الأحد، 27 نوفمبر 2011

الصراحة المفقودة

بعض الناس نتيجة ضغوط اجتماعية يفتقدون الى الصراحة، فعلاقاتهم لا تقوم على الصراحة والوضوح، لا الصراحة في الغضب ولا الصراحة في الحب ولا الصراحة في الرأي ولا الصراحة في حقيقة مشاعرهم وافكارهم، وفي اغلب الاحيان يكون ذلك نتيجة حضارة معينة وتقاليد واوضاع تجبر الشخص على اخفاء حقيقته حتى "يمشي نفسه" في الحياة وحتى لا يسبب مشاكل، فاخفاء المشاعر والاراء الحقيقية يهدف الى ان يستمر الوضع كما هو، وان لا يحدث تصادم او احتكاك،

ولكن في غالبية الاحيان ما يحدث هو ان مشاعر عدم الرضا تتراكم في داخل الشخص وفي لحظة ينفجر وتنطلق من داخله كل مشاعره الحقيقية واراءه المخفية، عندها يكون صريحا، ولكن مع الاسف بعض الناس لا يكونون صريحين الا في مثل هذه الاوضاع، بمعنى انهم لا يقولون بصراحة ما يشعرون او يفكرون الا عندما يفقدون السيطرة على انفسهم، فتصبح الصراحة هنا ناتجة عن غضب متراكم وكأنها عقاب للشخص الاخر، عندها يقف الشخص الاخر مشدوها متفاجئا ويفكر: "هذه هي حقيقة مشاعرك وافكارك عني؟ لماذا لم تخبرني؟ لماذا خدعتني وجعلتني اعطيك حبي ظانا انك تحبني وفي الحقيقة انت تفكر في هكذا؟"،

في حقيقة الامر كل انسان عنده اراء مختلفة في الشخص الاخر، هناك اشياء نحبها في انسان ونعجب بها وهناك اشياء لا تعجبنا او لا نوافق عليها او تغضبنا في الشخص الاخر، العلاقة السليمة لا بد ان تسمح بالصراحة المتبادلة، ولا بد ان تجعل الشخصين يشعرون بالامان للتعبير عن مشاعرهم وافكارهم بحرية لبعضهم البعض، وكيف يحدث ذلك؟ عندما نثق بان الشخص الاخر يحبنا وان اخطائنا حتى لو تحدث لنا عنها لا تعني انه يكرهنا، هو فقط يريد ان ينبهنا اليها ويدعونا الى تصحيحها، عندها تصبح الصراحة المتبادلة نوع من انواع الحب وليست تعبير ناتج عن غضب او رغبة في الانتقام والايذاء، العلاقة ليست "انا احبك او انا اكرهك"، والعلاقة ليست ضغط على النفس الى درجة الانفجار او الكذب او عدم الوضوح حفاظا على الوضع القائم وخوفا من عمل مشاكل، يمكن للشخص ان يعبر عن رأيه ومشاعره باسلوب يكفل تغيير الوضع القائم في حياته، في بعض المجتمعات لا يتغير شيئ الا اذا وصل الامر الى حالة الازمة والانفجار، وعادة يكون التغير مؤقتا لتهدأة الوضع ومن ثم العودة الى العادات القديمة وربما بشكل اكبر، الصراحة البناءة تهدف الى المشاركة بالرأي بما فيه الخير ودون هدم ما تم بناءه من محبة وثقة،

و العلاقة السليمة تتطلب ان لا يعيش الشخص حياته بازدواجية وباكثر من وجه، الشخص الذي يعيش حياته باكثر من وجه يحاول دوما ابعاد الناس الذين يعرفهم عن بعضهم البعض وذلك حتى لا ينكشف امره ويعرف هؤلاء الاشخاص تناقضاته واكاذيبه ان تحدثوا لبعضهم البعض عنه وعن سلوكه، ولكن لماذا يعيش بعض الناس باكثر من وجه؟

لان هذا هو الاسلوب الذي تعلموه كأطفال للتأقلم مع واقعهم الاسري والاجتماعي، فهم "يعطون كل شخص ما يعتقدون ان الشخص يريد ان يراه"، هذا الاسلوب الذي تعلموه كأطفال لمواجهة صعاب الحياة، ولم يكن بيدهم حل اخر، ولكن الثمن غالي، فهم يتغيرون حسب الموقف والناس، وقد ينسون حقيقة انفسهم نتيجة كثرة التغير، ويشعرون بفراغ عاطفي كبير وربما نوع من الاكتئاب، فهم فقدوا مشاعرهم اثناء التغير المستمر ومحاولاتهم ارضاء الناس، محاولتهم ليكونوا غير انفسهم او اجزاء فقط منها، وقد يشعرون ايضا بغضب شديد نحو الناس لان هؤلاء الناس هم من دفعوهم لمحاولة الارضاء وفقدان انفسهم وما ومن يحبون في حياتهم، فيا خسارة من يعيش حياته محاولا ان يرضي الناس! كأنه يمثل دورا مكتوبا طوال حياته وينتظر التصفيق في اخر المشهد! ربما سيصفقون لك ولكنك ستعود الى بيتك وتدخل غرفتك وتغلق بابك وتبكي لأنك تعلم انهم لم يروك على حقيقتك، ولم يصفقوا لك، وانما صفقوا لقدرتك على ان لا تكون نفسك، كلما ابتعد الانسان عن حقيقته وفطرته ولبس اقنعة كلما زاد احتمال الشر،

طريق الخلاص هي ان تجد الناس الذين يحبونك فعلا، الناس الصادقين الذين لا يمثلون، الناس الذين يحثونك على ان تكون نفسك، وتتعلم من اخطائك وتنمو بالتدريج، يحبونك وقد يختلفون معك، عندها يمكنك وضع القناع جانبا، وترى كم انت جميلا حقا في عيون من يحبونك، عندها يمكنك ان تبكي امامهم وتحكي لهم ما الذي جعلك تلبس القناع، وكم كان مؤلما لبس القناع،




د. ماجد عبدالعزيز عشي

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الغيرة والحسد وتكلفتهم الاقتصادية

الغيرة من نجاح او سعادة الاخرين وحسدهم لهم تكلفة اقتصادية كبيرة، واذا اراد المجتمع تحسين وضعه الاقتصادي فلابد من معالجة هذه الامور، فمثلا في القطاع الخاص او العام، الغيرة بين الموظفين قد تجعل احدهم يحاول افشال الموظف الاخر، او ان يمنع فكرته من ان تتحقق، او يخلق بيئة عدائية نحو الموظف الاخر بشكل مباشر او غير مباشر من خلال النميمة ونشر الاشاعات عنه، ونتيجة هذه الغيرة تكون خسارة يتحملها صاحب العمل او الشركة او القطاع، وتحرم المؤسسة والمجتمع من وجود اشخاص ناجحين في المجتمع يقدمون افكار ومشاريع مفيدة وتخدم تطور البلد اقتصاديا واجتماعيا، فهذه الغيرة الهدامة والحسد تؤدي الى اهدار افكار ومشاريع جيدة كما تؤدي الى عدم التعاون بين الموظفين لما فيه صالح المؤسسة والصالح العام،

والشخص الحاسد لا يركز مجهوده في اصلاح ذاته وتطوير قدراته وانما يبرر فشله بمبررات عدة ويركز جهده على الحط من قدر الاخرين وافشال مشاريعهم حتى لا تظهر للعيان حقيقة كسله وتخاذله، وهذه خسارة اقتصادية اخرى، فالحاسد لا يطور نفسه وهذا اهدار لطاقاته التي يمكن ان تفيد المجتمع وتسهم في تطويره،

كما ان الغيرة والحسد تسبب مشاكل نفسية وصحية واجتماعية على الطرفين، فالحاسد والمحسود في معاناة نفسية وقد تتحول الى امراض جسدية، كما ان الغيرة والحسد تجعل بيئة العمل غير جذابة، وينتج عن ذلك الغياب المتكرر وتعطل العمل واهدار للمال الخاص والعام، كما يهدر مال الدولة في علاج المشاكل النفسية والصحية الناتجة عن ضعف ثقة الانسان بنفسه والغيرة والحسد الناتجة عنها،

فالغيرة والحسد هما اعراض لأمراض، و لا بد من معالجة موضوع الغيرة والحسد للحصول على تطور اقتصادي واستقرار اجتماعي وامني، مع الاسف، نرى افراد او جماعات تحسد وتغار من افراد او جماعات اخرى على ما لديها من مال او علم او جمال او قوة او صحة او غيره من الامور، ودائما الحاسد لا يقول لك "انا حاسد"، ولكن دائما يغلف حسده بامور اخرى، يغلف حسده بامور تجعله يبرر لنفسه شر اعماله، وكم من شر في هذه الحياة جاء مغلفا بغلاف جميل،

واعتقد ان بداية العلاج تكون في الاسرة والمدرسة والاعلام، فلا بد من التركيز على قيم التعاون واحترام قدرات الاخرين واحترام الاختلاف في القدرات والمواهب، وبناء ثقة الاطفال في انفسهم من خلال التركيز على تنمية قدراتهم الشخصية التي تميزهم وتقديم المحبة والاحترام لهم وافهامهم ان لكل انسان دوره في الحياة الذي يجب ان يحترم مهما كان، ونشر التوعية الاجتماعية باثار الغيرة والحسد على الاقتصاد والمجتمع، واعطاء الناس الفرصة لتنمية انفسهم وقدراتهم والنجاح في الحياة في نظام عمل يشعرون فيه بالعدل واحترام عطائهم وقدراتهم،


د. ماجد عبدالعزيز عشي

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

التفكير والصحة

حضرت قبل اسابيع محاضرة في الجامعة للدكتورة الين لانجر، احد اشهر الاساتذة في جامعة هارفرد، وكانت المحاضرة عن طريقة التفكير والصحة، وقد قامت بعدة دراسات مثيرة للاهتمام لدرجة ان اصبح هناك برنامج واقعي مبني على دراساتها يبث على التلفزيون في دول مختلفة في العالم، وساشرح لكم الان احد هذه الدراسات ونتائجها،

قامت الدكتورة لانجر بجمع عدد من الناس الذين اعمارهم فوق ثمانين عاما، واخذتهم الى منتجع معزول، وتم الكشف عليهم طبيا لتحديد الامراض التي يعانون منها، وبعد ذلك صممت برنامج حياة لهم يماثل الحياة قبل عشرون عاما من ذلك التاريخ، بمعنى انها جعلتهم يعيشون في الاجواء التي كانت سائدة قبل عشرون عاما، فكل برامج التلفزيون كانت تلك التي كانت تبث قبل عشرون عاما، وديكور المنتجع كان من تلك الفترة، والاخبار والجرائد والافلام والموسيقى والتكنولوجيا كلها من تلك الفترة، بمعنى انها ارجعتهم عشرون عاما الى الوراء، وطلبت منهم ان لا يتحدثوا عن اي شيئ حدث خلال العشرون عاما الماضية، وان يتحدثوا مع بعضهم وكأنهم يعيشون في تلك الفترة، وان يناقشوا الاخبار والقضايا وكأنها تحدث الان وليست في الماضي، وبعد اسابيع قام الاطباء بالكشف الطبي عليهم، ووجدوا ان حالتهم الصحية تحسنت كثيرا، اصبحت اجسامهم تعمل وكأنها قبل عشرون عاما! ، عندما عاشوا وكأنهم اصغر سنا استجابت اجسامهم لهذا التفكير واصبحت تعمل وكانهم اصغر عشرون عاما، اذا اجسامنا لها ردود فعل لطريقة تفكيرنا، هناك من هم في العشرين من العمر ولكن يبدوا عليهم الهرم لأنهم يشعرون في داخلهم وكأنهم ثمانين عاما، وهناك اناس في الثمانين ولكن صحتهم وحيويتهم وكأنهم شباب لأن طريقة تفكيرهم طريقة شبابية،
وقد ذكرت الدكتورة لانجر ان الدراسات وجدت ان الناس الذين يلبسون نفس ازياء الملابس دائما، تكون اعمارهم اطول باذن الله ولا يشعرون بالهرم بسرعة، والسبب في ذلك الى انهم لا يلاحظون التغير في شكلهم نتيجة لبسهم نفس الزي دائما، اما الذين يبدلون ويغيرون في ازياء ملابسهم كثيرا فهم يلاحظون تأثير العمر عليهم كما ان المجتمع قد يرفضهم اذا لم يلبسوا زيا يناسب عمرهم، ومن الدراسات الظريفة التي ذكرتها ان الباحثون وجدوا ان الشخص الذي يتزوج شخصا اصغر منه بكثير يعيش فترة اطول بأذن الله، وذلك لانه يرى الشباب من حوله، بينما وجدت الدراسات ان الذي يتزوج شخصا اكبر منه بكثير يعيش اقل باذن الله، لانه لا يرى الشباب من حوله، وبالطبع هناك دائما حالات لا ينطبق عليها هذه النتائج، ولكنها نتائج احصائية مثيرة للاهتمام،

واخيرا تحدثت الدكتورة لانجر عن اسلوب بعض الناس في العيش "هنا وفي هذه اللحظة"، فهم لا يفكرون كثيرا في الماضي او المستقبل، ولكنهم يملأون وعيهم بما في هذه اللحظة وفي هذا المكان، وهؤلاء تكون صحتهم افضل باذن الله من الناس الذين يفكرون كثيرا في الماضي او المستقبل، كما وجدت الدراسات ان هؤلاء الذين يعيشون في "الان وهنا" تكون عندهم شخصية جذابة وكاريزما، فكما يقال "لهم حضور" ويبدوا عليهم الوعي والذكاء وهذا يجعل الناس تحبهم،

اذا طريقة تفكيرنا تلعب دورا هاما في عمل اجسامنا، اتذكر بعض الناس الذين كانوا في الثمانين في العمر واكثر، كانوا دائما يتصرفون بشباب وابتسامة وحيوية، ويرددون "انسى العمر"، نعم، انسى العمر، ولا تدخل نفسك في صندوق لعمر معين، دع الشباب والحيوية تنبع من الداخل، ربما يحاول البعض فرض طريقة حياة ونمط سلوك معين عليك لأنهم يعتقدون انها ما يناسب عمرك، اترك نفسك على سجيتها، امرح وابتسم، وعندما تفيق في الصباح اشعر بانها بداية حياة جديدة، فهذا هو الشباب، طريقة تفكير،

د. ماجد عبدالعزيز عشي

السبت، 5 نوفمبر 2011

النوم والصحة

تتحدث الكثير من الدراسات الحديثة عن دور النوم في الصحة الجسدية والنفسية، فبالاضافة الى ان في النوم راحة لأعضاء الجسم وتجديد للخلايا والنشاط، فان النوم يساعد على تفريغ العواطف المكبوته من خلال الاحلام، فالنوم فيه راحة للجسد والنفس، ولكن الدراسات الحديثة اصبحت تتحدث عن شيئ جديد، وهو ان المخ اثناء النوم يقوم باعادة ترتيب الجسد والنفس بعد اجهاد اليوم، تخيل ان عندك غرفة، واثناء اليوم تقوم بتحريك مفروشاتها في كل مكان، ويكون هناك اوراق على الارض، اثناء النوم يقوم المخ بترتيب هذه الغرفة واعادتها الى شكلها الاول، وهكذا يفعل مع الجسم والنفس، المخ يعيد ترتيب الجسم والعمل على تصحيح الخلل الذي قد يحدث خلال اليوم، وكذلك يعيد ترتيب الحالة النفسية، فالمخ يضغط على زرار "ريسيت" اثناء النوم، وهذا قد يفسر كمية النوم الكبيرة التي يمضيها الانسان، فالانسان ينام حوالي 8 ساعات يوميا، اي ان الانسان يمضي ثلث حياته نائما، فالنوم له فوائد كثيرة ودور مهم،

ولابد ان ينام الانسان جيدا حتى يجني فوائد النوم، فالبالغ يحتاج حوالي 8 ساعات نوم يوميا، والاطفال يحتاجون الى ساعات نوم اكثر، ولابد ان ينام الانسان في غرفة دون اضواء او ازعاج حتى يتمكن من الدخول في النوم العميق وحتى يمكن للمخ من افراز الهرمونات التي تساعد على النمو وتجديد الخلايا وغيرها، ولابد ان يحاول النوم مبكرا قدر الامكان والاسيقاظ مبكرا، فالدراسات وجدت ان جسم الانسان حساس لضوء الشمس، فمثلا افراز بعض الهرمونات كهرمون الذكورة يزيد في الصباح، كما ان كمية السكر في الدم تزيد في المساء، فالسهر والاستيقاط المتأخر يربك المخ والجسم والنفس، والكثير من الاضطرابات النفسية تكون مصحوبة باضطرابات في النوم او في الاحلام،

وقد بدأت الادلة التي تربط بين النوم المتأخر ومرض السكر والضغط في التراكم، قد يقول البعض ان من يسهر قد يأكل متأخرا مما يزيد من السمنة وهذه الامراض، او ان الاضطرابات النفسية والضغط النفسي قد تسبب الارق والنوم المتأخر وهذه الامراض، وهذا كله صحيح، ولكن الدراسات وجدت ان النوم المتأخر في حد ذاته قد يلعب دورا في مرض السكر والضغط نتيجة اضطراب افراز الهرمونات وغيرها من وظائف الجسم، وقد يساعد النوم المبكر والاستيقاظ المبكر في انقاص الوزن ايضا، حيث يساعد ذلك في الاكل اقل اثناء الليل، كما يعطي الانسان وقت اكبر لحرق الطاقة اثناء النهار،

الكهرباء ووسائل التسلية والاعلام والكمبيوتر لها فوائد كثيرة، ولكن احد سلبياتها ان الناس كبارا وصغارا اصبحوا ينامون متأخرا، ولا عجب ان وصلت امراض مثل السكر والضغط الى حد الوباء في العالم، فلابد ان يكون نظام حياتنا متسقا مع نظام الطبيعة ومع برنامج عمل اجسامنا ونفسياتنا، فلا يمكن لنا ان نفعل اشياء ونتجاهل نظام اجسامنا وانفسنا والطبيعة، وان فعلنا ذلك فسيكون هناك ثمنا ندفعه من صحتنا النفسية والجسدية.

د. ماجد عبدالعزيز عشي