الاثنين، 27 أبريل 2009

ضوء الشمس والصحة النفسية

حالات الاكتئاب عادة تزيد في فصل الشتاء وخصوصا في المناطق التي يكثر فيها هطول الامطار والثلوج والغيوم، وقد وجد العلماء ان هناك اناس كثيرون يعانون مما يسمى الاكتئاب الموسمي، بمعنى انهم يشعرون بالاكتئاب في فصل الشتاء اكثر من غيره من الفصول، ويعود ذلك الى ان وجود الغيوم يمنع نوعية معينة من الموجات الضوئية الشمسية من الوصول الى الارض، فضوء الشمس يحتوي على انواع مختلفة من الموجات الضوئية وعندما تصل هذه الموجات الى عين الانسان فانها تبدأ تفاعلات كيميائية معينة في العين ومن ثم في المخ وينتج عن هذه التفاعلات زيادة في افراز المواد التي تساعد على السعادة والمرح في المخ، ففي فصل الشتاء تحجب الغيوم انواع معينة من الموجات الضوئية وينتج عن ذلك نقص في افراز هذه المواد في المخ، بعض الناس عندها القدرة الطبيعية على تعويض هذا النقص ولكن البعض ليس لديهم هذه القدرة وينتج عن ذلك زيادة الاكتئاب، وتكثر حالات الانتحار في الشتاء والخريف، ولذلك تجد ان الاماكن المشمسة باعتدال هي دائما تعتبر اماكن للمرح والسعادة والترفيه، فضوء الشمس يبعث على الاحساس بالنشاط والسعادة، والعلاج يكون عادة بأن يستخدم الشخص "لمبات" مصنوعة بطريقة تجعلها توفر ضوء له موجات مشابهة لضوء الشمس وان يضعها الشخص في غرفته او مكتبه، وهناك ما يسمى العلاج الضوئي حيث يذهب المريض الى العيادة ويتم تعريضه لمدة ساعة تقريبا لضوء مشابه لضوء الشمس،

ومن الاشياء التي تساعد هو ان يبدأ الانسان يومه بتعريض نفسه ولو لدقائق لضوء الشمس عن طريق فتح النوافذ مثلا، فقد وجد الباحثون ان ضوء الشمس وخصوصا في الفجر يرسل اشارات الى المخ تجعله يعمل بطريقة صحية وجالبة للسعادة باذن الله، فضوء الشمس في الفجر كأنه "مفتاح السيارة" الذي يشغل السيارة، هو "يشغل المخ!"، وضوء الشمس يختلف في نوعيته من ساعة الى اخرى، فالذين يستيقظون متأخرا في اليوم او ينامون طوال النهار يخسرون الفرصة للتعرض لهذا النوع الخاص من ضوء الشمس في الفجر والذي له اثر فعال على المخ، فغالبية الطيور والحيوانات تستيقظ في الفجر ومع بزوغ ضوء الشمس،

د. ماجد عشي

الجمعة، 17 أبريل 2009

الزوايا

قبل عدة أيام كنت انتظر صديق لي في سيارتي في مدينة بوسطن، وكان الجو جميلا والعديد من الناس يمارسون رياضة الركض كما هي العادة في المدينة، ومر بجانبي شابة وشاب في العشرينات من العمر، وفجأة توقفت الشابة عن الركض وبدأت تشير بيدها الى شيئ ما اعلى احدى الاشجار امامها، ونظر الشاب الى ما تشير اليه ولكنه لم يراه حيث انه كان اطول منها شيئا ما وفي مكان اخر غيرها، ولكنها حاولت جاهدة التي تجعله يرى ما ترى، ولكنه لم يستطع من مكانه، فذهب الشاب وراءها وحنى ركبتيه حتى يكون في طولها واخذ ينظر الى المكان التي تشير اليه من زاويتها، وعندها أمكنه رؤية ما كانت تشير اليه، طير جميل في حجم النسر يجلس على غصن احدى الاشجار، ما كان يمكن لهذا الشاب أن يرى ما تراه هذه الشابة لو لم يرى الامر من زاويتها ولو تطلب ذلك ان ينحني قليلا ويغير مكانه، كان مهما لها ان يرى ما تراه ومهما له ان يرى ما تراه، شيئ جميل ان نحاول ان نرى الامور من زوايا الاخرين،

كل منا يرى الحياة من زاويته، من مكانه في الحياة، ولا احد يملك الحقيقة كاملة، هي فقط رؤيا من زاوية واحدة، وحتى تكتمل الصورة لا بد ان نرى الامور من زوايا مختلفة ونضع هذه الزوايا معا لنرى الصورة الكبيرة، ربما تعلمون قصة مكفوفي البصر والفيل، ذهب مجموعة من مكفوفي البصر الى حديقة الحيوان، وامسك كل منهم بطرف من الفيل، فقال الذي امسك بالفيل من ذيله أن الفيل نحيف وطويل، وقال الذي أمسك بأنف الفيل أن الفيل سميك وطويل، وقال الذي أمسك بأذن الفيل ان الفيل رقيق وعريض وهكذا، واخذوا يتصارعون فيما بينهم، والحقيقة هي في ان نجمع كل ما يقولون،

علمتني الحياة أن الناس قليلا ما يكذبون، ولكن كل منهم يقول جزء من الحقيقة، وقد يبدو الامر متعارضا في البداية، ولكن الحكيم هو من يضع الاجزاء معا ليعرف كامل الحقيقة، وعندما يصر كل طرف بأن يرى الامور من زاويته فقط ويرفض ان يعترف بأن هناك زوايا أخرى لرؤية الامور ويصر على ان أي رؤية أخرى غير صحيحة عندها يقع الخلاف والصراع، هذا المبدأ بسيط جدا، فمثلا ان كنت تريد ان تصف أي شيئ بشكل صحيح ككرسي مثلا او سيارة او غيره فلا بد ان تتنقل حول هذا الشيئ وتراه من كل الجوانب حتى ترى الصورة كاملة، وهذا ينطبق على كل الامور في الحياة،

لابد ان ترى الامور من وجهة نظر زوجتك حبيبتك وأولادك وأهل بلدك ومن وجهة نظر الاخرين أيضا حتى ترى الصورة أفضل، وحتى يمكنك ان تفعل الصحيح، الناس حولك ستحاول أن تشرح لك الامور من وجهة نظرهم، وان تمعنت في الامر لشكرتهم لانهم يساعدونك على زيادة وعيك ويعطونك قطعة جديدة في الصورة الكبيرة، فالناس تتعاون من أجل معرفة الحقيقة، الواثق من نفسه ومن معرفته لا يخاف أن يرى الامور من عدة زوايا،

حاول أن ترى الامور من وجهة نظر الاخرين، يتطلب الامر تضحيات، فذلك الشاب غير مكانه وثنى ركبتيه حتى يرى ما تراه، من المريح ان تقف في مكانك وترى الحياة من زاويتك، ومن المخيف أن تعرف مدى محدودية علمك، وتضحي بشيئ مما عندك من اجل رؤية الامور من زاوية أخرى، حاول، ربما سترى ذلك الطير الجميل الذي ارادت تلك الشابة ان تجعل ذلك الشاب يراه،


د. ماجد عشي