء لا يمكن تغييره بشكل جذري، فالشخص الذكي ذكي منذ الولادة والشخص الاقل ذكاء هو كذلك ايضا منذ الولادة، ولكن هذه النظرية للذكاء واجهت انتقادات كثيرة، منها انها نظرية منحازة حضاريا وتعليميا، فمثلا ان نظرت الى اختبارات الذكاء المشهورة تجد انها تحتوي على اسئلة تطلب منك تحليل مواقف معينة بشكل منطقي كما تطلب منك التعامل مع مثلثات ومربعات وما الى ذلك، الاشخاص الذين ذهبوا للمدارس ستكون درجاتهم اعلى من الاميين او محدودي التعليم، لماذا؟ لان هذه الاختبارات تعتمد على قدرتك على القراءة والكتابة واخذ الاختبارات، فالمدارس تدرب الطلاب على مثل هذه الاختبارات ولو بشكل غير مباشر، والاسئلة تعتبر ايضا منحازة للحضارة الغربية عموما التي تعتبر المدرسة والهندسة والعلوم والمنطق في مرتبة اعلى من القدرات الاخرى، فمثلا يمكنك ان تذهب الى قرية في الهند او احدى الدول العربية وتقابل طفل مزارع عمره عشر سنوات وتسأله عن افضل مكان وموسم لزرع القمح فتجده يجيبك بطلاقة ويريك انواع التربة وكمية الماء المطلوبة، ويمكنك ان تطلب منه ان يريك الطريقة الصحيحة لحلب البقر او الماعز وسوف يقوم بذلك بكفائة يعجز عنها طلبة الجامعات، ويمكنك ان تطلب من خياطة ان تحدثك عن انواع القماش وطريقة القص وسوف تريك براعتها، ويمكن للطباخ او ست البيت ان تظهر براعتها في الطبخ او في ديكور المنزل، اليس هذا ذكاء؟ هل تقيس اختبارات الذكاء هذه الامور؟ لا، لماذا نعتبر ان الشخص الذي يستطيع ان يخبرك عكس كلمة ما "ذكي" بينما لا نعتبر الانسان القادر على العمل وكسب الرزق في الفلاحة او الخياطة او الرسم "ذكي"؟

نظرية الذكاء الحديثة تعتبر ان هناك ثماني انواع من الذكاء، ويمكن للشخص ان يكون ذكي في واحدة او اكثر من هذه الانواع، والانواع هي:

1. الذكاء اللغوي: بعض الناس يجيدون التعامل مع اللغة والكلمات مثل الادباء والمحاميين والخطباء وغيرهم
2. الذكاء الرقمي والمنطقي: بعض الناس يجيدون التعامل مع الارقام والتفكير المنطقي مثل العلماء وعلماء الرياضيات والمحاسبين والمخططين الاستراتجيين في المعارك
3. الذكاء الروحي: بعض الناس عندهم ذكاء في التفكير في الامور العميقة والدينية والفلسفية وعندهم قدرة على التعمق في داخل انفسهم والبحث عن الحقيقة والحكمة مثل علماء الدين والحكماء والفلاسفة
4. الذكاء الجسدي: بعض الناس عندهم القدرة على التعامل مع اجسادهم مثل الرياضيين والجراحين، وايضا الراقصات والراقصين وعارضي الازياء، ولا بد ان نعترف ان بعض الناس بارعون في الرقص والازياء و لديهم موهبة جسدية وقدرة على التحكم في الجسد وفن في اختيار ملبسهم
5. الذكاء الموسيقي: هناك اناس لديهم قدرات موسيقية كالمغنين والملحنين والعازفين
6. الذكاء الطبيعي: هناك اناس عندهم قدرات على التعامل مع الطبيعة كالحيوانات والنباتات والطعام عموما كالفلاحين وعلماء الاحياء ومدربي الحيوانات والطباخين
7. الذكاء في العلاقات: بعض الناس عندهم ذكاء في التعامل مع الاخرين واقناع الناس والقيادة كالسياسيين والاساتذة وعلماء النفس
8. الذكاء المكاني: بعض الناس عندهم قدرات في التعامل مع الاشكال والاماكن كالمهندسين والرسامين والنحاتين والجغرافيين

ويضيف العلماء نوع تاسع ويسمى الذكاء العاطفي، فبعض الناس عندهم قدرة على التعبير العاطفي والتعرف على مشاعرهم ومشاعر الاخرين والتعامل معها،


في المقالة القادمة سوف اتحدث عن الغباء ودوره الاجتماعي!

د. ماجد عشي

الأربعاء، 18 مارس 2009

النضج

هناك فروق كثيرة بين الطفولة والنضج، واهمها له علاقة بالاوهام والخيال،

الاطفال عندهم خيال واسع، وفي نفس الوقت معرفتهم بالحياة والواقع محدودة، فهم لا يعرفون اشياء كثيرة عن انفسهم والناس والحياة والكيفية التي تسير بها الامور، ولكن عقولهم الصغيرة البريئة تعيش في الخيال والاوهام الى حد كبير، فعندهم مثلا يمكن للفأر ان يطير ويمكن للنملة ان تهزم الفيل ويمكن لطفل ان يقود العالم الى حياة افضل، وهذا الخيال الجميل هو من علامات الطفولة، ويجد الكبار متعة في الاستماع الى قصص الصغار وخيالهم، وكلنا يعرف ان الطفل يتخيل احيانا اشياء غير سعيدة او مخيفة، كأن يتخيل ان وحشا راقدا تحت السرير او ان مجرما سيأتي للبيت والناس نيام، ويبقى الطفل مستيقظا خائفا يبكي، الخيال له وظائف كثيرة، منها ان تعبر في الخيال عن مشاعرك وان تشبع احتياجاتك في الخيال، فمثلا الجائع يفكر كثيرا في الاكل، لماذا؟ لان الشخص عنده احتياج وان لم يستطع الانسان اشباع احتياجه في الواقع اشبعه في الخيال، ولذلك يتخيل البعض ان الناس تصفق لهم او تطريهم او غيره، فالخيال يحاول ان يشبع احتياجات الانسان الجسدية والنفسية التي لا يمكنه اشباعها في الواقع،

والخيال يساعد الشخص على اجابة اسئلة لا يعرف اجابتها، مثلا ان سألتك لماذا ترعد السماء؟ الان يمكنك ان تخبرني ان السبب هو تيار كهربائي بين السحب والارض وخلخلة في الجو مثلا، وذلك لانك عرفت بعض الاجابات العلمية، فانت لا تحتاج للخيال الان لاجابة هذا السؤال، ولكن لو كنت تعيش قبل مائة عام مثلا لكانت اجابتك مبنية على الخيال، فالناس مثلا قبل الاف السنين كانوا يعتقدون ان هناك صراع بين الالهة وهذا صوت غضبهم وصياحهم!! عندما لا يكون هناك اجابة علمية واضحة يدخل الخيال للاجابة، فهذه طبيعة الانسان، لا يستطيع ان يعيش دون اجابات، حتى لو كانت اوهام، والاطفال كذلك، خيالهم يساعدهم على توهم اجابات، والاطفال عندهم قدرة عجيبة على اجابة اي سؤال بناء على الخيال،

ولكن مع التقدم في العمر، ومع تعلم الانسان عن حقيقة الامور والواقع يقل الخيال، فكلما زادت معرفة الانسان بالواقع قل الخيال، لا يختفي الخيال، ولكن يقل وتصبح له وظائف اخرى، فكل الاكتشافات العلمية بدأت في خيال انسان، وكل المشاريع الاجتماعية والسياسية والهندسية وغيرها بدأت في خيال انسان او اكثر، فالخيال هو المكان الاول لبناء المشاريع وبعد ذلك يبدأ التنفيذ، قد ينجح المشروع وقد يفشل ولكن البداية هي في الخيال، فالقدرة على التخيل تصبح مصدر قوة ان كانت موظفة بالاسلوب الصحيح، فلا يكون الخيال هروبا من الواقع بشكل دائم، نحتاج للخيال للتخفيف من اعباء الحياة، كما نحتاج للخيال في الرومانسية، فالرومانسية هي خليط بين الواقع والخيال، عندما يصبح الواقع كأنه خيال والخيال واقعا، ويختلط الاثنان بشكل جميل،

فعلاقة الانسان بالخيال تمر بمراحل، من الطفولة عندما لا يعرف الانسان الفرق بين الواقع والخيال، الى المراهقة عندما يكون الخيال مكانا لاشباع الاحتياجات، الى الرشد والنضج عندما يصبح الخيال مكانا لبدأ المشاريع وعندما يعرف الانسان كيف يوظف الخيال لدفعه للامام، ويعرف كيف يستخدم الخيال والواقع كفنان لخلق الرومانسية وتجديد الواقع وتطويره، الناضج الراشد يعرف ان يتخيل ما يمكن تحقيقة، ولا يترك لخياله فرصة التحكم فيه، فان تحكم الخيال في الانسان فهذه علامة من علامات الطفولة، الطفولة جميلة ونحتاج لها في حياتنا، ولكن نحتاج ايضا لناضجين في المجتمع، نحتاج الى رجال ونساء "شبعوا" من الطفولة وعزموا الامر على حمل مسؤولية الحياة والبلد والناس الذين في حاجة، هناك اناس كثيرون متقدمون في العمر ولكنهم مازالوا "اطفالا" في تفكيرهم ورغباتهم وتصرفاتهم، وهناك اناس يمضون حياتهم "مراهقين"، وهناك اناس وصلوا مرحلة النضج، فالطفل لابد ان يعيش كطفل، والمراهق كمراهق، والناضج الراشد كناضج راشد، مع الاسف هناك اهالي يحاولون ان يحرموا ابنائهم وبناتهم من حياة الطفولة من خلال رفضهم للطفولة واصرارهم على ان يتصرف الطفل كراشد، حتى ان لجأوا للعنف والتخويف والاهانة، وقد يتصرف الطفل كراشد ارضاء لأهله ولكن بعد سنوات عندما يكبر يشعر بالحرمان ويحاول ان يعيش طفولته او مراهقته في الكبر، فليكن الطفل طفلا والراشد راشدا، والنضج لا يعني ان ترفض الطفولة في نفسك وحب اللعب والمرح الجميل، النضج يعني انك تعرف الواقع وتعرف حسناته وعيوبه، وتعمل ما تستطيع على تحسينه، والخيال يساعدك في عملك، قد يقودك وقد يدفعك الى الامام، ولكن بايجابية، والنضج ان تعي تناقضات الحياة، وتعرف ان التناقضات قد تكون مكملات، فمثلا ان تحتفل بتناقضات الرجل والمرأة ولكن تعرف ايضا ان الرجل والمرأة يكملون بعضهم بعضا، ان ترى تناقضات النهار والليل، ولكن ان تعرف ان الليل يكمل النهار والنهار يكمل الليل، ان تستمع الى دقات عقارب الساعة، ولكن ان تعرف ان الصمت بين دقات الساعة والدقات يكملون بعضهم، المراهق يصر ان يرى الحياة من زاويته هو فقط، والناضج يحاول ان يري الامور من اكثر من زاوية حتى يفهم الناس، الطفل عنده وعي كبير برغباته وانانيته الطفولية الطبيعية في مرحلة الطفولة، والناضج عنده وعي باحتياجات الكثيرين ويفكر كيف يمكنه اشباع اكبر قدر ممكن من الاحتياجات بالاضافة لاحتياجاته،

المشكلة تكون عندما يتصرف الكبار كأطفال او كمراهقين طوال الوقت، هروب من المسؤولية او عدم قدرة على تحملها، مسؤولية الحياة والاختيار والتفكير والقرار، النضج هو ان تعرف ان عليك مسؤولية التفكير والقرار، ومسؤولية اكبر من احتاجاتك وذاتك، مسؤولية امام الله سبحانه ثم امام الناس وامام نفسك، النضج هو ان تعرف انك ستخطئ، وانك ستتعلم من خطأك، وانك ستغير من سلوكك، الناضج لا يهرب من "رؤية نفسه في المرآة"، لانه يريد ان يطور نفسه لا بد من وجود طريقة يعرف بها ان اساء او احسن، فهو لا يخاف من الحقيقة،

اذا النضج هي القدرة على معرفة الحقيقة والتعامل معها وتصبح الحقيقة جزءا من شخصية الانسان دون الهروب الى الخيال، ان تعرف متى تحلم ومتى تعود للواقع،

د. ماجد عشي

السبت، 7 مارس 2009

الاقتصاد والعوامل النفسية

الصعوبات المادية والازمات الاقتصادية لها اثرها على نفسية الناس، فالدين الذي لا يمكن للشخص رده وملاحقة الدائنين تزيد من الضغوط النفسية على الفرد والاسرة وتزيد من احساس الشخص بالنقص والخجل من النفس وخصوصا امام اهله، كما تزيد من الاحساس بالعجز امام احتياجات الاسرة والقلق على مستقبل الشخص نفسه واسرته، وفقدان العمل يحمل فقدان مصدر الدخل كما يحمل فقدان مصدر للاستقلالية واحترام الذات والشعور بان الشخص مطلوب في المجتمع وله دور ومكان، والفراغ نتيجة البطالة باب لمشاكل كثيرة من انحرافات واستخدام مخدرات والانتماء الى جماعات اجرامية والاحساس بفقدان الهدف والمعنى للحياة، كما ان فقدان العمل هو فقدان لمنفذ للطاقة والقدرات الخلاقة عند الشخص، فالازمات المادية والاقتصادية لها اثار قوية على صحة الفرد والاسرة والمجتمع نفسيا وجسديا واجتماعيا،

ولكن هل يمكن للمشاكل النفسية ان تخلق ازمات اقتصادية؟
السلوك المالي هو سلوك كأي سلوك اخر يتأثر بالعوامل النفسية، المجتمع يتكون من افراد، واقتصاد المجتمع هو في جزء منه ناتج للسلوكيات المالية عند افراد هذا المجتمع، بعض الافراد يستخدمون المال للتعبير عن مشاعرهم، يعطون عندما يحبون شخصا ما ويمنعون عندما يغضبون من شخص ما، وهذا الاسلوب المالي يفتقر الى التفكير الاقتصادي بعيد المدى واخذ حاجة المجتمع في الاعتبار، وهناك اشخاص يستخدمون المال كوسيلة للحصول على احترام النفس واحترام الاخرين لهم، فثقتهم في انفسهم تعتمد على قدرتهم على الشراء والاستهلاك، ويحاولون الظهور بمظهر الغنى حتى لو ادى ذلك الى ديون ومشاكل مادية، فثقتهم بانفسهم تعتمد على قدرتهم على الشراء والاستهلاك وصرف الاموال، وهناك اناس يشترون ويتسوقون لعلاج انفسهم من مشاكل نفسية او عاطفية، فهم يشترون بكثرة عندما يكونون في حالة اكتئاب او ملل او قلق او غضب او عندما يرفضهم احد، فالاستهلاك هنا هو اسلوب عند هؤلاء لعلاج النفس، المشكلة مرة اخرى هي في ان هذه السلوكيات قد تخلق مشاكل مادية على المدى الطويل، وهناك اشخاص يحاولون الحصول على الحب من خلال الصرف، حب امرأة او اطفال او اهلهم او غيرهم، حتى ان ادت تلك المحاولات للحصول على رضى الاخرين بالشخص الى الديون وحتى مخالفة الانظمة، وهناك اناس تغلب عليهم الانانية فيعملون على الكسب السريع على حساب الناس والمجتمع، كتجار المخدرات مثلا، يكسبون ولكن على حساب خسائر كبيرة للمجتمع على الجانب المادي والانساني، فانتشار الانانية وانهيار الاخلاق وغياب روح العمل الامين كفريق متعاون تسهم كلها في الانهيار الاقتصادي، فالازمات الاقتصادية هي انعكاس لازمات نفسية واخلاقية الى حد كبير، فصحة الاقتصاد تقوم على سلوك افراد في المجتمع عندهم بنية تحتية سليمة من الناحيتين النفسية والاخلاقية، وكلما ازدادت المشاكل النفسية والاخلاقية في المجتمع كلما كان سلوك الناس المالي محكوم بامور غير منطقية ولحظية لاشباع رغبات نفسية غير سوية، وتتراكم النتائج الاقتصادية عبر الزمن الى ان تصل الى منطقة الانكسار وينهار الاقتصاد، الاقتصاد السليم القوي يقوم على افراد اصحاء نفسيا واخلاقيا

د. ماجد عشي

علم النفس والحالة الاقتصادية

الحالة الاقتصادية تنتج عن عوامل كثيرة، ومنها السلوك المالي لدى الافراد، فسلوك الناس المالي يتأثر بشكل كبير