الثلاثاء، 26 أبريل 2011

العنصرية واثارها النفسية

اذكر انني في احد الايام قبل عشرين عاما وعندما كنت طالبا ادرس اللغة في جامعة هيوستن ان شعرت بشيئ من الملل، فقررت النزول الى بهو السكن الجامعي الذي كنت اسكن فيه، فوجدت ندوة ومجموعة كبيرة من الطلبة يستمعون الى الندوة، فاخذت كرسيا وجلست في اخر القاعة استمع الى ما يقال، واذكر جيدا تلك الفتاة من الاصل الافريقي التي كانت تقف في جانب الغرفة وتحكي قصتها للحضور، كانت هذه الطالبة تحكي كيف انها عندما كانت طفلة كان يأتي الكبار ويمتدحون شكل البنات الاخريات ولا احد يمدح شكلها، وكيف ان امها كانت تمضي الساعات وهي تحاول فرد شعرها حتى تكون مثل البنات البيض، وكيف انها كانت وما زالت تعتقد انها قبيحة لأنها افريقية سمراء، وكانت تبكي، هذه الفتاة فتحت عيني ونبهتني الى كيف يعاني بعض الناس بسبب العنصرية،

الدراسات وجدت ان الفتيات يكن على ثقة بأنفسهن مساوية للذكور الى ان يصلن مرحلة المراهقة وبعد ذلك تبدأ ثقتهن في الهبوط، لماذا؟
لأن البنت الصغيرة تكون مملوءة بالامل في الحياة، وتعتقد ان كل الابواب مفتوحة لها، وتعتقد ان طموحاتها مقبولة، ومواهبها مقدرة، وان المجتمع يحترمها، ولكنها تدرك مع الوقت انها تعيش في مجتمعات قد تنظر لها بدونية وعدم احترام، فتتحطم احلامها تدريجيا، وتهدر طاقاتها ومواهبها التي كان يمكن للمجتمع الاستفادة منها، وترى في الاعلام ان المرأة تقاس بشكلها لا بشخصيتها وعملها، فيدخل الحزن الى نفسها تدريجيا، فلا عجب ان نسبة الاكتئاب بين النساء هي اربعة اضعاف تلك عند الرجال،


ما هي العنصرية والتمييز؟
هناك عنصرية يقوم بها الافراد بالقول او الفعل، وهناك عنصرية مؤسساتية بمعنى ان تقوم مؤسسات اجتماعية بالعنصرية، فمثلا هناك اشخاص يقولون او يكتبون كلاما عنصريا، وهناك اشخاص قد يقومون باعمال عنصرية مثل استخدام العنف، كما ان هناك دولا بها قوانين رسمية تفرق بها في التعامل بين المواطنين، والتمييز والعنصرية قد تكون موجهة ضد دين معين، او مذهب، او عرق، او لون كالتمييز ضد السود، او قبيلة، او طبقة اجتماعية، او دولة اخرى، او جنس معين كالتمييز ضد المرأة، وما الى ذلك،

التفرقة في المعاملة والعنصرية هي مشكلة عالمية، وهي مرض عضال عانت وتعاني منه الانسانية، كم من حروب قامت بسبب العنصرية، وكم من الناس قتلوا وعذبوا، وكم من بشر تشردوا، وكم من اسر تحطمت، وكم من قلوب انكسرت، وكم من طاقات ومواهب اهدرت، بسبب العنصرية والتفرقة في المعاملة بغير وجه حق،

العنصرية والتمييز هي المنطقة التي يلتقي فيها المرض العقلي بالشر، ويتولد عن هذا الاجتماع افعال واقوال واساليب في الحياة ضارة على الجميع، هي مرض عقلي لأن تفكير الشخص العنصري يكون مضطربا وغير طبيعي، فالشخص العنصري يعتقد ان الجماعة الاخرى كلهم متشابهون وعندهم نفس النوايا، فهو يقوم بالتعميم ولا يرى ان هناك اختلافات في الجماعة الاخرى، وفي نفس الوقت يعتقد ان جماعته كلها متشابهة ولا يرى ان هناك اختلافات في جماعته، فهو يفكر بطريقة "نحن الاخيار وهم الاشرار"، وهذا هو قمة الشر في حد ذاته، حيث ان طريقة التفكير هذه تعطي الشخص الضوء الاخضر لعمل الشر نحو الاخرين،

فلا يمكن للشخص ان يؤذي جماعة اخرى الا عندما يقنع نفسه اولا بانهم اشرار، فهو يركز على اعمالهم السيئة، سواء كانت حقيقية او قصص يتوهمها، وينسى اعمالهم الخيرة، ويضخم اخطائهم، ويحقر من اعمالهم الطيبة، ويعتقد ان اعمالهم السيئة هي ناتجة عن صفات راسخة في انفسهم، ويعتقد ان اعمالهم الخيرة ما هي الا نفاق او خداع او كذب، والعنصري يتلقف الاخبار التي تؤيد اعتقاداته، فهو يبحث عن أي شيئ يغذي عنصريته وكرهه، ويركز انتباهه عليه، فهو يحب ان يقول دائما "شايفين، مش قلتلكم!!"، فهو يركز على الاعمال الشريرة عند الطرف الاخر ويتناسى اعمالهم الطيبة، والعنصري يضخم من الفروق بين الجماعتين، ويكره ان يرى التشابه بين جماعته وجماعتهم،

العنصرية مرض عقلي وجنون، وان لم تتخلص منه البشرية فسيبيدها عن بكرة ابيها، فهناك من هو عنصري ضد المسلمين، وهناك من هو عنصري ضد المسيحيين او اليهود او البوذيين او الهندوس او غيرهم، وهناك من هو عنصري ضد اتباع هذا المذهب الديني او ذاك، او ضد السود او البيض او غيرهم، وهناك من يميز ضد المرأة او الرجل، او ضد هذه القبيلة او تلك الدولة، وما الى ذلك، وكل عنصري يعتقد انه على حق، ومع الاسف بعض العنصريين يعتقد ان دينه يدعم عنصريته، وما هو الا شخص معتوه، يملأ قلبه الكره والحقد والضغينة وحب التعالي على الناس، وهؤلاء هم اخطر العنصريين، الذين تتحول عنصريتهم الى عقيدة دينية في عقولهم، ان خلط الدين بالعنصرية امر خطير، ويحدث عند اناس من كل الاديان والمذاهب والايدولوجيات،

عزيزي القارئ، انظر في اعماق نفسك، هل انت عنصري ضد جماعة ما؟ هل تقوم بالتعميم؟ هل تركز على مساوئهم وتنسى حسناتهم؟ هل تركز على الاختلافات وتضخمها؟ هل تقول او تكتب اشياء فيها عنصرية وتزيد من الكراهية وتشعل نار العداوات؟ هل تحرم الناس حقوقها لأنهم مختلفون عنك؟ هل تأخذ من نفسك مقياسا تقيس به كل الناس، فمن كان مشابها لك احببت ومن اختلف كرهت؟

د. ماجد عبدالعزيز عشي