الأحد، 14 أكتوبر 2012

التحليل النفسي للصراعات الاجتماعية والدولية

 
الصراعات داخل الاسره او في أي مجتمع او بين الدول تبدأ بوجود تظلمات عند احد الاطراف، قد تكون هذه التظلمات قائمة على امور تحدث في المجتمع مثل التفرقة او اعمال تقوم بها جماعة ضد اخرى او وجود اعمال او اقوال تنم عن سوء الفهم للاخر والكراهية له او لعقيدته او حضارته او غيره، وقد تكون التظلمات بشأن احداث تاريخية او هزائم في حروب او اعمال عنف سابقة، وقد تكون التظلمات لها علاقة بمؤسسات الدولة وعملها من مثل احتكار السلطة او اختلاس اموال الامة او ممارسة الاضطهاد ضد الشعب او شرائح منه وغيره من اساءة استخدام السلطة، اذا أي صراع يبدأ بوجود تظلمات ما
 
والعامل الثاني في الصراع هو وجود قيادات او اطراف تعمل على استمرار تذكير الناس بهذه التظلمات وتغذيها بالخطب واحيانا بقراءة خاطئة او منحازة للحاضر او للماضي، واحيانا بنشر شائعات عن ظلم، وهذه الاطراف التي تعمل على تذكية الصراع قد تكون في أي موقع، سواء كانت في التعليم او الاعلام او الاماكن الدينية او مواقع حكومية او غيرها، وهذه القيادات نوعان، نوع يعمل على تحسين الوضع بالطرق السلمية والقانونية ومن خلال الحوار والاقناع وبالطرق التي تبني ولا تهدم، وهناك نوع من القيادات يعمل على استغلال تظلمات فئة ما لأشعال الصراعات وتذكية العنف والكراهية وتبريرها، وهم كمن يصب البنزين على النار لتشتعل اكثر من خلال اقوالهم وافعالهم، وهؤلاء ينتظرون الفرصة السانحة لأشعال الصراع
 
وهنا يأتي العامل الثالث في الصراع، وجود حدث ما يشعل الصراع، فالتظلمات والكراهية قد تكون موجودة كالنار تحت الرماد، ولكن قد يتعايش المجتمع بشكل ما او اخر، ولكن وجود بعض الاحداث، واحيانا قد تكون امور صغيرة وغير متوقعة، قد يشعل الصراع الدفين، والقيادات من النوع الثاني اعلاه تنتظر هذه الاحداث حتى تزيدها اشتعالا
 
اذا عوامل ثلاثة تعمل معا لنشوب الصراعات في المجتمع الواحد او بين الدول، وجود تظلمات، وجود قيادات تعمل على اشعال الخلافات، ووجود احداث تشعل فتيل الصراع المدفون
 
ولتجنب الصراع في المجتمع او بين الدول فلا بد من عمل الاتي
 
اولا: التعامل مع تظلمات الناس بجدية، الاستماع لها، ورفع الظلم، ومعالجة الوضع بالعدل وقبل فوات الاوان، ان انكار وجود الظلم لن يفيد في شيئ، فما يعاني منه جماعة ما لن يذهب بمجرد انكارنا لوجوده، فلا بد من اصلاح المؤسسات وفتح باب الحوار والتعبير عن التظلمات بالطرق السلمية والشرعية والعمل الجاد على حل الامور، وتوضيح الامور ان كان هناك سوء فهم ما
 
ثانيا: التعرف على القيادات المختلفة في المجتمع ومعرفة ما ان كانت من النوع الذي يعمل على تغذية الصراعات واشعالها ام النوع الذي يعمل على حل الامور بالطرق السلمية والشرعية والحوار وان طال امدها، وهناك اساليب ذكية كثيرة للتعامل مع مشعلي الصراعات، فبعضهم له اجندة ومصالح خاصة، او يعمل لحساب جهات ما يهمها تذكية الصراع، وبعضهم حسن النية ولكن لا يعرف نتائج ما يفعل، وبعضهم يؤمن بالعنف والدموية "ويجد نفسه" بين نيران الحروب، وبعضهم يريد الشهرة او يحلم بالبطولة او "دخول التاريخ"، او يعتقد انه بطل فعلا، وبعضهم يعاني من مشاكل نفسية تنعكس على سلوكه وقوله السياسي، ودوافع اخرى كثيرة، فبالاضافة الى التعامل الجاد مع التظلمات من خلال رفعها واشاعة العدل والاصلاح المستمر في المجتمع والمؤسسات، لا بد من التعامل مع هؤلاء القيادات بذكاء وحسب الحالة، دون اللجوء الى التعذيب او الاغتيال، فهذه الاعمال تزيد من تظلمات الناس وتشعل الصراعات
 
ثالثا: لا بد من التعامل مع المستجدات بجدية وتوقع ما يمكن ان يشعل فتيل الازمة مهما كان الامر صغيرا، وذلك من خلال رفع أي ظلم يقع وتحقيق العدل وشرح الامور بوضح للناس، ان الغموض يعمل على زيادة الازمات
  
رابعا: لا يمكن ان تقوم ازمة وتشتعل نيران الا بوجود شباب يمكن استدراجهم في الازمة، وهنا لا بد من التعامل مع مشاكل الشباب بجدية، سواء كانت مشاكل التوظيف او مشاكل الزواج او الفراغ او الصراعات الحضارية او الثقافة او الترفيه وما الى ذلك، الشباب عنده طاقة يمكن استخدامها في البناء وان اهملت يمكن استخدامها من قبل القيادات المشعلة للصراعات في الهدم، فكل شاب وشابة يجب ان يشعر انه جزء من مشروع البناء وانه جزء مهم في المجتمع وان هناك امكانية للتطور والنجاح والتعبير عن الامكانيات، تهميش الشباب وقدراتهم واهمال احتياجاتهم امر خطير على السلم، ولا بد من نشر ثقافة رزينة وناضجة في المجتمع تشيع بين الناس الاحساس بالمسؤولية وتعطيهم دورا في الحياة وفي تطوير مشروع المجتمع، كما لا تشيع هذه الثقافة العنف على انه امر محبذ، فمن يؤمن باستخدام العنف لاجبار الاخرين على الطاعة في البيت او في المدرسة او في الشارع سيستخدم العنف ضد  من يخالفه في المجتمع، لا بد من اجتثاث ثقافة "الاكراه" من جذورها واحلال ثقافة الحوار والتشاور واحسان الظن في الاخرين والاقناع والاحترام المتبادل والتواضع والتعايش مع من يختلف عنا والمواطنة واحترام القانون
 
أي صراع يحدث في العالم يمكن ان يكون فرصة للبشر للعمل جميعا على حله والتعاون لما فيه الخير، ويكون ايضا فرصة لمزيد من الصراعات والعنف وحدوث امور تزيد من التظلمات والمآسي في الحاضر والمستقبل، يمكننا ان نختار
 
 
د. ماجد عبدالعزيز عشي