هناك انواع عديدة من التشوهات الجسدية، فبعض التشوهات الجسدية يكون ناتجا عن تشوهات خلقية يولد بها الانسان مثل ان يولد الطفل وعنده نقص في تكوين احد اعضاء جسمه او تشوه في الوجه او وحمة وما الى ذلك، وهناك تشوهات تكون ناتجة عن حوادث او حروق او امراض مثل امراض الجلد او السرطان، وفي هذه الحالات قد تكون التشوهات في اي مكان في الجسم، وكلما كان التشوه ظاهرا للعيان، كأن يكون في الوجه مثلا، كلما كانت نتائجه النفسية اكبر، وفي هذا الفصل نود ان نناقش النتائج النفسية المترتبة على هذه التشوهات واسبابها ودور جراحة التجميل في تحسين نفسية المريض.
هناك عوامل عديدة تحدد مدى تأثير التشوهات الجسدية على نفسية الفرد، فان كانت التشوهات ناتجة عن حادث فان المريض قد يعاني ايضا من الصدمة النفسية الناتجة عن الحادث، فالحوادث، سواء حوادث السيارات او الحرائق او الكوارث الطبيعية او الحروب او غيرها، تترك أثارها في النفسية وقد تؤدي الى اعراض نفسية بغض النظر عن التشوه الناتج، فان ادى الحادث الى فقدان عزيز او مشاهدة دمار او مشاهد مرعبة فان ذلك قد يتبعه تغيرات عاطفية وسلوكية، فهذه الحوادث قد تؤدي بالشخص الى فقدان الثقة في النفس او الناس والى الاحساس بعدم الامان، وقد تأتي للشخص كوابيس او يتذكر الحادث مرارا وكأنه يحدث مجددا وتكون ردود فعله العاطفية قوية لهذه الذكريات، كما قد يدخل الشخص في حالة اكتئاب او خوف ناتجة عن فقدان عزيز وعدم الاحساس بالامان، وفي بعض الحالات قد يلجأ المريض الى استخدام المخدرات او الادوية بشكل غير سليم او حتى محاولة الانتحار حسب شدة الحالة، فالحوادث حتى لو لم تكن مصحوبة بتشوهات لها نتائجها النفسية وقد تسبب معاناة في حد ذاتها، ولابد من اخذ هذه النتائج في الحسبان عند معالجة المريض بالجراحة التجميلية.
وبالاضافة لهذه المعاناة فقد يعاني المريض نتيجة التشوهات نفسها، فقد تكون هذه التشوهات مصحوبة بآلام مؤقته او مزمنة، وهذه الالام لها اثارها النفسية، فالالم المزمن قد يسبب اضطرابا في النوم مما يؤثر على نفسية ونشاط الشخص وقد يؤدي الى الاكتئاب، كما ان الالم المزمن قد يؤدي الى العصبية وسرعة الغضب وحتى الاحساس بالذنب ان كان الشخص يعتقد ان معاناته هي عقاب من الله مثلا، والالم هو تجربة شخصية لا يعلم بها الاخرون الا اذا اخبرهم بها الشخص، فقد يكتم الشخص معاناته ولا يشعر به احد مما قد يجعله يشعر بالوحدة وعدم فهم الناس له، فقد يكتم معاناته اعتقادا انه من العيب ان يشتكي الرجل من الالم او ليأسه من تفهم الناس او رغبة في عدم ازعاج الاخرين، ولكن هذا لا يمنع وجود المعاناة النفسية، والحضارة والتقاليد تلعب دورا هاما في كيفية تعامل الانسان مع الالم، فبعض الحضارات تشجع على الشكوى بينما لا تحبذها حضارات أخرى، فمثلا هناك فروق في تعبير النساء عن المهن اثناء الوضع تبعا للحضارة والتقاليد الاتي يأتين منها،
وتزداد معاناة المريض ان كانت التشوهات مصحوبة بفقدان عضو او وظيفة عضو كأن يفقد الشخص عينا او يفقد السمع نتيجة حروق، عندها لابد للمريض ان يتأقلم مع هذا الفقدان بالاضافة الى الحادث والتشوهات، وبالطبع فقدان كهذا والتشوهات قد تؤدي الى ان يفقد الشخص عمله ومصدر رزقه وقد يؤدي ايضا الى العزلة الاجتماعية وحتى الى انهيار الحياة الزوجية والاسرية، فالكارثة مركبة في هذه الحالة، وهذا الفقدان قد يؤدي الى تغير حياة الشخص بالكامل كما في حالة فقدان البصر او الشلل، وعليه في هذه الحالة التكيف مع الحياة بواقعه الجديد، وبالطبع قد تصحب هذه الحالات معاناة نفسية شديدة، وقد تكون مزمنة في بعض الاحيان،
ولابد ان نأخذ في الاعتبار جنس المريض وعمره وشخصيته، فالمرأة قد تعاني أكثر نتيجة التشوهات الجسدية نتيجة تركيز المجتمع على اهمية الجمال للمرأة، وقد تتأثر فرصها في الزواج او ان تقلق أكثر بخصوص هذا الامر، وهذا ينطبق ايضا على الشباب اكثر من كبار السن، فالتشوهات عند الشباب قد تجعله قلقا بخصوص فرص زواجه او عمله، اما الكبير في السن قد يكون متزوجا ومستقرا ماديا او متقاعدا ولا يقلق كثيرا بهذا الخصوص، كما ان خبرة وحكمة كبار السن قد تساعد على التكيف مع هذه التشوهات، وبالاضافة لذلك لابد من أخذ الشخصية في الحسبان، فهناك شخصيات قوية قادرة على التأقلم في احلك الظروف وهناك شخصيات تكون مضطربة قد تكون ردود فعلها قوية للتشوه، فمثلا الشخص النرجسي الذي يركز كثيرا على شكله قد يتأثر كثيرا بالتشوه مقارنة بشخص مؤمن بالقضاء والقدر، فالحادث والتشوه يمثلان ضغطا نفسيا على الشخص، وتحت هذا الضغط قد تظهر مشاكل نفسية كانت خفية، فمثلا الانسان الذي كان عنده ميول للاكتئاب او القلق او الفصام قد تظهر عليه هذه الاعراض كاملة وبقوة تحت الضغط النفسي، كما ان صفات الشخصية يكون دورها حسب نوع التشوه، فمثلا ان كان الشخص اجتماعيا بطبعه وكان التشوه في الوجه فقد يؤدي ذلك الى معاناة اكبر من لو كان انطوائيا بطبعه، فالانطوائي لن يحتاج في هذه الحالة الى تغيير اسلوب حياته كثيرا مقارنة بالاجتماعي، وكما ذكرنا سابقا، فهناك اشخاص مؤمنون بالله والقضاء والقدر وقد يساعدهم ذلك في التأقلم مع الظروف الجديدة مقارنة بالاشخاص الذين قد يلومون الاخرين او انفسهم بخصوص اسباب التشوه، وبالطبع مثل هذه الحوادث والتشوهات قد تقود الشخص الى الشك في وجود العدل في الحياة او الى البحث عن أي تفسيرات تساعد على استمرار هذا الايمان بالعدل، فكيف يمكن للمريض تفسير تشوهاته ومعاناته بينما يرى الناس من حوله في سعادة وصحة؟ قد يتسائل ان كان مرضه عقابا من الله له على عمل قام به او أحد من أهله، وقد يرسخ بعض الناس من حوله بشكل مباشر او غير مباشر هذه الاحاسيس والشكوك، فكثير من الناس يحب ان يعتقد أن هناك عدل في الحياة وقد يلجأون الى حيل نفسية لكي يستمروا في هذا الاعتقاد، كأن يقولوا ان هذا الشخص يستحق ما اصابه، وقد يتشمتون في المريض مما يزيد من معاناته النفسية، فالمريض عندها عليه التعامل مع هؤلاء بالاضافة لمعاناته،
وهناك تشوهات جسدية تكون مصحوبة بوصمة اجتماعية، فمثلا الشخص الذي يعاني من فقدان السمع نتيجة حادث قد لا يعاني اجتماعيا كشخص يعاني من حروق شديدة في الوجه، فالحروق لها وقع اقوى في نفوس الناس وقد تثير الرعب عند البعض، والامراض الجلدية لها وقع اقوى من فقدان الشعر نتيجة العلاج الكيميائي لمعالجة السرطان، فالناس في الغالب لا تلوم مريض السرطان على مرضه الا في حالات سرطان الرئة الناتج عن التدخين، ويميلون للتعاطف معه، اما الامراض الجلدية قد تثير شكوكا حول سلوك الشخص الجنسي او نظافته الشخصية، وقد تثير ايضا مخاوف من العدوى، وفي مثل هذا الحالات سيعاني المريض من الوصمة الاجتماعية والرفض والعزلة، ومع الاسف تظهر الافلام والاعلام عموما الانسان الخير على انه وسيم والشخص السيئ او الشرير على انه مشوه او قبيح الشكل، كأن يكون أعرجا او فاقدا لعين او أذن او به حروق او اصابات وما الى ذلك، وقد رسخ ذلك عند الناس الربط بين التشوه والشر واصبح الناس يخافون من المرضى الذين يعانون مثل هذه التشوهات، وكم من اشرار حسني المظهر وكم من أخيار بهم تشوهات،
وهناك تشوهات تكون ناتجة عن امراض مثل السرطانات والامراض الجلدية او امراض الهيكل العظمي و غيرها، او تكون تشوهات ناتجة عن الاثار الجانبية لعلاج مرض معين كتساقط الشعر أثناء العلاج الكيميائي للسرطان او ازالة الثدي او جزء منه او الخصية لعلاج سرطان الثدي او الخصية، وبالطبع تصحب هذه الحالات معاناة نفسية وتتطلب متابعة نفسية تساعد على التأقلم والتعامل مع هذه النتائج،
وقد تكون التشوهات خلقية يولد بها الشخص او وراثية، وفي مثل هذه الحالات قد يعاني الشخص من التمييز ضده طوال حياته، وبعض الناس تتكيف مع حالتها وتتعلم كيفية التعامل معها ومع الناس، فقد نشأ الشخص وهو على هذا الحال، ولكن للمجتمع دور كبير في مثل هذه الحالات، فأن كان هناك دعم وتقبل للشخص فان أثر التشوه قد يكون محدودا، اما ان كان المجتمع غير واع وقاس ورافض للشخص فان ذلك قد يؤدي الى عقد نفسية ومعاناة عند الطفل،
ولاشك ان للاعلام والمدرسة والمسجد والمجتمع ككل دورا هاما في التخفيف من معاناة المريض او زيادتها، فالاعلام قد يرسخ صور ومفاهيم نمطية في المجتمع قد تزيد من معاناة المريض، كما يمكن للاعلام ان يقوم بدور ايجابي في التوعية، والمدرسون الذين يسيؤون معاملة التلميذ ذي العاهة ويسخرون منه سيزيدون من معاناة الطفل، ورجال الدين يمكنهم ان ينشروا الفضائل ويشجعوا على حسن معاملة من به تشوه وتقديم يد العون له، والمجتمع ككل يمكنه ان يوفر دور الرعاية والتبرعات الازمة حتى يتمكن هؤلاء من اجراء عمليات التجميل المطلوبة،
مما لا شك فيه ان الطب النفسي وعلم النفس لهما دور هام في مثل هذه الحالات، ولكن قد يكون أهم علاج نفسي لهذه الحالات هو اجراء عملية التجميل، فمثل هذه العمليات ان توفرت قد تساعد المريض على استرجاع حياته الطبيعية او التخلص من تشوه له أثار جسدية ونفسية ومادية واخلاقية واجتماعية، فقد تعيد الامل له وتفتح ابواب جديدة امامه وتخلصه من الوصمة والاحساس بالخجل والخزي، فالتشوهات لها اثر على علاقات الشخص بالاخرين، فقد يفقد علاقات في حياته نتيجة التشوهات، و قد تبنى علاقات جديدة على هذه التشوهات كالعلاقة مع جراح التجميل او الممرضات، والعملية الجراحية لها تأثير في حاضر الشخص ومستقبله وحتى في الطريقة التي ينظر فيها الى ماضيه، فعلى المريض التعامل مع الحياة والناس بشكل جديد بعد الشفاء، وقد تغير العملية من موازين القوة في علاقاته، فبعد ان كان ضعيفا منبوذا قد يصبح مقبولا ومرغوبا، وبالطبع قد لا يمكن علاج الحالة بالكامل ولكن فقط تحسين الوضع شيئا ما كما في حالات الحروق الشديدة، وعندها لا بد من اخبار المريض بصراحة ووضوح عن التوقعات الواقعية للعملية حتى لا يعيش في أحلام ويفاجأ بأن النتائج ليست كما توقع، وفي كل حال زوال التشوهات او جزء منها له أثاره النفسية، فقد يسعد المريض وقد يعاني نفسيا، فليس من السهل ان يتأقلم الانسان مع صورته الجديدة وقد يشعر بالغربة مع نفسه، كما انه قد يصعب على الاخرين التأقلم مع الوضع الجديد،
فالاسرة تعاني مع معاناة المريض، وقد تجد صعوبة في التكيف والتعامل مع التشوه وتبعاته على المريض وحالته النفسية، وقد يفسرون ما اصاب من يحبون على انه عين او حسد، وقد يتألمون كثيرا لمعاناة المريض، وقد يلومون انفسهم ان كان الحادث ناتج عن اهمال او حادث في رأيهم كان يمكن منعه، ولا ننسى ان الاسرة قد تتحمل عبئا ماديا لعلاج المريض وقد يؤدي ذلك الى ديون او تضحيات كبيرة، وبالطبع تضع هذه التشوهات عبئا ثقيلا على الزوجة او الزوج حسب الحالة وقد يجدون انفسهم غير قادرين على الشكوى خوفا من جرح مشاعر المريض او ان يحكم عليهم الاهل بأنهم غير محبين، وفي بعض الاحيان يلجأ الاهالي الى عزل المريض عن المجتمع خوفا من العار الاجتماعي او التعامل مع المريض وكأنه عبئ عليهم، وفي كل هذه الحالات تزيد معاناة المريض والاهل، فعملية التجميل في مثل هذه الحالات قد تساعد المريض واسرته للتخلص من مشاكل كثيرة.
د. ماجد عبدالعزيز عشي