الثلاثاء، 27 يناير 2009

الدموع

الدموع لها وظائف عديدة، منها ترطيب العين وحمايتها وايضا هي رسائل بين الناس تدل على الحزن او الالم واحيانا على الفرح، فالدموع هي اسلوب للحوار ولقول ما لا يمكن قوله بالكلمات، فكم من القلوب لانت لرؤية دمعة تنزل من عين، كما ان الكثيرين يشعرون بالراحة بعد البكاء، بل ويعتبر الدكتور النفسي ان العلاج النفسي في طريق جيد ان اخذ الشخص في البكاء بعد فترة طويلة من عدم البكاء، فعدم القدرة على البكاء لا تساعد الشخص على الوصول الى الراحة النفسية، ولكن لماذا تريحنا الدموع؟


قام بعض العلماء بتحليل مكونات الدموع الكيميائية ووجدوا ان هناك ثلاثة انواع من الدموع، وكل نوع يختلف عن غيره في تركيبه الكيميائي،


فهناك دموع تكون دائما موجودة في العين لترطيبها وتكون كل دمعة محاطة بطبقة زيتية تجعلها تلتصق بالعين ولا تسقط،


والنوع الثاني هو الدموع التي تفرزها العين عندما يدخل فيها جسم غريب، وتكون هذه الدموع اكثر غزارة وتحتوي على كمية اكبر من المضادات الحيوية والانزيمات لمقاومة الجراثيم،


والنوع الثالث هو الدموع العاطفية التي تفرز وقت الحزن واحيانا وقت السعادة ايضا، وتحتوي هذه الدموع بالاضافة الى الملح والماء والانزيمات والمضادات الحيوية على بروتينات، وهذه البروتينات هي لهرمونات يفرزها الجسم وقت الضغط النفسي، بمعنى ان البكاء والدموع يخلصان الجسم من هرمونات الضغط النفسي والتي قد تضر بالجسم ان بقيت فيه، كما تحتوي الدموع على مواد كيميائية افرازها يخفف من الالم الجسماني، فالدموع والبكاء مفيدة للصحة الجسمانية والنفسية،


ومن الملاحظ تقريبا في كل انحاء العالم ان النساء اكثر بكاء من الرجال، وان "دمعتهم قريبة"، ولكن لماذا تبكي النساء اكثر من الرجال؟


هناك اسباب كثيرة اجتماعية وحضارية ونفسية وبيولوجية، فقد وجد الباحثون ان هناك هرمون يسمى البرولاكتين وهو موجود بنسبة اعلى عند النساء منها عند الرجال، وهذا الهرمون له دور هام في افراز الحليب عند النساء، وهو ايضا هرمون يزيد افرازه تحت الضغط النفسي، ويلعب دورا هاما في زيادة افراز الدموع العاطفية عند المرأة،


ولكن كيف يتخلص الرجال من اثار الضغط النفسي الكيميائية؟


يتخلصون منها من خلال العرق، فالرجال معروف عنهم انهم يعرقون بشكل اكبر من النساء، وهم يخرجون المواد السامة من خلاله، والنشاط الجسدي والرياضي يساعدان على التعرق بشكل اكبر ومن ثمة التخلص من المواد السامة في الجسم،


فالدموع نعمة، وقوة، ورسائل، وسلاح، وبرهان، ورجاء، ولا يفهمها غير المحبين



د. ماجد عشي

الجمعة، 23 يناير 2009

الاحلام

ماهي الاحلام؟ ولماذا نحلم؟
ينام الانسان في المتوسط حاولي ثمان ساعات يوميا، أي ما يعادل ثلث اليوم، أي ما يعادل ثلث عمره، فان عاش انسان ستون عاما فان عشرين عاما كاملة قضاها وهو نائم!! فلا بد ان النوم له دور مهم في حياة البشر، ولا ننسى ان الحيوانات جميعها تقريبا تنام ايضا، النوم يريح الجسم والحواس، واثناء النوم يفرز الجسم مواد وهرمونات تساعد على تجديد الخلايا وتعويض التالف منها، كما يفرز الجسم هرمونات النمو التي تساعد الاطفال على النمو، فاكثر نمو الطفل يحدث وهو نائم، ويفضل ان تكون الغرفة مظلمة شيئا ما لان الضوء يعيق من افراز بعض الهرمونات في الجسم، ونلاحظ ان النائم يتقلب تلقائيا في السرير كل ساعتين او ثلاث، وهذا مهم للوقاية من الجلطات وتخثرات الدم التي قد تنشأ عن الاستلقاء او الجلوس في وضع واحد لمدة طويلة، فقد وجد الباحثون ان الجلوس طويلا او سياقة السيارة لفترات طويلة او الجلوس في الطائرة دون حركة لساعات يزيد من احتمال تكون الجلطات، وهذا ويساعد النوم ايضا على اخراج مافي النفس من مشاعر عبر الاحلام، كما يكون النوم راحة من التفكير المستمر في مشاكل الحياة، فما هي الاحلام وكيف تحدث؟
في الحقيقة نحن نحلم طوال اليوم، ان احلام النوم لا تختلف عن احلام اليقظة ، فمثلا قد تكون مع شخص يحدثك وتستمع اليه، ولكن بين الحين والاخر يسرح تفكيرك وتفكر في امور اخرى، وبعد قليل تنتبه وتحاول الاستماع مجددا وهكذا، ما الذي يحدث هنا؟ هناك وعي لديك، وهناك شيئان يتصارعان للحصول على وعيك وتركيزك، هذان الشيئان هما العالم الخارجي والعالم الداخلي، العالم الخارجي من حولك يحصل على وعيك من خلال حواسك من سمع وبصر وغيرها، والعالم الداخلي فيه المشاعر والافكار والاماني، فان كان ما في العالم الداخلي اقوى مما في الخارج حصل العالم الداخلي على وعيك وانفصلت عن الخارج وسرحت، اما ان كان العالم الخارجي اقوى فانك ستعطيه اهتمامك ووعيك، ولكن العالم الداخلي موجود دائما، ولكنك لا تعطيه اهتماما، وقوته تختلف من حين لاخر، فكأن هناك قوتان جاذبتان لوعيك، قوة العقل الباطن او عالمك الداخلي وقوة العالم الخارجي، ونحن بين هذا وذاك طوال اليوم، وعندما ننام نغلق جميع منافذ العالم الخارجي من بصر وسمع وغيرها، ولا يبقى غير العالم الداخلي الذي يسيطر على الوعي بالكامل، وعندها يبدأ العالم الداخلي في تشكيل الوعي كيفما يشاء، وهذه هي الاحلام، فالاحلام هي الناتج الفني لعمل العقل الباطن والعالم الداخلي على الوعي، وقد يكون المخرج "تعبان" فيخرج افلام "تعبانة"!، فحسب حالة العقل الباطن تكون الاحلام، فقد تكون كوابيس وقد تكون احلام جميلة، فالاحلام هي منفذ وتعبير عما في العقل الباطن، كما يمكن ان تكون الاحلام تعبيرا عما يمر به الجسد، فقد يكون النائم جائعا فيحلم بالطعام، وقد يكون نائم في وضع غير مريح فيحلم انه يختنق، وقد تدل الاحلام عن وجود مرض في الجسم، فالاختناق المتكرر اثناء النوم قد يدل على مشاكل في القلب او الرئة، ويمكن للعقل الباطن ان يكون قد تأثر باشياء حدثت قبل النوم مباشرة فيعبر عنها في الاحلام، فمثلا ان شاهد شخص فلما مرعبا قبل النوم فقد يحلم بكوابيس، وان تعارك مع احد قبل النوم فقد يحلم باستمرار العراك، احيانا تساعدنا الاحلام على اقتراح حلول لمشاكل نعيشها، فعندما نكون في اليقظة يكون فكرنا مشتتا نتيجة كثرة الاعمال والاقتراحات وما الى ذلك، ولكن عند النوم يكون الفكر احيانا اكثر وضوحا كالحاسب الالي ويعبر الحلم عن الحلول المنطقية للمشكلة دون التأثيرات الخارجية، وهذه الظاهرة يمر فيها بعض دارسي الرياضيات الذين قد يحلمون بحل معادلات رياضية كانوا يحاولون حلها في النهار دون نتيجة، وقد تكون الاحلام مجرد تفريغ شحنات كهربائية في المخ تثير اجزاء مختلفة دون ان يكون لهذه الصور أي معنى محدد، فالاحلام ليست ناتجة عن شيئ واحد، فقد تكون ناتج اسباب كثيرة حسب الوضع .


د. ماجد عشي

الاثنين، 19 يناير 2009

المشي على اطراف الاصابع

قبل فترة استأجرت شقة في مدينة هامبتون في ولاية نيوهامشير، وهي مدينة ساحلية هادئة جميلة، وكان الطقس شتاء والثلوج تملأ المكان ويتساقط بكثرة، وانا بطبعي احب الاختلاء بنفسي والهدوء، واجد في الصمت متعة كبيرة، ففي حقيقة الامر مررت بتجارب كثيرة في حياتي، وقابلت الاف الناس من اصدقاء وزملاء وطلبة واحباب، وكنت في كثير من الاحيان قريب جدا من كثيرين منهم، ربما بحكم عملي في علم النفس وربما بسبب شخصيتي او ربما احبوني، لا اعلم،

الحياة مليئة باحداث وامور تجعلنا نشعر بمشاعر مختلفة طوال اليوم، واغلبها مشاعر عارضة، كالسحاب يأتي ويذهب، وقد تكون حتى كالاعاصير، ولكنها تذهب، ولكن هناك مشاعر راسخة، تبقى ولا تتحرك، وعندما تهدأ العواصف، وتقف الريح، تظهر هذه العواطف من وراء الضباب، لانها كانت موجودة طوال الوقت، كانت هناك،

وبينما كنت وحيدا اقرأ كتابا، دق الباب، ففتحته، ووجدت امرأة متقدمة في السن، فعرفتني بنفسها وقالت:

"ارجو ان لا اكون قد ازعجتك"

"لا، ابدا، هل هناك شيئ؟"

"انا مديرة هذه البناية، وعندي رجاء"، عندها تذكرتها، كنت قد رايتها في مكتب زوجها عندما وقعت على عقد الشقة،

"تفضلي"

"في الشقة المجاورة لك تسكن ابنتي ومعها اطفالها الثلاثة، ولد وبنتان، تتراوح اعمارعم بين السابعة والحادية عشر، وهي شقتي، وانا وزوجي نحاول اخفائهم عن ابوهم، فهو سيئ وتكرر دخوله السجن لجرائم عديدة، وقد هدد ابنتي بالقتل لانها تركته، انا اعلم ان الاطفال قد يزعجوك باصواتهم العالية، ولكن ارجوك، ان ازعجوك اخبرني وانا سوف اتحدث معهم، ولكن ارجوك لا تشتكي لصاحب الشقة التي تسكن انت فيها، لان النتيجة ستكون ان يطلب اصحاب العمارة ان تترك ابنتي واحفادي الشقة و اضطر الى ذلك، وهم فقراء وليس لهم مصدر دخل، ولن يكون لهم مكان يذهبون له سوى الملجأ، وانا وزوجي ليس عندنا الا هذه الشقة ودخلنا البسيط من ادارة هذه العمارة، ارجوك اخبرني ان ضايقوك، وانا ساكلمهم"

فوجئت بكلامها، وبعد شيئ من الوقت لاستيعاب ما قالت قلت لها:

"لا تقلقي سيدتي، انا لا يزعجني الاطفال، وان حدث ان كان هناك اي شيئ فسوف اتصل بك او بزوجك واخبركم، ولن اشتكي الى صاحب الشقة"

فشكرتني وذهبت،


ومرت ايام واسابيع وانا لا اسمع اي صوت آت من الشقة المجاورة، على الرغم من ان الجدران تنقل اي صوت، فقلت في نفسي ربما تركوا المكان، وفي احد الايام وبينما كانت الثلوج تهطل في الخارج، سمعت صوتا في الطرقة بين الشقق:


"اششش، لا ترفعي صوتك"


ففتحت الباب قليلا لارى من بالخارج، فوجدت الاطفال الثلاثة يسيرون على اطراف اصابعهم حتى لا يزعجوني!! ويحملون على ظهورهم حقائب المدرسة، لقد كانوا يسكنون بجانبي ولكنهم كانوا يفعلون كل ما يستطيعون حتى لا يتم طردهم من الشقة ويذهبون الى الملجأ!

كم تحطم قلبي عندما رأيتهم يمشون على اطراف اصابعهم،


كم من الناس يمشون على اطراف اصابعهم ارضاء للاخرين او خوفا منهم؟


هل "تمشي انت على اطراف اصابعك"؟


اليس متعبا المشي على اطراف الاصابع!!



د. ماجد عشي


















الأحد، 18 يناير 2009

الطب السلوكي

الطب السلوكي هو فرع من فروع علم النفس تم تعريفه وانشاءه في السبعينات من القرن الماضي، وهو علم يبحث في الاسباب السلوكية للامراض الجسمية ويركز على معالجة الامراض الجسمية من خلال تغيير السلوك، فنحن ان نظرنا الى الكثير من الامراض الجسمية نجد ان لها اسباب سلوكية، فمثلا امراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر تنتج في جانب منها من سلوكيات غذائية غير صحية، فقلة الحركة والرياضة والاكثار من اكل الاملاح او السكريات لها علاقة بظهور هذه الامراض وعدم السيطرة عليها، فالسلوك يمكن تصنيفه الى سلوكيات صحية وسلوكيات غير صحية، السلوكيات الصحية هي كل السلوكيات التي قد تؤدي الى الوقاية من الامراض او علاجها او التحكم فيها، والسلوكيات غير الصحية هي كل ما يمكن ان يؤدي الى الامراض او تفاقمها او عدم التحكم فيها، وبناء عليه فالتدخين سلوك غير صحي لانه يزيد من احتمالات الاصابة بالسرطان، بينما اكل الخضروات والمشي سلوكيات صحية لانها تزيد من احتمالات الوقاية من الامراض او التحكم فيها، والطب السلوكي يستخدم مبادئ العلاج السلوكي لتغيير السلوكيات غير الصحية وتعليم السلوكيات الصحية، ففي البداية يقوم المعالج بتحليل سلوكيات المريض لمعرفة السلوكيات المرتبطة بالمرض، فمثلا ان كان شخص مصاب بالام ظهر مزمنة يقوم المعالج بتحديد السلوكيات المرتبطة بهذا المرض من طريقة المشي الى نوعية مرتبة السرير الى طريقة الجلوس وما الى ذلك، واحيانا تغييرات بسيطة في السلوك تنتج عن توعية تكون كافية لعلاج المشكلة، ولكن احيانا يصعب على المريض تغيير سلوكه الغير صحي، عندها يقوم المعالج بتحليل هذا السلوك اكثر لمعرفة ما هي الاشياء التي تديم او تساعد هذا السلوك الغير صحي على الاستمرار، وعلماء السلوك يسمون الاشياء التي تديم السلوك "مكافئات"، فالانسان لا بد ان يكون حاصلا على شيئ يحبه او "مكافئة" نتيجة هذا السلوك والا لما استمر، واحيانا تكون المكافئة واضحة وسهلة التحديد، واحيانا تكون المكافئة التي يحصل عليها الشخص غامضة وتحتاج الى بحث، فبعد ان يحدد المعالج المكافئات التي تدعم السلوك الغير صحي يمكنه بعدها ان التحكم في هذه المكافئات حتى يتم تعديل السلوك او تغييره، اذكر لكم حالة ذكرها لنا استاذنا الدكتور مستوفسكي وهو احد مؤسسي الطب السلوكي وهو متخصص في علاج الصرع، ذكر انه في مرة كان عنده طفل في العاشرة تقريبا، وكان يعاني من نوبات صرع متكررة كثيرا ولم تفلح أي من الادوية والعلاجات في التحكم في حالته، واحتاروا في امره، وفي يوم جاءت المتدربة تحت الدكتور مستوفسكي واقترحت عليه ان يسأل الطفل هذا السؤال:

لو كان بامكاننا مساعدتك، كم نوبة صرع تحب ان تأتي لك في العام؟

فاستغرب الدكتور اقتراحها وقال لها لا بد ان الطفل سيقول ولا واحدة، فليس من المعقول ان يكون يحب حالات الصرع،

فقالت له انه لن يخسر شيئ ان جرب،

وفعلا في اليوم التالي جلس مع الطفل وسأله هذا السؤال، فابتسم الطفل بشيئ من الخبث ورد: واحدة او اثنتين!!

فاندهش الدكتور، وسأل: تحب ان تأتيك نوبة او اثنتين في العام؟ لماذا؟

فرد الطفل مبتسما: احيانا تساعدني هذه النوبات على الغياب عن المدرسة او عدم حل الواجبات،

عندها عرف الدكتور ان هناك "مكافئات" يحصل عليها هذا الطفل نتيجة الصرع، وان عليه التعامل مع هذا الامر حتى يمكن انهاء هذه الحالات، ومن الحالات الاخرى حالة رجل كان يعاني ايضا من الصرع، ولم يتمكن الاطباء من التحكم في حالته، وبعد دراسات لاحظ الاطباء انه كلما جاءت هذا الرجل نوبة صرع وارتمى على الارض هرعت الممرضات "الجميلات" لمساعدته وانقاذه، والتموا حوله وامسكوا به، فهل يمكن ان تكون هذه هي المكافئة التي يحصل عليها الرجل؟ ولمعرفة ذلك طلب الاطباء من الممرضات عدم الجري نحو المريض وطلبوا من الممرضين الرجال فعل ذلك، وبعد عدة نوبات بدأ عدد النوبات في التنازل، ونحن لا نقول هنا بأن المريض يدعي النوبات او يكذب، ولكنه لا شعوريا يحصل على مكافئة على النوبة، بالطبع للصرع اسباب بيولوجية وغيرها كثيرة، وليس كل حالات الصرع يكون هناك ما يدعمها سلوكيا ولكن هناك حالات هكذا،

وهناك امراض كثيرة يمكن تجنبها بسلوكيات بسيطة، فمثلا امراض الضغط والسكر يمكن زيادة الوقاية منها من خلال زيادة الحركة والغذاء الصحي، والامراض المعدية يمكن الوقاية منها من خلال النظافة كغسل الفواكه والخضروات وغسل اليدين بعد الحمام او بعد استخدام كمبيوتر عام او مصافحة شخص مريض بالزكام مثلا، وهكذا، فالتركيز لا يجب ان يكون فقط على العلاج الدوائي والجراحي بل والسلوكي ايضا، والاطباء بعرفون انه يصعب التحكم في الامراض المزمنة ما لم يغير المريض من سلوكه المؤدي الى المرض، والطب السلوكي يعمل على تغيير السلوك المؤدي للامراض وزيادة السلوكيات الصحية،





د. ماجد عشي

السبت، 10 يناير 2009

النمو الاخلاقي


بنظرة سريعة من حولنا نجد ان ليس كل الناس على نفس المستوى من الاخلاق والفهم الاخلاقي، ويعود ذلك الى عدة عوامل، احدها هو مستوى الشخص في النمو الاخلاقي، فقد وجد كوهلبرج، وهو احد علماء النفس، بعد دراسات انه يمكن تصنيف الناس الى ستة مستويات اخلاقية، حيث ان الانسان في نموه النفسي من الطفولة والى الرشد يمر بهذه المراحل، ولكن بعض الناس يتوقف نموها الاخلاقي عند مستوى معين ولا يتطورون بعده، وقد بنى كوهلبرج نظريته الشهيرة على ردود مجموعة كبيرة من الناس على القصة التالية، حيث اخبرهم كوهلبرج هذه القصة وسألهم سؤالا في نهايتها، حاول ان تقرأ القصة وتجيب على السؤال قبل النظر الى المستويات، وهذه هي القصة:

كان هناك رجل اسمه هاينز، وكان متزوجا من فتاة جميلة وطيبة ويحبها وتحبه، وكانا سعيدين جدا مع بعضهما، الا ان زوجته تم تشخيصها بمرض خطير، واخبره الاطباء بأنها ستموت خلال ايام ان لم تحصل على دواء معين، واخبروه ان هذا الدواء موجود فقط في صيدلية واحدة في العالم كله (هكذا هي القصة)، فذهب هاينز الى صاحب الصيدلية وساله عن ثمن الدواء، فأخبره انه بالفين دولار، ولكن هاينز وزوجته فقراء ولا يملكون هذا المال، فذهب هاينز وباع كل ما يملك، واستدان من كل شخص او بنك امكنه الاستدانة منه، وتمكن من جمع الف وخمسمائة دولار، وذهب الى صاحب الصيدلية يرجوه ان يقبل المبلغ مقابل الدواء، ولكن صاحب الصيدلية رفض، واصر انه لن يعطيه الدواء الا اذا اتى بالمبلغ كاملا، فذهب هاينز الى البيت وجلس اياما يفكر، وحالة زوجته تتدهور، ووصلت الى الاغماء ولم يبقى غير ساعات وتموت ان لم تأخذ الدواء، واخذ هاينز ينظر الى زوجته الحبيبة وهي تصارع الموت، وفي منتصف الليل ذهب هاينز الى الصيدلية وكسر الباب وسرق الدواء واعطاه الى زوجته وتم انقاذ حياتها،

السؤال: في رأيك، هل ما فعله هاينز من سرقة الدواء صواب ام خطأ؟ ولماذا تفكر كذلك؟

وهذه هي المستويات الستة من الاقل نموا الى الاكثر نموا:

1. الخوف من العقاب
الاشخاص في هذا المستوى يفهمون الصواب على انه ما ليس فيه عقاب والخطأ هو ما يجلب العقاب، مثلهم مثل الاطفال في السنوات الاولى من الطفولة، فخوفهم من العقاب هو ما يحركهم، فان امنوا العقاب فعلوا اي شيئ، فالشخص الذي في هذا المستوى قد يقول ان ما فعله هاينز كان صحيحا لانه لم يتم القبض عليه، او ان ما فعله هاينز كان خطأ لانه قد يقبض عليه ويوضع في السجن، واغلبية المجرمين هم في هذا المستوى الاخلاقي،

2. الرغبة في المكافئة
الصواب عند هؤلاء هو ما يجلب المكافأة سواء من مال او مديح او شهرة او غيره، والخطأ هو ما ليس فيه مكافأة او مصلحة ذاتية، فهؤلاء تحركهم مصالحهم، فالصحيح هو ما فيه مصلحة لهم، والخطأ هو ما لا مصلحة لهم فيه، فقد يكون رد هؤلاء على قصة هاينز بأنه اخطأ لأنه لا مصلحة له في تعريض نفسه للخطر من اجل زوجته، واذكر احد طلابي اجاب عندما عرضت القصة في المحاضرة بأن هاينز اخطأ لانه كان عليه ان يأخذ ضمانات اولا بأن زوجته ستفعل نفس الشيئ ان كان هو في خطر، فالمصالح تحرك هؤلاء،

3. الرغبة في الحب والانتماء
هؤلاء يرون ان الصواب هو كل ما يجلب الحب لهم، والخطأ هو كل ما يبعد الحب عنهم، وهم يرون ان الحب هو غاية سامية، ويفعلون كل شيئ باسم الحب، ويهدفون ايضا الى التناغم الاجتماعي، فمثلا هؤلاء يقولون ان هاينز فعل الصواب لانه انقذ زوجته حبيبته وان الحياة الانسانية اهم من عدم السرقة، فالانسان عليه ان يفعل أي شيئ من اجل من يحب،

4. الحرص على النظام والقانون
في هذا المستوى يرى الشخص ان هناك نظاما وقانونا لا بد من الالتزام بهم ولا يجوز تجاوزهم لاسباب شخصية والا عمت الفوضى في المجتمع، فهؤلاء يرون ان ما فعله هاينز خطأ لانه خالف النظام والقانون وان لو كل انسان عنده مريض في البيت سرق او كل انسان معدم خالف القانون لانتشر الخوف والفوضى في المجتمع، ولذلك نرى اشخاصا من الشرطة والجيش وغيرها يفعلون امورا قد لا تكون فيها حب ولكن فيها حفاظ على الامن والنظام العام، فالحب ليس هو ما يحرك كل الناس، فبعض الناس قد يفعلون اشياء قد تهدف الى الصالح العام حتى لو كانت على حساب الحب، وهم يتم تدريبهم في المدرسة والمجتمع على هذه الامور، فيتعلمون مثلا ان لا تحركهم العواطف،

5. العدالة
هنا يعتقد الشخص بأن هناك حالات تكون فيها الانظمة والقوانين خاطئة، وهنا يرفض الشخص عن وعي اخلاقي اتباع هذه القوانين الغير عادلة، وقد يحاول ان يغير من هذه الانظمة والقوانين من خلال تشريعات وقوانين جديدة تتماشى مع العدل والمبادئ السامية، فهذا الشخص قد يقول ان ما فعله هاينز كان صوابا لان النظام الذي يسمح بالاحتكار بهذا الشكل هو نظام غير عادل، وقد يضيف انه على هاينز تسليم نفسه لاخذ العقوبة، ونسبة قليلة من المجتمع تكون في هذا المستوى، وعادة ما يكونون قادة سياسيون او مشرعون قانونيون او مصلحون،

6. القيم العليا
واحد من كل مائة شخص يكونون في هذا المستوى، ومنهم كبار القيادات الاخلاقية في التاريخ، فهؤلاء يؤمنون بأن هناك قيم عليا موجودة في الوجود، فهم يعلمون الناس عن هذه القيم العليا، و يفتحون افاق جديدة امام الناس لفهم القيم العليا، ويكون ذلك بسلوكهم وقولهم، فؤلاء هم القادة الاخلاقيون في التاريخ البشري، وقد يكون رد هؤلاء على قصة هاينز غريبا وجديدا وعميقا ويصعب فهمه، فيكون فيه حكمة تتطلب دراسة ويصعب على من هم في مستوى اخلاقي اقل استيعاب اسباب ردهم،


د. ماجد عشي